الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى
.(فَصْلٌ): [الْأَغْسَالُ الْمَسْنُونَةُ]: (وَالْأَغْسَالُ الْمَسْنُونَةُ سِتَّةَ عَشَرَ) غُسْلًا، (آكَدُهَا): الْغُسْلُ (لِصَلَاةِ جُمُعَةٍ)، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ» وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَقَوْلُهُ: وَاجِبٌ، أَيْ: مُتَأَكَّدُ الِاسْتِحْبَابِ، وَيَدُلُّ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَمَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ. وَاخْتُلِفَ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ: لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْهُ. وَيُعَضِّدُهُ مَجِيءُ عُثْمَانَ إلَيْهَا بِلَا غُسْلٍ (فِي يَوْمِهَا)- أَيْ: الْجُمُعَةِ- فَلَا يُجْزِئُ الِاغْتِسَالُ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِهِ، لِمَفْهُومِ مَا سَبَقَ مِنْ الْأَحَادِيثِ، (لِذَكَرٍ حَضَرَهَا)- أَيْ: الْجُمُعَةَ- (وَصَلَّى)، لِخَبَرِ {مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ} وَتَقَدَّمَ، (وَلَوْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ) الْجُمُعَةُ كَالْعِيدِ وَالْمُسَافِرِ. وَاغْتِسَالُهُ (عِنْدَ مُضِيٍّ) إلَيْهَا أَفْضَلُ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَقْصُودِ، (وَ) اغْتِسَالُهُ (عَنْ جِمَاعٍ أَفْضَلُ) لِلْخَبَرِ، وَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ، (وَلَا يَضُرُّ حَدَثٌ) أَصْغَرُ (بَعْدَ غُسْلٍ)؛ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَا يُبْطِلُ الْغُسْلَ. (ثُمَّ) يَلِيه الْغُسْلُ (لِغُسْلِ مَيِّتٍ) كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ، (مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ)، وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ فِي ثَوْبٍ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ، وَحَسَّنَهُ. (ثُمَّ) يَلِيه بَقِيَّةُ الْأَغْسَالِ الْآتِيَةِ، وَهِيَ: الْغُسْلُ لِصَلَاةِ (عِيدٍ فِي يَوْمِهَا لِمَنْ) حَضَرَهَا، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْعِيدِ وَالْأَضْحَى» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ وَمَحِلُّهُ: إنْ (صَلَّى) الْعِيدَ (وَلَوْ مُنْفَرِدًا) بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ لِلصَّلَاةِ كَالْجُمُعَةِ، فَلَا يُشْرَعُ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ وَلَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ.(وَ) الرَّابِعُ: الْغُسْلُ (لِ) صَلَاةِ (كُسُوفٍ) (وَ) الْخَامِسُ: الْغُسْلُ: (لِ) صَلَاةِ (اسْتِسْقَاءٍ)، قِيَاسًا عَلَى الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ بِجَامِعِ الِاجْتِمَاعِ.(وَ) السَّادِسُ: الْغُسْلُ (لِجُنُونٍ).(وَ) السَّابِعُ: الْغُسْلُ (لِإِغْمَاءٍ)؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اغْتَسَلَ لِلْإِغْمَاءِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ احْتَلَمَ وَلَمْ يَشْعُرْ، وَالْجُنُونُ فِي مَعْنَاهُ بَلْ أَبْلَغُ، فَإِنْ أَنْزَلَ؛ وَجَبَ الْغُسْلُ.(وَ) الثَّامِنُ: الْغُسْلُ (لِاسْتِحَاضَةٍ)، فَيُسَنُّ لِلْمُسْتَحَاضَةِ أَنْ تَغْسِلَ لِكُلِّ صَلَاةٍ «لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ أُمَّ حَبِيبَةَ لَمَّا اُسْتُحِيضَتْ»، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ.(وَ) التَّاسِعُ: الْغُسْلُ (لِإِحْرَامٍ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ وَاغْتَسَلَ» رَوَاه التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ (حَتَّى لِحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ) فَيُسَنُّ لَهُمَا الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ «لِأَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ نَفِسَتْ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ يَأْمُرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ» رَوَاه مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ.(وَ) الْعَاشِرُ: الْغُسْلُ (لِدُخُولِ مَكَّةَ)، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ: حَتَّى لِحَائِضٍ، أَيْ: وَنُفَسَاءَ، قِيَاسًا عَلَى الْإِحْرَامِ، وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بِالْحَرَمِ، كَمَنْ بِمِنًى إذَا أَرَادَ مَكَّةَ سُنَّ لَهُ الْغُسْلُ لِدُخُولِهَا.(وَ) الْحَادِيَ عَشَرَ: الْغُسْلُ (لِ) دُخُولِ (حَرَمِهَا)، أَيْ: مَكَّةَ.(وَ) الثَّانِي عَشَرَ: الْغُسْلُ (لِلْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ)، رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ.(وَ) الثَّالِثَ عَشَرَ: الْغُسْلُ (لِطَوَافِ زِيَارَةٍ)، وَهُوَ: طَوَافُ الْإِفَاضَةِ.(وَ) الرَّابِعَ عَشَرَ: الْغُسْلُ (لِطَوَافِ وَدَاعٍ).(وَ) الْخَامِسَ عَشَرَ: الْغُسْلُ (لِمَبِيتٍ بِمُزْدَلِفَةَ).(وَ) السَّادِسَ عَشَرَ: الْغُسْلُ (لِرَمْيِ جِمَارٍ)؛ لِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا أَنْسَاكٌ يَجْتَمِعُ لَهَا النَّاسُ، فَاسْتُحِبَّ لَهَا الْغُسْلُ كَالْإِحْرَامِ وَدُخُولِ مَكَّةَ.قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ: وَيَتَكَرَّرُ رَمْيُ الْجِمَارِ بِتَكَرُّرِهَا، فَيَكُونُ فِي يَوْمَيْ التَّشْرِيقِ لِلْمُتَعَجِّلِ، وَفِي الثَّلَاثَةِ لِغَيْرِهِ، فَيَكُونُ ثَلَاثَةَ أَغْسَالٍ، وَرُبَّمَا زِيدَ فِي قَوْلِهِمْ: غُسْلُ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ: يَوْمَ النَّحْرِ، فَيَكُونُ غُسْلُ رَمْيِ الْجِمَارِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَلَمْ يَذْكُرُوا غُسْلَ طَوَافِ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّهُ يَغْتَسِلُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَهُوَ عَقِبَ دُخُولِهِ انْتَهَى.(وَيَتَّجِهُ زِيَادَةُ) سَابِعَ عَشَرَ، وَهُوَ: غُسْلُ (مَنْ وَلَدَتْ بِلَا دَمٍ، مُرَاعَاةً لِخِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ)، جَزَمَ بِهِ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْإِفَادَاتِ وَاخْتَارَهُ غَيْرُهُمْ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَتَيَمَّمُ) اسْتِحْبَابًا (لِلْكُلِّ)، أَيْ: كُلِّ مَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْغُسْلُ (لِحَاجَةٍ) تُبِيحُ التَّيَمُّمَ، كَتَعَذُّرِ الْمَاءِ لِعَدَمٍ أَوْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ، (وَ) يَتَيَمَّمُ أَيْضًا اسْتِحْبَابًا (لِمَا يُسَنُّ لَهُ وُضُوءٌ) مِنْ قِرَاءَةٍ وَأَذَانٍ وَشَكٍّ وَغَضَبٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ. (وَلَا يُسْتَحَبُّ غُسْلٌ لِحِجَامَةٍ)؛ لِأَنَّهُ دَمٌ خَارِجٌ أَشْبَهَ الرُّعَافَ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا «يُغْتَسَلُ مِنْ أَرْبَعٍ: مِنْ الْجُمُعَةِ، وَالْجَنَابَةِ، وَالْحِجَامَةِ، وَغَسْلِ الْمَيِّتِ» رَوَاه أَبُو دَاوُد؛ فَفِيهِ مُصْعَبُ بْنُ شَيْبَةَ.قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَلَا بِالْحَافِظِ، وَقَالَ أَحْمَدُ: إنَّ أَحَادِيثَهُ مَنَاكِيرُ، وَإِنَّ هَذَا مِنْهَا (وَ) لَا (لِبُلُوغٍ) بِغَيْرِ إنْزَالٍ، (وَ) لَا (لِعَاشُورَاءَ)، وَمَا وَرَدَ فِي ذَلِكَ مَوْضُوعٌ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَيْهِ.(وَ) لَا يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ (لِكُلِّ اجْتِمَاعٍ) كَلِوَلِيمَةٍ وَمَشُورَةٍ وَنَحْوِهَا لِعَدَمِ وُرُودِهِ، (وَ) لَا (لِدُخُولِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ)، عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ..(فَصْلٌ): [صِفَةُ الْغُسْلِ]: (وَصِفَةُ غُسْلٍ كَامِلٍ) وَاجِبًا كَانَ أَوْ مُسْتَحَبًّا: (أَنْ يَنْوِيَ) رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ، أَوْ الْغُسْلَ لِلصَّلَاةِ أَوْ الْجُمُعَةِ مَثَلًا، (وَيُسَمِّيَ)، أَيْ: يَقُولَ: بِسْمِ اللَّهِ بَعْدَ النِّيَّةِ، (وَيَغْسِلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا) خَارِجَ الْمَاءِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ، وَيَصُبَّ الْمَاءَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ، فَيَغْسِلَ (مَا لَوَّثَهُ مِنْ مَنِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ) كَمَذْيٍ، (ثُمَّ يَضْرِبَ بِيَدِهِ الْحَائِطَ أَوْ الْأَرْضَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا)، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ الْمُتَّفِقِ عَلَيْهِ، (ثُمَّ يَتَوَضَّأَ كَامِلًا) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «ثُمَّ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» (وَيُرَوِّيَ)- بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ- (رَأْسَهُ)، أَيْ: أُصُولَ شَعْرِهِ، (ثَلَاثًا)، يَحْثِيَ الْمَاءَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، (ثُمَّ) يَغْسِلَ (بَقِيَّةَ جَسَدِهِ) بِإِفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ (ثَلَاثًا)، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ يُخَلِّلَ شَعْرَهُ بِيَدَيْهِ حَتَّى إذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ رَوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَيَتَيَامَنَ)- أَيْ: يَبْدَأَ بِمَيَامِنِهِ- اسْتِحْبَابًا، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الْحِلَابِ، فَأَخَذَ بِكَفَّيْهِ فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالْحِلَابُ: بِكَسْرِ الْحَاءِ، وَالْمِحْلَبَةُ: بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَفَتْحِ اللَّامِ؛ إنَاءٌ يُحْلَبُ فِيهِ.قَالَ الْخَطَّابِيِّ: إنَاءٌ يَسَعُ حَلْبَ نَاقَةٍ، (وَيُدَلِّكَهُ)- أَيْ: جَسَدَهُ اسْتِحْبَابًا لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَيْهِ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأُمِّ سَلَمَةَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ «إنَّمَا يَكْفِيَكِ أَنْ تَحْثِي عَلَى رَأْسِكِ الْمَاءَ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ» رَوَاه مُسْلِمٌ (وَيَتَفَقَّدَ أُصُولَ شَعْرٍ)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةٌ»(وَغَضَارِيفَ أُذُنٍ وَتَحْتَ حَلْقٍ وَإِبِطٍ، وَ) تَحْتَ (خَاتَمٍ، وَعُمْقَ سُرَّةٍ وَطَيَّ رُكْبَتِهِ)، لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَيْهَا (وَيَكْفِي الظَّنُّ فِي الْإِسْبَاغِ، وَهُوَ):- أَيْ: الْإِسْبَاغُ- (تَعْمِيمُ عُضْوٍ بِمَاءٍ بِحَيْثُ يَجْرِي) الْمَاءُ (عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ مَسْحًا)؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْيَقِينِ حَرَجٌ وَمَشَقَّةٌ، (ثُمَّ يَتَحَوَّلَ عَنْ مَوْضِعِهِ فَيَغْسِلَ قَدَمَيْهِ، وَلَوْ) كَانَ (فِي حَمَّامٍ) وَنَحْوِهِ مِمَّا لَا طِينَ فِيهِ، لِقَوْلِ مَيْمُونَةَ «ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ» (وَإِنْ أَخَّرَ غُسْلَهُمَا)- أَيْ: قَدَمَيْهِ- (فِي وُضُوءٍ لِآخِرِ غُسْلِهِ فَلَا بَأْسَ)، لِوُرُودِهِ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ. (وَكُرِهَ إعَادَةُ وُضُوءٍ بَعْدَ غُسْلٍ لِمُتَوَضِّئٍ قَبْلَهُ)- أَيْ: قَبْلَ الْغُسْلِ-؛ لِأَنَّهُ عَبَثٌ (وَيَتَّجِهُ احْتِمَالُ- بَلْ يَحْرُمُ-) الْوُضُوءُ بَعْدَ الْغُسْلِ عَلَى مُتَيَقِّنٍ أَنَّهُ تَوَضَّأَ قَبْلَ اغْتِسَالِهِ، وَلَهُ الصَّلَاةُ بِمَا تَيَقَّنَهُ، (وَلَوْ لَمْ يَتَوَضَّأْ) ثَانِيًا وَإِنَّمَا حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ (لِتَعَاطِيهِ عِبَادَةً فَاسِدَةً)، وَيُقَوِّي الِاحْتِمَالَ إذَا كَانَ بِالنَّاسِ حَاجَةٌ إلَى الْمَاءِ، أَوْ كَانَ بِكُلْفَةٍ كَمَاءِ حَمَّامٍ، (إلَّا أَنْ يُنْتَقَضَ) وُضُوءُهُ (بِنَحْوِ مَسِّ فَرْجٍ) كَخُرُوجِ رِيحٍ، (فَيَجِبُ) عَلَيْهِ إعَادَتُهُ ثَانِيًا إذَا أَرَادَ فِعْلَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُجْزِئُ) (عَصْرُ شَعْرِهِ مِنْ) مَاءِ (غَسْلَةٍ ثَانِيَةٍ عَلَى لُمْعَةٍ مِنْ جَسَدِهِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ) حِينَ إفَاضَتِهِ. (وَصِفَةُ) غُسْلٍ (مُجْزِئٍ:) (أَنْ يَنْوِيَ وَيُسَمِّيَ) كَمَا مَرَّ، (وَيُعِمَّ بِمَاءٍ جَمِيعَ بَدَنِهِ) سِوَى دَاخِلَ عَيْنٍ فَلَا يَجِبُ وَلَا يُسَنُّ (حَتَّى مَا يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِ امْرَأَةٍ عِنْدَ قُعُودٍ لِحَاجَةِ) بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ، (وَ) حَتَّى (حَشَفَةَ أَقْلَفَ)- أَيْ: غَيْرَ مُخْتَتَنٍ- (مَفْتُوقٍ)؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ فَيَجِبُ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا، (وَ) حَتَّى (دَاخِلَ فَمٍ وَأَنْفٍ) وُجُوبًا، (وَ) حَتَّى (بَاطِنَ شَعْرٍ) خَفِيفٍ وَكَثِيفٍ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْبَدَنِ لَا مَشَقَّةَ فِي غَسْلِهِ، فَوَجَبَ كَبَاقِيهِ. وَلَا يَجِبُ غَسْلُ دَاخِلِ فَرْجٍ مِنْ جَنَابَةٍ، وَكَذَلِكَ حَشَفَةُ أَقْلَفَ غَيْرِ مَفْتُوقٍ.(وَ) يَتَعَيَّنُ (غَسْلُ شَعْرٍ مُسْتَرْسِلٍ مَعَ نَقْضِهِ وُجُوبًا لِحَيْضٍ وَنِفَاسٍ)، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا «إذَا كُنْتِ حَائِضًا خُذِي مَاءَكِ وَسِدْرَكِ وَامْتَشِطِي»، وَلِابْنِ مَاجَهْ «اُنْقُضِي شَعْرَكِ وَاغْتَسِلِي» وَلِتَحَقُّقِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى مَا يَجِبُ غَسْلُهُ، وَ(لَا) يَجِبُ نَقْضُهُ لِغُسْلٍ مِنْ (جَنَابَةٍ إذَا رَوَتْ أُصُولَهُ)؛ لِأَنَّهُ يَكْثُرُ فَيَشُقُّ ذَلِكَ فِيهِ، بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ. (وَيَرْتَفِعُ حَدَثٌ أَكْبَرُ أَوْ أَصْغَرُ قَبْلَ زَوَالِ حُكْمِ خَبَثٍ) لَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ كَطَاهِرٍ عَلَى مَحَلِّ الْحَدَثِ لَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ. (وَتُسَنُّ مُوَالَاةٌ) فِي غُسْلٍ، لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا تَجِبُ كَالتَّرْتِيبِ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، (فَإِنْ فَاتَتْ) الْمُوَالَاةُ بِأَنْ أَخَّرَ بَقِيَّةَ غَسْلِ بَدَنِهِ زَمَنًا يَجِفُّ فِيهِ مَا غَسَلَهُ قَبْلَهُ (جَدَّدَ لِإِتْمَامِهِ)- أَيْ: الْغُسْلَ- نِيَّةً لِانْقِطَاعِ النِّيَّةِ بِفَوَاتِ الْمُوَالَاةِ، فَيَقَعُ غَسْلُ مَا بَقِيَ بِدُونِ نِيَّةٍ. (وَيَتَّجِهُ وَ) كَذَا يُجَدِّدُ (تَسْمِيَةً) لِفَوَاتِ الْمُوَالَاةِ أَيْضًا وَلِوُجُوبِهَا عَلَيْهِ فِي ابْتِدَائِهِ مُقْتَرِنَةً مَعَ النِّيَّةِ، فَلَزِمَ تَجْدِيدُهَا بِالْقِيَاسِ عَلَيْهَا، فَمُقْتَضَى الِاتِّجَاهِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ وُجُوبُ التَّجْدِيدِ فِي كُلٍّ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ النِّيَّةَ شَرْطٌ، فَيُعْتَبَرُ اسْتِمْرَارُ حُكْمِهِ إلَى آخِرِ الْعِبَادَةِ، وَلَا كَذَلِكَ التَّسْمِيَةُ؛ لِأَنَّهَا فِي الْغُسْلِ أَخَفُّ مِنْهَا فِي الْوُضُوءِ، لِتَنَاوُلِ حَدِيثِ التَّسْمِيَةِ بِصَرِيحِهِ الْوُضُوءَ فَقَطْ. (وَلَا تَرْتِيبَ) فِي الْغُسْلِ، (فَلَوْ غَسَلَ جَسَدَهُ إلَّا أَعْضَاءَ وُضُوئِهِ، ثُمَّ أَحْدَثَ لَمْ يَجِبْ فِيهَا تَرْتِيبٌ، وَ) لَوْ غَسَلَ جَسَدَهُ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثَيْنِ (إلَّا رِجْلَيْهِ) ثُمَّ أَحْدَثَ، فَإِنَّهُ (يَجِبُ) عَلَيْهِ التَّرْتِيبُ (فِي الْأَعْضَاءِ الثَّلَاثَةِ) وَهِيَ الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ وَالرَّأْسُ (دُونَهُمَا)، أَيْ: دُونَ رِجْلَيْهِ. (وَيُسَنُّ سِدْرٌ فِي غُسْلِ كَافِرٍ أَسْلَمَ)، لِحَدِيثِ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ «أَنَّهُ أَسْلَمَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ» رَوَاه أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ. (كـَ) مَا يُسَنُّ لِكَافِرٍ أَسْلَمَ (إزَالَةُ شَعْرِهِ الْمَعْهُودِ إزَالَتُهُ) كَشَعْرِ رَأْسِ ذَكَرٍ وَعَانَةٍ وَإِبِطٍ مُطْلَقًا، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ أَسْلَمَ: «أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ» رَوَاه أَبُو دَاوُد.(وَ) يُسَنُّ أَيْضًا سِدْرٌ (فِي غُسْلِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ وَأَخْذُ) مُغْتَسِلَةٍ مِنْ ذَلِكَ (غَيْرِ مُحْرِمَةٍ مِسْكًا تَجْعَلُهُ فِي فَرْجِهَا فِي نَحْوِ قُطْنَةٍ) كَخِرْقَةٍ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يُمْسِكُهُ، وَيَكُونُ ذَلِكَ (بَعْدَ غُسْلِهَا)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ لَمَّا سَأَلَتْهُ أَسْمَاءُ عَنْ غُسْلِ الْحَيْضِ «ثُمَّ تَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتُطَهِّرُ بِهَا» رَوَاه مُسْلِمٌ وَالْفِرْصَةُ: بِكَسْرِ الْفَاءِ الْقِطْعَةُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ (فَإِنْ لَمْ تَجِدْ) مِسْكًا (فَطِيبًا)، أَيَّ طِيبٍ كَانَ، (فَإِنْ لَمْ تَجِد) طِيبًا (فَطِينًا) تَجْعَلُهُ فِي فَرْجِهَا وَلَوْ مُحْرِمَةً، (فَإِنْ تَعَذَّرَ فَالْمَاءُ) الطَّهُورُ (كَافٍ)، قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمَا. (وَيَتَّجِهُ أَنَّ الْمُرَادَ) مِنْ قَوْلِهِمْ: وَيُسَنُّ (سِدْرٌ) فِي غُسْلٍ إلَى آخِرِهِ: أَنْ (لَا يُغَيِّرَ الْمَاءَ) تَغَيُّرًا (كَثِيرًا) لِئَلَّا يَسْلُبَهُ الطَّهُورِيَّةَ، (أَوْ أَنَّهُ يَغْسِلُ) جَسَدَهُ (عَقِبَ ذَلِكَ)- أَيْ: غُسْلِهِ بِالسِّدْرِ- (بِمَاءٍ خَالِصٍ) احْتِيَاطًا وَدَفْعًا لِلْوَسْوَسَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيُسَنُّ تَوَضُّؤٌ بِمُدٍّ) مِنْ مَاءٍ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَوَضَّأُ بِالْمُدِّ وَيَغْتَسِلُ بِالصَّاعِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَزِنَتُهُ)- أَيْ: الْمُدَّ- (مِائَةٌ وَأَحَدٌ وَسَبْعُونَ) دِرْهَمًا (وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ) إسْلَامِيٍّ، (وَ) بِالْمَثَاقِيلِ: (مِائَةٌ وَعِشْرُونَ، مِثْقَالًا وَ) بِالْأَرْطَالِ (رَطْلٌ وَثُلُثٌ عِرَاقِيٌّ) وَمَا وَافَقَهُ فِي زِنَتِهِ مِنْ الْبِلَادِ، (وَرَطْلٌ وَسُبُعُ) رَطْلٍ (وَثُلُثُ سُبُعِ) رَطْلٍ (مِصْرِيٍّ) وَمَا وَافَقَهُ كَالْمَكِّيِّ، وَذَلِكَ رَطْلٌ وَأُوقِيَّتَانِ وَسُبْعَا أُوقِيَّةٍ (وَثَلَاثُ أَوَاقٍ وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ أُوقِيَّةٍ دِمَشْقِيَّةٍ وَأُوقِيَّتَانِ وَسِتَّةُ أَسْبَاعِ) أُوقِيَّةٍ بِالْوَزْنِ (الْحَلَبِيِّ) وَمَا وَافَقَهُ، (وَأُوقِيَّتَانِ وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ) أُوقِيَّةٍ بِالْوَزْنِ (الْقُدْسِيِّ) وَمَا وَافَقَهُ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْمِيَاهِ بَيَانُ الْمُوَافِقِ لِمَا ذُكِرَ.(وَ) يُسَنُّ (اغْتِسَالٌ بِصَاعٍ)، وَهُوَ: أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، (وَزِنَتُهُ: سِتُّمِائَةِ) دِرْهَمٍ (وَخَمْسَةٌ وَثَمَانُونَ) دِرْهَمًا (وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ) إسْلَامِيٍّ، (وَهِيَ) بِالْمَثَاقِيلِ: (أَرْبَعُمِائَةِ) مِثْقَالٍ (وَثَمَانُونَ مِثْقَالًا، وَ) بِالْأَرْطَالِ: (خَمْسَةٌ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ) رَطْلٍ (عِرَاقِيَّةٍ)، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَعْبٍ «أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ فَرَقًا مِنْ طَعَامٍ» قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لَا اخْتِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ أَعْلَمُهُ أَنَّ الْفَرَقَ ثَلَاثَةُ آصُعٍ، وَالْفَرَقُ: بِفَتْحِ الرَّاءِ: سِتَّةَ عَشَرَ رَطْلًا بِالْعِرَاقِيِّ، وَيُعْتَبَرُ (بِبُرٍّ رَزِينٍ)- أَيْ: جَيِّدٍ- وَهِيَ مَا يُسَاوِي الْعَدَسَ فِي زِنَتِهِ.(وَ) الصَّاعُ: (أَرْبَعَةُ) أَرْطَالٍ (وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ رَطْلٍ وَثُلُثُ سُبْعِ رَطْلٍ مِصْرِيٍّ) وَمَا وَافَقَهُ، أَيْ: أَرْبَعَةُ أَرْطَالِ وَتِسْعُ أَوَاقٍ وَسُبْعُ أُوقِيَّةٍ مِصْرِيَّةٍ، (وَ) ذَلِكَ (رَطْلٌ وَسُبْعُ) رَطْلٍ (دِمَشْقِيٍّ) وَمَا وَافَقَهُ، (وَ) ذَلِكَ (إحْدَى عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَثَلَاثَةَ أَسْبَاعِ) أُوقِيَّةٍ (حَلَبِيَّةٍ) وَمَا وَافَقَهَا وَذَلِكَ (عَشْرُ أَوَاقٍ وَسُبْعَانِ) مِنْ أُوقِيَّةٍ (قُدْسِيَّةٍ) وَمَا وَافَقَهَا قَالَ الْمُنَقِّحُ: (وَهَذَا يَنْفَعُكَ هُنَا وَفِي الْفِطْرَةِ)، أَيْ: فِطْرَةِ الصَّوْمِ، (وَ) فِي (الْفِدْيَةِ) فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، (وَ) فِي (الْكَفَّارَةِ)، أَيْ: كَفَّارَةِ ظِهَارٍ وَيَمِينٍ (وَغَيْرِهِمَا، وَ) فِي (غَيْرِهَا)، كَنَذْرِ الصَّدَقَةِ بِمُدٍّ أَوْ صَاعٍ. (وَلَا يُكْرَهُ إسْبَاغٌ) فِي وُضُوءٍ وَغُسْلٍ (بِدُونِ مَا ذُكِرَ) مِنْ الْوُضُوءِ بِالْمُدِّ وَالْغُسْلِ بِالصَّاعِ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ «كُنْت أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ يَسَعُ ثَلَاثَةَ أَمْدَادٍ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ» رَوَاه مُسْلِمٌ وَمَنْطُوقُ هَذَا مُقَدَّمٌ عَلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «يُجْزِئُ فِي الْوُضُوءِ الْمُدُّ وَفِي الْغُسْلِ الصَّاعُ» رَوَاه أَحْمَدُ وَالْأَثْرَمُ. (وَلَا) يُكْرَهُ (غُسْلُ) رَجُلٍ مَعَ نَحْوِ امْرَأَتِهِ (أَوْ تَوَضُّؤُ) هـ (مَعَ نَحْوِ امْرَأَتِهِ) كَسَرِيَّتِهِ (مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ) لِمَا تَقَدَّمَ. (وَكُرِهَ) (إسْرَافٌ) فِي مَاءٍ (وَلَوْ) كَانَ (عَلَى نَهْرٍ جَارٍ)، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى سَعْدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ فَقَالَ: مَا هَذَا السَّرَفُ؟ فَقَالَ: أَفِي الْوُضُوءِ إسْرَافٌ؟ قَالَ: نَعَمْ وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهْرٍ جَارٍ» رَوَاه ابْنُ مَاجَهْ.(وَ) كُرِهَ (اغْتِسَالٌ عُرْيَانًا) إنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ، وَإِلَّا حَرُمَ، لِحَدِيثِ: «لَا يَدْخُلُ أَحَدُكُمْ الْمَاءَ إلَّا بِمِئْزَرٍ، فَإِنَّ لِلْمَاءِ عَامِرًا» وَقَالَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ، وَقَدْ دَخَلَا الْمَاءَ وَعَلَيْهِمَا بُرْدَانِ: إنَّ لِلْمَاءِ سُكَّانًا (بِلَا عُذْرٍ)، وَمَعَ الْعُذْرِ لَا يُكْرَهُ.(وَ) كُرِهَ اغْتِسَالٌ (دَاخِلَ مَاءٍ كَثِيرٍ) كَالْبَحْرِ خَشْيَةَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ الْمَوْجُ فَيُغْرِقَهُ، (وَيَرْتَفِعُ حَدَثُ) الْمُغْتَسِلِ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ (قَبْلَ انْفِصَالِهِ عَنْهُ) فَتُبَاحُ لَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بَعْدَ انْغِمَاسِهِ وَلَوْ لَمْ يَنْفَصِلْ عَنْهُ..(فَصْلٌ): [فِيمَنْ نَوَى بِغُسْلٍ رَفْعَ الْحَدَثَيْنِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ]: (وَمَنْ) (نَوَى بِغُسْلٍ رَفْعَ الْحَدَثَيْنِ) الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ، (أَوْ) نَوَى رَفْعَ (الْحَدَثِ وَأَطْلَقَ) وَاغْتَسَلَ، أَجْزَأَ عَنْهُمَا، (أَوْ) نَوَى بِغُسْلِهِ (أَمْرًا)- أَيْ: فِعْلَ أَمْرٍ- (لَا يُبَاحُ إلَّا بِوُضُوءٍ وَغُسْلٍ كَطَوَافٍ) وَصَلَاةٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ وَاغْتَسَلَ (أَجْزَأَ) غُسْلُهُ (عَنْهُمَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} جَعَلَ الْغُسْلَ غَايَةً لِلْمَنْعِ مِنْ الصَّلَاةِ، فَإِذَا اغْتَسَلَ وَجَبَ أَنْ لَا يُمْنَعَ مِنْهَا، وَلِأَنَّهُمَا عِبَادَتَانِ مِنْ جِنْسٍ، فَدَخَلَتْ الصُّغْرَى فِي الْكُبْرَى، كَالْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ إذَا كَانَ قَارِنًا (وَإِنْ نَوَى) الْجُنُبُ وَنَحْوُهُ (أَحَدَهُمَا)- أَيْ: الْحَدَثَيْنِ- (لَمْ يَرْتَفِعْ غَيْرُهُ) لِحَدِيثِ «وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (أَوْ) نَوَى (مَا يُبَاحُ بِأَحَدِهِمَا) كَاللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ، (لَمْ يَرْتَفِعَا) مَعًا (بَلْ) يَرْتَفِعُ (مَا نَوَاهُ) مِنْ الْحَدَثَيْنِ فَقَطْ دُونَ مَا لَمْ يَنْوِهِ. (فَمَنْ) كَانَتْ حَائِضًا أَوْ نُفَسَاءَ (وَنَوَتْ) بِغُسْلِهَا (حِلَّ وَطْءٍ صَحَّ غُسْلُهَا) وَارْتَفَعَ الْحَدَثُ الْأَكْبَرُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ حِلَّ وَطْئِهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى رَفْعِهِ، (وَكَذَا) لَوْ نَوَى مَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ بِالْغُسْلِ اسْتِبَاحَةَ قِرَاءَةِ قُرْآنٍ ارْتَفَعَ الْأَكْبَرُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ إنَّمَا تَتَوَقَّفُ عَلَى رَفْعِهِ لَا عَلَى رَفْعِ الْأَصْغَرِ، أَوْ نَوَى اسْتِبَاحَةَ (لُبْثٍ بِمَسْجِدٍ) ارْتَفَعَ الْأَكْبَرُ فَقَطْ. (وَسُنَّ لِكُلٍّ مِنْ جُنُبٍ وَلَوْ أُنْثَى وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ انْقَطَعَ دَمُهُمَا غَسْلُ فَرْجِهِ) لِإِزَالَةِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَذَى، (وَ) كَذَا (وُضُوءُهُ لِنَوْمٍ)، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: «أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، إذَا تَوَضَّأَ فَلْيَرْقُدْ» وَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كَان النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. (وَكَذَا كَافِرٌ أَسْلَمَ) فَيُسَنُّ لَهُ غَسْلُ فَرْجِهِ، وَالْوُضُوءُ لِنَوْمٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ إعَادَةِ وَطْءٍ قِيَاسًا عَلَى مَنْ ذُكِرَ، (وَكُرِهَ تَرْكُهُ)، أَيْ: الْوُضُوءِ- (لِجُنُبٍ لِنَوْمٍ فَقَطْ)، أَيْ: دُونَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ.(وَ) سُنَّ أَيْضًا الْوُضُوءُ (لِمُعَاوَدَةِ وَطْءٍ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعَاوِدَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا» رَوَاه مُسْلِمٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ، وَزَادَ «فَإِنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ» (وَغُسْلٌ) لِمُعَاوَدَةِ وَطْءٍ (أَفْضَلُ) مِنْ وُضُوءٍ؛ لِأَنَّهُ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ، وَيَأْتِي فِي عِشْرَةِ النِّسَاءِ.(وَ) سُنَّ لِمَنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ أَنْ يَتَوَضَّأَ (لِ) إرَادَةِ (أَكْلٍ وَشُرْبٍ)، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: «رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْجُنُبِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَشْرَبَ أَنْ يَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ» رَوَاه أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ. (وَلَا يَضُرُّ نَقْضُهُ)- أَيْ: الْوُضُوءِ- بَعْدَ ذَلِكَ، أَيْ: إذَا تَوَضَّأَ الْجُنُبُ ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَهُ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ، فَلَا تُسَنُّ لَهُ إعَادَةٌ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّخْفِيفُ أَوْ النَّشَاطُ..(فَصْلٌ) فِي مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الْحَمَّامِ وَآدَابِ دُخُولِهِ: أَجْوَدُ الْحَمَّامَاتِ مَا كَانَ شَاهِقًا عَذْبَ الْمَاءِ مُعْتَدِلَ الْحَرَارَةِ مُعْتَدِلَ الْبُيُوتِ قَدِيمَ الْبِنَاءِ. (وَيُكْرَهُ بِنَاءُ حَمَّامٍ وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَإِجَارَتُهُ)، لِمَا فِيهِ مِنْ كَشْفِ الْعَوْرَةِ وَالنَّظَرِ إلَيْهَا، وَدُخُولِ النِّسَاءِ إلَيْهِ، وَقَدْ قِيلَ: مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا جَعَلَهُ قَيِّمَ مَسْجِدٍ، وَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ شَرًّا جَعَلَهُ قَيِّمَ حَمَّامٍ الْمُرَادُ بِالْقَيِّمِ: الَّذِي يَكُونُ كَسْبُهُ مِنْ الْحَمَّامِ دَاخِلًا وَخَارِجًا، وَأَكْبَرُ قَيِّمٍ فِيهِ صَاحِبُهُ الَّذِي يَتَعَاطَى أُمُورَهُ لَا بَانِيهِ؛ لِأَنَّ الْبَانِيَ لَا يَكُونُ قَيِّمًا، وَإِنَّمَا يُقَالُ لَهُ: بَانِيًا، وَهَذِهِ الْمَقَالَةُ وَارِدَةٌ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَدَبَّرْ ذَلِكَ انْتَهَى.(وَكَسْبُهُ وَكَسْبُ بَلَّانٍ وَمُزَيِّنٍ) مَكْرُوهٌ قَالَ فِي الرِّعَايَةِ: وَحَمَّامِيَّةُ النِّسَاءِ أَشَدُّ كَرَاهَةً، (قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ فِي الَّذِي يَبْنِي حَمَّامًا لِلنِّسَاءِ: لَيْسَ بِعَدْلٍ)، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْحَكَمِ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مَنْ بَنَاهُ لِلنِّسَاءِ، وَحَرَّمَهُ الْقَاضِي، وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَلَى غَيْرِ الْبِلَادِ الْبَارِدَةِ. (وَتُكْرَهُ قِرَاءَةٌ) فِي الْحَمَّامِ، وَلَوْ خَفَضَ صَوْتَهُ؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْكَشْفِ، وَيُفْعَلُ فِيهِ مَا لَا يَحْسُنُ فِي غَيْرِهِ، فَاسْتُحِبَّ صِيَانَةُ الْقُرْآنِ عَنْهُ، وَحَكَى ابْنُ عَقِيلٍ الْكَرَاهَةَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ.(وَ) كَذَا يُكْرَهُ (سَلَامٌ فِيهِ)- أَيْ: الْحَمَّامِ- (وَرَدُّهُ)، أَيْ: السَّلَامِ قَالَ فِي الْآدَابِ: وَكَذَلِكَ لَا يُسَلِّمُ وَلَا يَرُدُّ عَلَى مُسَلِّمٍ. و(لَا) يُكْرَهُ (ذِكْرٌ) فِي الْحَمَّامِ لِمَا رَوَى النَّخَعِيّ «أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ دَخَلَ الْحَمَّامَ، فَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ». (وَسَطْحُهُ)- أَيْ: الْحَمَّامِ- (وَنَحْوُهُ) مِمَّا يَتْبَعُهُ فِي الْبَيْعِ، (كَهُوَ)، لِتَنَاوُلِ الِاسْمِ لَهُ. (وَدُخُولُهُ لِرَجُلٍ بِسُتْرَةٍ مَعَ أَمْنِ وُقُوعٍ فِي مُحَرَّمٍ) مِنْ النَّظَرِ إلَى عَوْرَاتٍ وَمَسِّهَا، وَنَظَرِهِمْ إلَى عَوْرَتِهِ وَمَسِّهَا. (مُبَاحٌ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ دَخَلَ حَمَّامًا كَانَ بِالْجُحْفَةِ» وَرُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا، وَعَنْ أَبِي ذَرٍّ: «نِعْمَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ يُذْهِبُ الدَّرَنَ وَيُذَكِّرُ النَّارَ». (وَإِنْ خِيفَ) بِدُخُولٍ وُقُوعٌ فِي مُحَرَّمٍ (كُرِهَ) دُخُولُهُ خَشْيَةَ الْمَحْظُورِ وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ بِئْسَ الْبَيْتُ الْحَمَّامُ، يُبْدِي الْعَوْرَةَ وَيُذْهِبُ الْحَيَاءَ (وَإِنْ عُلِمَ) وُقُوعٌ فِي مُحَرَّمٍ (حَرُمَ) الدُّخُولُ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ مِنْ ذُكُورِ أُمَّتِي فَلَا يَدْخُلْ الْحَمَّامَ إلَّا بِمِئْزَرٍ، وَمَنْ كَانَتْ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا تَدْخُلْ الْحَمَّامَ» رَوَاه أَحْمَدُ قَالَ أَحْمَدُ: إنْ عَلِمْتَ أَنَّ كُلَّ مَنْ- يَدْخُلُ الْحَمَّامَ عَلَيْهِ إزَارٌ فَادْخُلْهُ، وَإِلَّا فَلَا تَدْخُلْهُ. (وَيَتَّجِهُ: وَكَذَا)- أَيْ: كَدُخُولِ حَمَّامٍ فِي الْحُكْمِ- (تَفْصِيلٌ: تَفَرُّجٌ) عَلَى غُزَاةٍ أَوْ حُجَّاجٍ أَوْ وُلَاةٍ أَوْ عُرْسٍ أَوْ خِتَانٍ وَنَحْوِهَا، فَيُبَاحُ مَعَ أَمْنِ سَمَاعِ أَوْ نَظَرِ مُحَرَّمٍ، وَيُكْرَهُ مَعَ خَوْفِ ذَلِكَ (وَيَحْرُمُ) مَعَ الْعِلْمِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَحْرُمُ) دُخُولُ حَمَّامٍ (عَلَى أُنْثَى مُطْلَقًا) أَمِنْتَ الْوُقُوعَ فِي مُحَرَّمٍ أَوْ لَا، وَهُوَ ظَاهِرُ الْفُرُوعِ وَالْمُنْتَهَى خِلَافًا لِلْإِقْنَاعِ وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يُشِيرَ إلَى ذَلِكَ (إلَّا لِعُذْرِ مَرَضٍ أَوْ خَوْفِ ضَرَرٍ) بِاغْتِسَالِهَا فِي بَيْتِهَا كَنَزْلَةٍ، قَالَهُ الْقَاضِي وَالْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ. (أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ جَنَابَةٍ أَوْ فِي حَمَّامِ دَارِهَا)، لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «سَتُفْتَحُ لَكُمْ أَرْضُ الْعَجَمِ، وَسَتَجِدُونَ فِيهَا بُيُوتًا يُقَالُ لَهَا الْحَمَّامَاتُ، فَلَا يَدْخُلَنَّهَا الرِّجَالُ إلَّا بِالْأُزُرِ وَامْنَعُوا النِّسَاءَ إلَّا مَرِيضَةً أَوْ نُفَسَاءَ». (وَمِنْ) (آدَابِ) دُخُولِ (حَمَّامٍ:) (تَقْدِيمُ) رِجْلٍ (يُسْرَى فِي دُخُولِهِ)- أَيْ: الْحَمَّامِ- (وَ) فِي دُخُولِ (مُغْتَسِلٍ)؛ لِأَنَّهُمَا خَبَثٌ.قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَعَنْ سُفْيَانَ قَالَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ لِمَنْ دَخَلَهُ أَنْ يَقُولَ: يَا بَرُّ يَا رَحِيمُ مُنَّ وَقِنَا عَذَابَ السَّمُومِ (وَ) تَقْدِيمُ رِجْلٍ (يُمْنَى خُرُوجًا) أَيْ: فِي خُرُوجِهِ مِنْهُ، قِيَاسًا عَلَى الْخَلَاءِ (وَقَوْلُ) دَاخِلٍ: (بِسْمِ اللَّهِ أَعُوذُ بِاَللَّهِ) مِنْ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ إلَى آخِرِهِ، (كَمَا مَرَّ) فِي بَابِ الِاسْتِنْجَاءِ، (وَالْأَوْلَى غَسْلُ قَدَمَيْهِ وَإِبْطَيْهِ بِمَاءٍ بَارِدٍ عِنْدَ دُخُولِهِ)؛ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الْبَخَرَ، (وَ) الْأَوْلَى لِدَاخِلِهِ (لُزُومُ حَائِطٍ) خَوْفَ السُّقُوطِ، وَقَصْدُ الِاغْتِسَالِ (بِمَوْضِعٍ خَالٍ، وَعَدَمُ الِالْتِفَاتِ)؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ أَنْ يَقَعَ فِي مَحْظُورٍ، (وَ) عَدَمُ (دُخُولٍ لِبَيْتٍ حَارٍّ قَبْلَ عَرَقٍ) بِبَيْتٍ (أَوَّلَ)؛ لِأَنَّهُ أَجْوَدُ طِبًّا، (وَيَمْكُثُ بِقَدْرِ حَاجَتِهِ) فَقَطْ لِئَلَّا يُنْتَهَكَ بَدَنُهُ، (وَيَتَذَكَّرُ النَّارَ بِحَرَارَتِهِ)، وَيَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا. (وَيَتَّجِهُ) أَنَّهُ (يَجِبُ) عَلَى دَاخِلِ حَمَّامٍ (اقْتِصَادٌ فِي) اسْتِعْمَالِ (الْمَاءِ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِ) حَيْثُ كَانَ مَمْلُوكًا أَوْ مُسَبَّلًا، (فَإِنَّهُ)- أَيْ: قَدْرَ الْحَاجَةِ- (الْمَأْذُونُ فِيهِ) شَرْعًا وَعُرْفًا (بِقَرِينَةِ الْحَالِ، لَا سِيَّمَا) الْمَاءَ (الْحَارَّ لِمَا فِيهِ مِنْ مُؤْنَةِ التَّعَبِ) بِتَحْصِيلِ الْوَقُودِ وَأُجْرَةِ الْعَمَلَةِ (وَ) يَتَّجِهُ: أَنَّ (مِثْلَهُ كُلُّ مَاءٍ سُبِّلَ لِنَحْوِ وُضُوءٍ) كَغُسْلٍ مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ إزَالَةِ نَجَاسَةٍ، فَلَا يُزَادُ فِي ذَلِكَ عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَيَغْسِلُ قَدَمَيْهِ عِنْدَ خُرُوجٍ) مِنْ الْحَمَّامِ (بِمَاءٍ بَارِدٍ فَإِنَّهُ يُذْهِبُ الصُّدَاعَ، لِخَبَرِ أَبِي نُعَيْمٍ) فِي الطِّبِّ قَالَ: «(غَسْلُ الْقَدَمَيْنِ بِالْمَاءِ الْبَارِدِ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَمَّامِ أَمَانٌ مِنْ الصُّدَاعِ)» رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ. (وَلَا يُكْرَهُ دُخُولُهُ) حَمَّامًا (قُرْبَ غُرُوبٍ وَ) لَا (بَعْدَهُ)، لِعَدَمِ النَّهْيِ الْخَاصِّ عَنْهُ، خِلَافًا لِابْنِ الْجَوْزِيِّ..(بَابُ التَّيَمُّمِ): لُغَةً: الْقَصْدُ، قَالَ- تَعَالَى-: {وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} يُقَالُ: يَمَّمَتْ فُلَانًا وَتَيَمَّمْتُهُ وَأَمَّمْتُهُ إذَا قَصَدْتُهُ، وَمِنْهُ {وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ} وَقَوْلُ الشَّاعِرِ:وَشَرْعًا: (اسْتِعْمَالُ تُرَابٍ مَخْصُوصٍ)- أَيْ: طَهُورٍ مُبَاحٍ (لِوَجْهٍ وَيَدَيْنِ) عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ يَأْتِي تَفْصِيلُهُ، وَسَنَدُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} الْآيَةَ وَحَدِيثُ عَمَّارٍ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِ هَذِهِ الْأُمَّةِ،؛ لِأَنَّ اللَّهَ- تَعَالَى- لَمْ يَجْعَلْهُ طَهُورًا لِغَيْرِهَا تَوْسِعَةً عَلَيْهَا وَإِحْسَانًا إلَيْهَا، وَالتَّيَمُّمُ (بَدَلُ طَهَارَةِ مَاءٍ)؛ لِأَنَّهُ مُتَرَتِّبٌ عَلَيْهَا يَجِبُ فِعْلُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَلَا يَجُوزُ مَعَ وُجُودِهِ إلَّا لِعُذْرٍ، وَهَذَا شَأْنُ الْبَدَلِ (لِ) فِعْلِ (كُلِّ مَا يُفْعَلُ بِهِ) أَيْ: بِالْمَاءِ بِطَهَارَتِهِ، كَصَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ وَقِرَاءَةٍ وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ وَلُبْثٍ بِمَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ (عِنْدَ عَجْزٍ)- مُتَعَلِّقٌ بِاسْتِعْمَالِ، أَوْ صِفَةٌ لِبَدَلٍ- (عَنْهُ)- أَيْ: الْمَاءِ- (شَرْعًا)، أَيْ: مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، وَلَوْ لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ حِسًّا (سِوَى نَجَاسَةٍ عَلَى غَيْرِ بَدَنٍ) كَثَوْبٍ وَبُقْعَةٍ، فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لَهَا، إذْ لَا نَصَّ فِيهِ، وَلَا قِيَاسَ يَقْتَضِيهِ، وَسِوَى لُبْثٍ بِمَسْجِدٍ إذَا تَعَذَّرَ الْوُضُوءُ عَاجِلًا وَأَرَادَ اللُّبْثَ لِلْغُسْلِ فِيهِ، فَلَا يَجِبُ التَّيَمُّمُ لِذَلِكَ، وَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِ لِكُلِّ مَا يُفْعَلُ بِهِ، لَكِنْ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ، وَهُوَ الْوُجُوبُ، لَا مِنْ حَيْثُ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ اتِّفَاقًا. (وَيَتَّجِهُ: وَسِوَى غَسْلِ يَدَيْ قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ)، أَيْ: فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّيَمُّمُ لِذَلِكَ، (وَ) سِوَى (غَسْلِ ذَكَرٍ وَأُنْثَيَيْنِ، لِخُرُوجِ مَذْيٍ) دُونَهُ، فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ نَجِسٌ فَيَتَيَمَّمُ لَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ نَجَاسَةٌ عَلَى الْبَدَنِ، بِخِلَافِ غَسْلِ الْيَدَيْنِ وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ نَجَاسَةً فَيَتَيَمَّمُ لَهَا، وَلَا حَدَثًا بَلْ فِي مَعْنَاهُ، فَلَا يَجِبُ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَهُوَ)- أَيْ: التَّيَمُّمَ- (عَزِيمَةٌ) كَمَسْحِ الْجَبِيرَةِ، فَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ، (وَجَوَازُهُ)- أَيْ: التَّيَمُّمَ- (مَعَ) جَوَازِ (أَكْلِ مَيْتَةٍ لِمُضْطَرٍّ) لَيْسَ خَاصًّا بِسَفَرٍ، (وَ) جَوَازُ (صَلَاةٍ) نَافِلَةٍ (عَلَى رَاحِلَةٍ لَيْسَ خَاصًّا بِسَفَرٍ) مُبَاحٌ؛ لِأَنَّهُ عَزِيمَةٌ.قَالَ الْقَاضِي: لَوْ خَرَجَ إلَى ضَيْعَةٍ لَهُ فَقَارَبَ الْبُنْيَانَ وَالْمَنَازِلَ، وَلَوْ بِخَمْسِينَ خُطْوَةٍ جَازَ لَهُ التَّيَمُّمُ، وَالصَّلَاةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ، وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ لِضَرُورَةٍ انْتَهَى؛ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ عُرْفًا، (وَهُوَ)- أَيْ: التَّيَمُّمُ- (مُبِيحٌ) لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا (لَا رَافِعٌ) لِلْحَدَثِ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ فَإِنَّهُ خَيْرٌ لَكَ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَوْ رَفَعَ الْحَدَثَ لَمْ يَحْتَجْ إلَى الْمَاءِ إذَا وَجَدَهُ. (وَيَصِحُّ) التَّيَمُّمُ (بِشُرُوطٍ سَبْعَةٍ): الْأَوَّلُ: (نِيَّةٌ. وَ) الثَّانِي: (إسْلَامٌ. وَ) الثَّالِثُ: (عَقْلٌ. وَ) الرَّابِعُ: (تَمْيِيزٌ. وَ) الْخَامِسُ: (اسْتِنْجَاءٌ) بِمَاءٍ (أَوْ اسْتِجْمَارٌ) بِنَحْوِ حَجَرٍ.(وَ) السَّادِسُ: (إزَالَةُ مَا عَلَى بَدَنِ) الْمُتَيَمِّمِ (مِنْ نَجَاسَةٍ ذَاتِ جُرْمٍ. السَّابِعُ: دُخُولُ وَقْتِ الصَّلَاةِ) يُرِيدُ الْمُتَيَمِّمُ لَهَا، (وَلَوْ) كَانَتْ (مَنْذُورَةً بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ)، كَمَنْ نَذَرَ صَلَاةَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الزَّوَالِ بِعَشْرِ دُرْجٍ مَثَلًا، (فَلَا يَصِحُّ) التَّيَمُّمُ (لِ) صَلَاةٍ (حَاضِرَةٍ)- أَيْ: مُؤَدَّاةٍ- (وَ) لَا لِصَلَاةِ (عِيدٍ قَبْلَ) دُخُولِ (وَقْتِهِمَا، وَكَذَا) لَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لِصَلَاةٍ (رَاتِبَةٍ) قَبْلَ وَقْتِهَا نَصًّا، (وَ) لَا لِصَلَاةٍ (مَنْذُورَةٍ بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ قَبْلَهُ)، أَيْ: قَبْلَ ذَلِكَ الزَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ دُخُولُهُ كَالْمَفْرُوضَةِ، (وَلَا لِ) صَلَاةٍ (فَائِتَةٍ إلَّا إنْ ذَكَرَهَا، وَأَرَادَ فِعْلَهَا، وَلَا لِ) صَلَاةِ (كُسُوفٍ قَبْلَ وُجُودِهِ)- أَيْ: الْكُسُوفِ، (وَلَا لِ) صَلَاةِ (اسْتِسْقَاءٍ مَا لَمْ يَجْتَمِعُوا)، أَيْ: النَّاسُ لَهَا. (وَيَتَّجِهُ): أَنَّ (الْمُرَادَ) مِنْ اجْتِمَاعِهِمْ: (اجْتِمَاعُ غَالِبِهِمْ) لِلصَّلَاةِ (وَ) يَتَّجِهُ: (أَنَّهُ يَصِحُّ) مِنْهُمْ (صَلَاةُ ذَلِكَ) الِاسْتِسْقَاءِ (بِتَيَمُّمِ) فَاعِلِهَا (لِ) أَجْلِ صَلَاةِ (فَرْضٍ) كَانَ تَيَمَّمَ لَهُ (قَبْلَ) إرَادَةِ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ، (كـَ) مَا لَوْ صَلَّى صَلَاةَ (تَرَاوِيحَ بِتَيَمُّمٍ) لِـ (صَلَاةِ عِشَاءٍ) إذْ مَنْ تَيَمَّمَ لِفَرِيضَةٍ، ثُمَّ أُبِيحَتْ نَافِلَةٌ بَعْدَهَا فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَهَا، كَمَا لَوْ دَخَلَ وَقْتُ مَنْذُورَةٍ بَعْدَ أَنْ تَيَمَّمَ لِلْفَرِيضَةِ خِلَافًا لِلْمَجْدِ، وَمِثْلُهُ مَنْ تَيَمَّمَ لِصَلَاةِ الظُّهْرِ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ سُنَّتَهَا الْبَعْدِيَّةَ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَلَا لِ) صَلَاةِ (جِنَازَةٍ إلَّا إذَا غُسِّلَ مَيِّتٌ) إنْ أَمْكَنَ (أَوْ يُمِّمَ لِعُذْرٍ) مِنْ نَحْوِ تَقَطُّعٍ، أَوْ عَدَمِ مَاءٍ (وَيَتَّجِهُ عَدَمُ بُطْلَانِ تَيَمُّمِ مُصَلِّينَ بِوُجُودِ مَاءٍ) قَدْرَ مَا (يَكْفِيهِ) أَيْ: الْمَيِّتَ (فَقَطْ) فَيُغَسَّلُ بِذَلِكَ الْمَاءِ، ثُمَّ يُصَلُّونَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ التَّيَمُّمِ، إذْ وُجُودُ الْقَدْرِ الَّذِي غُسِّلَ بِهِ الْمَيِّتُ كَعَدَمِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ قَدْ وُجِدَ قَبْلَ دُخُولِهِمْ فِي الصَّلَاةِ فَبَطَلَ تَيَمُّمُهُ وَتَيَمُّمُهُمْ بِمُجَرَّدِ وُجُودِ الْمَاءِ وَلَوْ لَمْ يَكْفِ لِجَمِيعِهِمْ، وَحِينَئِذٍ فَيُغَسَّلُ الْمَيِّتُ، ثُمَّ يُجَدِّدُونَ التَّيَمُّمَ لِفَقْدِ الْمَاءِ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْهِ، وَعُمُومُ قَوْلِهِ: إلَّا إذَا غُسِّلَ مَيِّتٌ: يَشْمَلُ ذَلِكَ، (وَلَا لِ) صَلَاةِ (نَفْلٍ وَقْتَ نَهْيٍ) عَنْهَا؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورَةً تَتَقَيَّدُ بِالْوَقْتِ، كَطَهَارَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ، وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الْوَقْتِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ فَأَشْبَهَ التَّيَمُّمَ بِلَا عُذْرٍ (وَيَتَّجِهُ): تَقْيِيدُهُ بِوَقْتِ نَهْيٍ عَنْهُ، أَيْ: عَنْ فِعْلِ صَلَاةٍ نَافِلَةٍ فِيهِ (بِخِلَافِ) مَا اُسْتُثْنِيَ مِنْهَا فَإِنَّهُمْ صَرَّحُوا بِجَوَازِ فِعْلِ (نَحْوِ رَكْعَتَيْ طَوَافٍ، وَسُنَّةِ فَجْرٍ قَبْلَهَا)، وَكَذَا سُنَّةُ عَصْرٍ مَجْمُوعَةٍ بَعْدَهَا؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِمَا أُبِيحَ فِعْلُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ. الشَّرْطُ (الثَّامِنُ:) (تَعَذُّرُ) اسْتِعْمَالِ (مَاءٍ وَلَوْ) كَانَ التَّعَذُّرُ (بِحَبْسٍ) لِلْمَاءِ بِأَنْ يُوضَعَ الْمَاءُ فِي مَكَان لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوُصُولِ إلَيْهِ، أَوْ الشَّخْصِ عَلَى الْخُرُوجِ فِي طَلَبِهِ، (أَوْ غَيْرِهِ)- أَيْ: الْحَبْسِ- حَضَرًا كَقَطْعِ عَدُوٍّ مَاءَ بَلَدِهِ، (أَوْ) بِسَبَبِ (عَجْزٍ عَنْ تَنَاوُلِهِ)- أَيْ: الْمَاءِ- مِنْ بِئْرٍ وَنَحْوِهِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورُ الْمُسْلِمِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ فَإِذَا وَجَدَ الْمَاءَ فَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ، وَهَذَا عَامٌّ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ الطَّوِيلِ وَالْقَصِيرِ، وَلِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْمَاءِ أَشْبَهَ الْمُسَافِرَ، وَأَمَّا الْآيَةُ: فَلَعَلَّ ذِكْرَ السَّفَرِ فِيهَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ كَذِكْرِهِ فِي الرَّهْنِ، فَلَا يَكُونُ مَفْهُومُهُ مُعْتَبَرًا، (وَلَوْ بِفَمٍ لِفَقْدِ آلَةٍ يَتَنَاوَلُ بِهَا كَمَقْطُوعِ يَدَيْنِ)، وَصَحِيحٍ عَدِمَ مَا يَسْتَقِي بِهِ مِنْ نَحْوِ بِئْرٍ كَحَبْلٍ وَدَلْوٍ (أَوْ) لِكَوْنِ يَدَيْهِ (نَجِسَتَيْنِ)، وَالْمَاءُ قَلِيلٌ (فَيَأْخُذُهُ بِفِيهِ، وَيَصُبُّ عَلَى يَدَيْهِ)، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا، وَقَدَرَ عَلَى غَمْسِ أَعْضَائِهِ بِهِ لَزِمَهُ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُهُ. أَوْ تَعَذَّرَ الْمَاءُ مَعَ وُجُودِهِ (لِمَرَضٍ) عَرَضَ لَهُ يَعْجِزُ مَعَهُ عَنْ الْوُضُوءِ بِنَفْسِهِ (مَعَ عَدَمِ مُوَضِّئٍ) لَهُ، أَوْ مَنْ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ مَعَ عَجْزِهِ عَنْهُ (أَوْ) غَيْبَتِهِ عَنْهُ مَعَ (خَوْفِهِ بِانْتِظَارِهِ)- أَيْ: الْمُوَضِّئِ، أَوْ الصَّابِّ- (فَوْتَ وَقْتٍ) (وَيَتَّجِهُ: وَلَوْ) كَانَ (لِاخْتِيَارٍ) كَمَا فِي نَظَائِرِهِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (أَوْ خَوْفِهِ)- أَيْ: الْمَرِيضِ الْقَادِرِ عَلَى الْوُضُوءِ بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ- (بِاسْتِعْمَالِهِ)- أَيْ: الْمَاءِ- (بُطْءَ بُرْءٍ) أَيْ: طُولَ مَرَضٍ، (أَوْ) خَوْفَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ (بَقَاءَ شَيْءٍ فَاحِشٍ)- أَيْ: كَثِيرٍ- (فِي جَسَدِهِ وَلَوْ بَاطِنًا إنْ أَخْبَرَهُ بِهِ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ ثِقَةٌ).قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَكَذَا لَوْ خَافَ حُدُوثَ نَزْلَةٍ (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) كَانَ يَعْلَمُ ذَلِكَ، أَيْ: بُطْءَ الْبُرْءِ أَوْ بَقَاءَ الشَّيْنِ (بِنَفْسِهِ) مِنْ غَيْرِ إخْبَارِ طَبِيبٍ إذْ الْإِنْسَانُ غَالِبًا يَعْلَمُ مَا يَضُرُّهُ بِحَسَبِ مَا عَهِدَ مِنْ عَادَتِهِ، وَلِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ التَّيَمُّمُ إذَا خَافَ ذَهَابَ شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ، أَوْ ضَرَرًا فِي نَفْسِهِ مِنْ لِصٍّ أَوْ سَبُعٍ فَهُنَا أَوْلَى، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) خَوْفُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ الْمَاءَ (ضَرَرَ بَدَنِهِ مِنْ جَرْحٍ) فِيهِ بَعْدَ غَسْلِ مَا يُمْكِنُ غَسْلُهُ، (أَوْ) مِنْ (بَرْدٍ شَدِيدٍ)، وَلَمْ يَجِدْ مَا يُسَخِّنُ الْمَاءَ بِهِ. (أَوْ) خَوْفُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ (فَوْتَ رُفْقَةٍ): بِكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا، قَالَ فِي الْفُرُوعِ أَوْ ظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ يَخَفْ ضَرَرًا بِفَوَاتِ الرُّفْقَةِ، لِفَوَاتِ الْإِلْفِ وَالْأُنْسِ، (أَوْ) خَوْفُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ فَوْتَ (مَالَهُ). (أَوْ) خَوْفُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ (عَطَشَ نَفْسِهِ حَالًا أَوْ مَآلًا، أَوْ) عَطَشَ (غَيْرِهِ) كَذَلِكَ (مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ بَهِيمَةٍ مُحْتَرَمَيْنِ، لَا) إنْ خَافَ عَطَشَ (نَحْوِ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ وَكَلْبٍ عَقُورٍ) أَوْ أَسْوَدَ بَهِيمٍ (وَزَانٍ مُحْصَنٍ)؛ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُحْتَرَمِينَ، (وَعَلَى هَذَا)- أَيْ: عَدَمِ احْتِرَامِ مَنْ ذُكِرَ- (فَيَجِبُ سَقْيُهُ)- أَيْ: الْمَاءِ- (لِكَلْبٍ مُحْتَرَمٍ)، أَيْ: لَا عَقُورٍ، وَلَا أَسْوَدَ بَهِيمٍ، (وَتَرْكُ زَانٍ) مُحْصَنٍ (مُسْلِمٍ وَلَوْ مَاتَ) عَطَشًا، (مَا لَمْ يَتُبْ) تَوْبَةً نَصُوحًا. (أَوْ خَوْفُهُ) بِاسْتِعْمَالِهِ (احْتِيَاجَهُ)- أَيْ: الْمَاءِ- (لِعَجْنٍ أَوْ طَبْخٍ)، فَمَنْ خَافَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ أُبِيحَ لَهُ التَّيَمُّمُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ وَالْحَرَجِ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَرَفِيقِهِ.قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُلُّ مَنْ يُحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ إذَا كَانَ مَعَهُ مَاءٌ فَخَشِيَ الْعَطَشَ أَنَّهُ يُبْقِي مَاءَهُ لِلشُّرْبِ وَيَتَيَمَّمُ. (وَلَا يَحِلُّ) لِمَنْ عِنْدَهُ مَاءٌ طَاهِرٌ وَمُتَنَجِّسٌ (اسْتِعْمَالُ) الْمَاءِ (الْمُتَنَجِّسِ إذَنْ)- أَيْ: إذَا خَافَ عَطَشًا- فَيَحْبِسُ الطَّاهِرَ، وَيُرِيقُ النَّجِسَ إنْ اسْتَغْنَى عَنْهُ، وَإِلَّا حَبَسَهُ، (أَوْ) تَعَذَّرَ الْمَاءُ، (لِعَدَمِ بَذْلِهِ إلَّا بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَادَةً عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ فِي مَكَانِهِ)؛ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَرَرًا فِي دَفْعِ الزِّيَادَةِ الْكَثِيرَةِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ تَحَمُّلُهُ، كَضَرَرِ النَّفْسِ (فَيَتَيَمَّمُ فِي الْكُلِّ)، أَيْ: كُلِّ مَا مَرَّ مِنْ الْمَسَائِلِ، (وَلَا إعَادَةَ) عَلَيْهِ (مُطْلَقًا)، أَيْ: سَوَاءٌ حَصَلَ مَا خَافَ مِنْهُ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْحَضَرِ أَوْ السَّفَرِ؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ فَخَرَجَ مِنْ عُهْدَتِهِ. (وَيَلْزَمُ) مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَاحْتَاجَهُ (شِرَاءُ مَاءٍ وَحَبْلٍ وَدَلْوٍ) احْتَاجَ إلَيْهِمَا لِيَسْتَقِيَ بِهِمَا (بِثَمَنِ مِثْلٍ أَوْ) شَيْءٍ (زَائِدٍ) عَنْهُ (يَسِيرًا) عَادَةً فِي مَكَانِهِ (فَاضِلٍ)- صِفَةٌ لِثَمَنٍ- (عَنْ حَاجَتِهِ): كَقَضَاءِ دَيْنِهِ وَنَفَقَةٍ وَمُؤْنَةِ سَفَرٍ لَهُ وَلِعِيَالِهِ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى ثَمَنِ الْعَيْنِ كَالْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فِي عَدَمِ جَوَازِ الِانْتِقَالِ إلَى الْبَدَلِ، وَالزِّيَادَةُ الْيَسِيرَةُ لَا أَثَرَ لَهَا، إذْ الضَّرَرُ الْيَسِيرُ قَدْ اُغْتُفِرَ فِي النَّفْسِ فَفِي الْمَالِ أَحْرَى، (وَلَا) يَلْزَمُهُ شِرَاؤُهُ (بِدَيْنٍ) وَلَوْ قَدَرَ عَلَى وَفَاءٍ بِبَلَدِهِ، (وَ) يَلْزَمُهُ أَيْضًا (تَحْصِيلُ دَلْوٍ وَحَبْلٍ عَارِيَّةً) مِمَّنْ هُمَا مَعَهُ، (وَ) قَبُولُ (مَاءٍ قَرْضًا) لَا اسْتِقْرَاضُهُ، (وَ) يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ (هِبَةً) لَا اسْتِيهَابَهُ، (وَ) يَلْزَمُهُ قَبُولُ (ثَمَنِهِ قَرْضًا وَلَهُ وَفَاءٌ)؛ لِأَنَّ الْمِنَّةَ فِي ذَلِكَ يَسِيرَةٌ فِي الْعَادَةِ فَلَا يَضُرُّ احْتِمَالُهَا، (وَ) لَا يَلْزَمُهُ قَبُولُ ثَمَنِهِ (هِبَةً) لِلْمِنَّةِ، وَلَا اسْتِقْرَاضُ ثَمَنِهِ (فَإِنْ تَرَكَ مَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ أَوْ تَحْصِيلُهُ مِنْ مَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى) حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَ(أَعَادَ) مَا صَلَّاهُ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ فَاقِدٍ لِلْمَاءِ (وَيَتَّجِهُ) مَحَلُّ وُجُوبِ الْإِعَادَةِ عَلَيْهِ (مَا لَمْ يَيْأَسْ) مَنْ قَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِ أَوْ قَبُولِ مَا يَلْزَمُهُ قَبُولُهُ (مِنْهُ)- أَيْ: مِنْ التَّحْصِيلِ أَوْ الْقَبُولِ- (بَعْدَ) ذَلِكَ، كَمَا لَوْ قَدَرَ عَلَى تَحْصِيلِ مَا ذُكِرَ وَأَعْرَضَ عَنْهُ حَتَّى أَيِسَ مِنْهُ وَتَيَمَّمَ وَصَلَّى صَحَّتْ صَلَاتُهُ، كَمَنْ أَرَاقَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ- وَهُوَ مُتَّجِهٌ- (وَيَتَيَمَّمُ بَعْدَ إيَاسِهِ) مِنْ تَحْصِيلِ ذَلِكَ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. (وَيَجِبُ) عَلَى مَنْ مَعَهُ مَاءٌ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَةِ شُرْبِهِ (بَذْلُهُ لِعَطْشَانَ مُحْتَرَمٍ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ)، وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ نَجِسًا؛ لِأَنَّهُ إنْقَاذٌ مِنْ هَلَكَةٍ كَإِنْقَاذِ الْغَرِيقِ، (فَإِنْ تَوَضَّأَ) بِفَاضِلٍ عَنْهُ (إذَنْ)- أَيْ: وَقْتَ عَطَشِ الْمُحْتَرَمِ الْمُحْتَاجِ (حَرُمَ) عَلَيْهِ، (وَصَحَّ) وُضُوءُهُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ عَنْ ذَاتِ الْمَاءِ.وَ(لَا) يَلْزَمُ بَذْلُ الْمَاءِ (لِطَهَارَةِ غَيْرِهِ بِحَالٍ)، سَوَاءٌ كَانَ يَجِدُ غَيْرَهُ أَوْ لَا، طَلَبَهُ بِثَمَنِهِ أَوْ لَا كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ لَا يَجِبُ بَذْلُهَا إلَّا لِضَرُورَةٍ، وَلَا ضَرُورَةَ هُنَا. (وَيُيَمَّمُ) وُجُوبًا (رَبُّ مَاءٍ مَاتَ) بَدَلَ غُسْلِهِ (لِعَطَشِ رَفِيقِهِ)، كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا، (وَيَغْرَمُ) رَفِيقُهُ (ثَمَنَهُ)- أَيْ: قِيمَةَ الْمَاءِ- (مَكَانَهُ وَقْتَ إتْلَافِهِ) لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ لِانْتِقَالِهِ إلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا يَغْرَمُ قِيمَتَهُ (مَعَ أَنَّهُ مِثْلِيٌّ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْوَرَثَةِ، إذْ الْمَاءُ لَا قِيمَةَ لَهُ فِي الْحَضَرِ غَالِبًا، (وَمُقْتَضَاهُ) أَنَّ (كُلَّ مِثْلِيٍّ أُتْلِفَ حَالَ غَلَائِهِ) يُضْمَنُ بِقِيمَتِهِ مَكَانَهُ وَقْتَ التَّلَفِ، مَعَ أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْوَاجِبُ الْمِثْلُ. (وَمَنْ) (أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَطَهَّرَ بِهِ)- أَيْ: الْمَاءِ- (ثُمَّ يَجْمَعَهُ وَيَشْرَبَهُ) بَعْدَ وُضُوئِهِ (لَمْ يَلْزَمْهُ)؛ لِأَنَّ النَّفْسَ تَعَافُهُ (وَيَتَّجِهُ): عَدَمُ لُزُومِ مُتَطَهِّرٍ جَمْعُ مَاءٍ إلَّا إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ (لِ) عَطَشِ (بَهِيمَةٍ) مُحْتَرَمَةٍ، فَيَجْمَعُهُ وَيَسْقِيهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهَا (لَا تَعَافُهُ)، وَمَعَ خَوْفِ تَلَفِهَا (يَلْزَمُهُ) جَمْعُهُ اسْتِبْقَاءً لَهَا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ) (قَدَرَ عَلَى) اسْتِخْرَاجِ (مَاءِ بِئْرٍ بِثَوْبٍ) يُدْلِيهِ فِيهَا (يَبُلُّهُ،) ثُمَّ يُخْرِجُهُ (فَيَعْصِرُهُ) (لَزِمَهُ) ذَلِكَ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْمَاءِ (مَا لَمْ تَنْقُصْ قِيمَتُهُ)- أَيْ: الثَّوْبِ بِذَلِكَ- (أَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مَاءٍ) فَلَا يَلْزَمُهُ، كَشِرَائِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَمَنِ مِثْلِهِ، وَحَيْثُ لَزِمَهُ فَعَلَ، (وَلَوْ خَافَ فَوْتَ وَقْتٍ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ مَعَهُ آلَةُ الِاسْتِسْقَاءِ الْمُعْتَادَةُ. (وَيَتَّجِهُ: لَا إنْ كَانَ مُسَافِرًا) فَقَدِمَ، (لِمَا يَأْتِي) قَرِيبًا مِنْ أَنَّهُ إذَا وَصَلَ مُسَافِرٌ إلَى مَاءٍ بِضِيقِ وَقْتٍ، أَوْ لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ لَكِنْ عَلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ إلَّا بَعْدَهُ فَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي فِي الْوَقْتِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ) (بِبَدَنِهِ نَحْوُ جُرْحٍ) كَقُرُوحٍ أَوْ رَمَدٍ، وَتَضَرَّرَ بِغَسْلِ ذَلِكَ، وَهُوَ جُنُبٌ أَوْ مُحْدِثٌ، (وَلَا ضَرَرَ بِمَسْحِهِ، وَلَيْسَ بِنَجِسٍ:) (وَجَبَ) عَلَيْهِ الْمَسْحُ بِالْمَاءِ. قَالَهُ فِي التَّلْخِيصِ (وَأَجْزَأَ عَنْ تَيَمُّمٍ)؛ لِأَنَّ الْمَسْحَ بِالْمَاءِ بَعْضُ الْغُسْلِ وَقَدَرَ عَلَيْهِ فَلَزِمَهُ، لِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَكَمَنْ عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ أَوْ السُّجُودِ، وَقَدَرَ عَلَى الْإِيمَاءِ (وَإِلَّا) بِأَنْ تَضَرَّرَ بِمَسْحِهِ أَيْضًا (تَيَمَّمَ لَهُ)- أَيْ: الْجَرِيحِ وَنَحْوِهِ- دَفْعًا لِلْحَرَجِ، (وَ) يَتَيَمَّمُ (لِمَا يَتَضَرَّرُ بِغَسْلِهِ أَوْ مَسْحِهِ مِمَّا قَرُبَ) مِنْ الْجَرِيحِ وَنَحْوِهِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُكْمِ، (وَإِنْ عَجَزَ عَنْ ضَبْطِهِ) أَيْ: الْجَرِيحِ، وَمَا قَرُبَ مِنْهُ، (وَقَدَرَ أَنْ يَسْتَنِيبَ) مَنْ يَضْبِطُهُ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ فَاضِلَةٍ عَنْ حَاجَتِهِ (لَزِمَهُ) أَنْ يَسْتَنِيبَ لِيُؤَدِّيَ الْفَرْضَ وَإِلَّا بِأَنْ عَجَزَ عَنْ الِاسْتِنَابَةِ أَيْضًا (تَيَمَّمَ) وَصَلَّى وَأَجْزَأَتْهُ. (وَيَلْزَمُ مِنْ جُرْحِهِ وَنَحْوِهِ بِبَعْضِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ إذَا تَوَضَّأَ لَا إنْ اغْتَسَلَ تَرْتِيبٌ)، لِوُجُوبِهِ فِي الْوُضُوءِ (فَيَتَيَمَّمُ لَهُ) أَيْ: لِلْعُضْوِ الْجَرِيحِ وَنَحْوِهِ (عِنْدَ غُسْلِهِ لَوْ كَانَ صَحِيحًا) حَالَ كَوْنِهِ (نَاوِيًا بِتَيَمُّمِهِ عَنْ غَسْلِهِ)، أَيْ: الْعُضْوِ الْجَرِيحِ، (وَيُخَيَّرُ) مَنْ بِهِ جُرْحٌ فِي عُضْوٍ مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ (بَيْنَ غَسْلِ صَحِيحِهِ)، أَيْ: ذَلِكَ الْعُضْوِ، (ثُمَّ يَتَيَمَّمُ لَهُ)- أَيْ: الْجُرْحِ- (أَوْ عَكْسِهِ): بِأَنْ يَتَيَمَّمَ أَوَّلًا لِلْجَرِيحِ، ثُمَّ يَغْسِلَ الصَّحِيحَ، (مَا لَمْ يَعُمَّهُ)- أَيْ: الْعُضْوَ- (جُرْحٌ فَيَتَيَمَّمُ لَهُ) فِي مَحَلِّ غَسْلِهِ، (ثُمَّ يَغْسِلَ مَا بَعْدَهُ) مُرَاعَاةً لِلتَّرْتِيبِ، (وَإِنْ كَانَ) الْجُرْحُ وَنَحْوُهُ (فِي بَعْضِ كُلِّ) عُضْوٍ (مِنْ أَعْضَاءِ وُضُوءٍ، لَزِمَ) مُتَوَضِّئًا (فِي كُلِّ عُضْوٍ تَيَمُّمٌ) فِي مَحَلِّ غَسْلِهِ لِئَلَّا يُخِلَّ بِالتَّرْتِيبِ (مَا لَمْ تَعُمَّهَا)- أَيْ: أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ- (جِرَاحَةٌ) أَوْ نَحْوُهَا، (فَيَكْفِي) عَنْ جَمِيعِهَا (تَيَمُّمٌ وَاحِدٌ) كَفَاقِدِ الْمَاءِ. (وَلَوْ غَسَلَ صَحِيحٌ وَجْهَهُ، ثُمَّ تَيَمَّمَ لِجَرِيحِهِ وَجَرِيحِ يَدَيْهِ تَيَمُّمًا وَاحِدًا لَمْ يُجِزْهُ)؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى سُقُوطِ الْفَرْضِ عَنْ جُزْءٍ مِنْ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ التَّيَمُّمَ نَائِبٌ عَنْ كُلِّ عُضْوٍ عَلَى حِدَتِهِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ مَا يُعْتَبَرُ فِيمَا يَنُوبُ عَنْهُ مِنْ التَّرْتِيبِ (بَلْ) يَجِبُ (لِكُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ (تَيَمُّمٌ) مُسْتَقِلٌّ يَنْوِي بِهِ الْبَدَلَ عَنْ غَسْلِ الْجَرِيحِ، وَلَا يَرِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ التَّيَمُّمَ فِي غَيْرِ الْجَرِيحِ يُسْقِطُ الْفَرْضَ عَنْ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ؛ لِأَنَّهُ هُنَا يُعْتَبَرُ كُلُّ عُضْوٍ عَلَى حِدَتِهِ. (وَتَلْزَمُ) مَجْرُوحًا بِبَعْضِ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ إذَا تَوَضَّأَ (مُوَالَاةٌ)، لِوُجُوبِهَا فِيهِ، فَلَوْ كَانَ الْجُرْحُ بِرِجْلِهِ، وَتَيَمَّمَ لَهُ عِنْدَ غَسْلِهَا وَمَضَى زَمَنٌ تَفُوتُ فِيهِ الْمُوَالَاةُ، ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ؛ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ، (فَيُعِيدُ غَسْلَ الصَّحِيحِ عِنْدَ كُلِّ تَيَمُّمٍ بَطَلَ بِخُرُوجِ وَقْتٍ أَوْ غَيْرِهِ)، كَمَا لَوْ أَخَّرَ غَسْلَهُ حَتَّى فَاتَتْ الْمُوَالَاةُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ قَبْلَ مُضِيِّ زَمَنٍ لَا تَفُوتُ فِيهِ الْمُوَالَاةُ أَنَّهُ يُعِيدُ التَّيَمُّمَ فَقَطْ، وَلَمْ تَبْطُلْ طَهَارَةُ الْمَاءِ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْحِ الْخُفِّ مِنْ أَنَّ الْقَدَمَ إذَا وَصَلَ إلَى سَاقِ الْخُفِّ يَسْتَأْنِفُ الطَّهَارَةَ وَلَوْ لَمْ تَفُتْ الْمُوَالَاةُ، وَالْفَرْقُ أَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَإِذَا خَلَعَهُ عَادَ الْحَدَثُ، وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ فِي الثُّبُوتِ، وَالتَّيَمُّمُ لَا يَرْفَعُ حَدَثًا عَمَّا تَيَمَّمَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا مُبِيحٌ فَإِذَا بَطَلَ قَبْلَ فَوَاتِ الْمُوَالَاةِ أُعِيدَ فَقَطْ، قَالَهُ فِي حَاشِيَةِ الْمُنْتَهَى. (وَفِي) الْحَدَثِ (الْأَكْبَرِ لَا تَبْطُلُ طَهَارَتُهُ بِمَاءٍ بِخُرُوجِ وَقْتٍ)، فَلَوْ اغْتَسَلَ نَحْوُ جُنُبٍ بِهِ نَحْوُ جُرْحٍ فَتَيَمَّمَ لَهُ، وَخَرَجَ الْوَقْتُ، لَمْ تَبْطُلْ طَهَارَةُ الْمَاءِ (وَتَيَمَّمَ فَقَطْ)؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى تَرْتِيبٌ، وَلَا مُوَالَاةٌ. (وَإِنْ) (وَجَدَ مُحْدِثٌ مُطْلَقًا) حَدَثًا أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ (مَاءً لَا يَكْفِي لِطَهَارَتِهِ) (وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ) ذَلِكَ الْمَاءَ (ثُمَّ تَيَمَّمَ لِبَاقٍ)، لِحَدِيثِ «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» رَوَاه الْبُخَارِيُّ، وَلِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى بَعْضِ الشَّرْطِ فَلَزِمَهُ كَالسُّتْرَةِ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَتَيَمَّمَ قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} فَاعْتُبِرَ اسْتِعْمَالُهُ أَوَّلًا لِيَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ الَّذِي هُوَ عَدَمُ الْمَاءِ، وَلِيَتَمَيَّزَ الْمَغْسُولُ عَنْ غَيْرِهِ لِيَعْلَمَ مَا تَيَمَّمَ لَهُ. وَإِنْ تَيَمَّمَ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ وَجَدَ مَاءً طَهُورًا يَكْفِي بَعْضَ بَدَنِهِ بَطَلَ تَيَمُّمُهُ. (وَيَتَّجِهُ:) (أَوْلَوِيَّةُ تَقْدِيمِ) غُسْلِ (أَعْضَاءِ وُضُوءٍ فِي) حَدَثٍ (أَكْبَرَ)، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ غَسَلَ فِيهِ مَا أَمْكَنَ غَسْلُهُ، وَتَيَمَّمَ عَنْ الْبَاقِي، وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ شَيْءٌ عَنْ وُضُوئِهِ تَيَمَّمَ عَنْ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ (وَكَذَا) حُكْمُ (تُرَابٍ) يَسِيرٍ وَجَدَهُ لَا يَكْفِي اسْتَعْمَلَهُ لِلتَّيَمُّمِ وَصَلَّى، يَزِيدُ عَلَى مَا يُجْزِئُ، وَظَاهِرُهُ: لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ، خِلَافًا لِلرِّعَايَةِ فِيهِمَا. وَيُقَدِّمُ مُحْدِثٌ عَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ وَعِنْدَهُ مَاءٌ يَكْفِي أَحَدَهُمَا فَقَطْ (غَسْلَ نَجَاسَةٍ عَلَى) التَّطَهُّرِ مِنْ (حَدَثٍ) وَلَوْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي ثَوْبِهِ أَوْ بُقْعَتِهِ فَكَذَلِكَ، (وَ) إنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ (فِي عُضْوِ حَدَثٍ) كَالْيَدِ مَثَلًا فَإِنَّهُ (يَسْتَعْمِلُهُ)- أَيْ: الْمَاءَ- (فِيهِ) أَيْ فِي الْعُضْوِ النَّجِسِ- (عَنْهُمَا)- أَيْ: عَنْ الْحَدَثِ وَالنَّجِسِ- قَالَ الْمَجْدُ قُلْتُ: وَهَذَا وَاضِحٌ إنْ كَانَ الْحَدَثُ أَكْبَرَ، فَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ فَعَلَى كَلَامِهِمْ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ، فَإِنْ كَانَ لَا يَبْقَى لِلنَّجَاسَةِ مَا يُزِيلُهَا بَعْدَ مُرَاعَاتِهِ قَدَّمَهَا، كَمَا لَوْ كَانَتْ بِغَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ انْتَهَى وَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ إلَّا بَعْدَ غَسْلِ النَّجَاسَةِ تَحْقِيقًا لِشَرْطِهِ. (وَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ لَزِمَهُ إذَا خُوطِبَ بِصَلَاةٍ) بِأَنْ دَخَلَ وَقْتُهَا (طَلَبُهُ)- أَيْ: الْمَاءَ- (فِي رَحْلِهِ)، أَيْ: مَسْكَنِهِ وَمَا يَسْتَصْحِبُهُ مِنْ أَثَاثٍ، (وَمَا قَرُبَ) مِنْهُ (عَادَةً)، فَيُفَتِّشُ مِنْ رَحْلِهِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ، وَيَسْعَى فِي جِهَاتِهِ الْأَرْبَعِ (فَيَنْظُرُ أَمَامَهُ) وَوَرَاءَهُ وَيَمِينَهُ (وَشِمَالَهُ) إلَى مَا قَرُبَ مِنْهُ مِمَّا عَادَةُ الْقَوَافِلِ السَّعْيُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُطْلَبُ فِيهِ الْمَاءُ عَادَةً، (فَإِنْ رَأَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ)- أَيْ: الْمَاءِ- مِنْ خُضْرَةٍ أَوْ رَبْوَةٍ أَوْ شَيْءٍ قَائِمٍ، (قَصَدَهُ فَاسْتَبْرَأَهُ) لِيَتَحَقَّقَ شَرْطُ التَّيَمُّمِ، وَيَلْزَمُهُ أَيْضًا طَلَبُهُ (مِنْ رَفِيقِهِ بِبَيْعٍ) بِثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ زَائِدٍ يَسِيرًا (أَوْ بَذْلٍ) لَهُ (وَيَسْأَلُ) ذَوِي الْخِبْرَةِ بِتِلْكَ الْأَمَاكِنِ مِنْ رُفْقَتِهِ (عَنْ مَوَارِدِهِ)- أَيْ: الْمَاءِ- (مَا لَمْ يَتَحَقَّقْ عَدَمُهُ)- أَيْ: الْمَاءِ- (لَا إنْ ظَنَّ) عَدَمَهُ فَيَسْأَلَ عَنْهُ.قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ وَحَيْثُ تَحَقَّقَ عَدَمُهُ (فَلَا يَلْزَمُهُ إذَنْ طَلَبٌ)؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِطَلَبِ شَيْءٍ مُتَحَقِّقِ الْعَدَمِ، (وَيَتَيَمَّمُ)؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ عَادِمًا لِلْمَاءِ، (وَقَبْلَ طَلَبٍ لَا يَصِحُّ) تَيَمُّمُهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ. (وَيَلْزَمُهُ) طَلَبُ الْمَاءِ (لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ)؛ لِأَنَّهُ مُخَاطَبٌ بِهَا وَبِشُرُوطِهَا كُلَّمَا دَخَلَ وَقْتُهَا. (وَمَنْ) (تَيَمَّمَ) لِعَدَمِ الْمَاءِ (ثُمَّ رَأَى مَا يَشُكُّ مَعَهُ وُجُودَ مَاءٍ) كَخُضْرَةٍ وَرَكْبٍ قَادِمٍ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ مَاءٌ (بَطَلَ تَيَمُّمُهُ لِوُجُوبِ طَلَبِهِ) عَلَيْهِ، (لَا) إنْ كَانَ (فِي صَلَاةٍ)، فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَلَا تَبْطُلُ، وَلَا تَيَمُّمَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ إذَنْ (وَيَتَّجِهُ بِاحْتِمَالٍ) قَوِيٍّ (إلَّا) إنْ رَأَى مَا يَشُكُّ مَعَهُ وُجُودَ مَاءٍ (مَعَ ظَنٍّ) فَإِنْ قَارَنَ رُؤْيَتَهُ ظَنُّ وُجُودِ مَاءٍ (فَيَبْطُلُ) تَيَمُّمُهُ؛ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ مَبْنَاهَا عَلَى الظَّنِّ لَكِنْ فِي الْمُغْنِي وَالْكَافِي مَا يُخَالِفُهُ، وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ: لَوْ وَجَدَ رَكْبًا، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ وُجُودُ الْمَاءِ فِيهِ لَمْ يَبْطُلْ تَيَمُّمُهُ، نَعَمْ: إنْ تَيَقَّنَ وُجُودَ الْمَاءِ بَطَلَ. (تَنْبِيهٌ) إذَا كَانَ سَائِرًا طَلَبَهُ أَمَامَهُ فَقَطْ؛ لِأَنَّ فِي طَلَبِهِ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ ضَرَرًا بِهِ (فَإِنْ دَلَّهُ)- أَيْ: أَرْشَدَهُ- (عَلَيْهِ ثِقَةٌ)، وَهُوَ: الْعَدْلُ الضَّابِطُ، وَلَوْ مَسْتُورَ الْحَالِ لَزِمَهُ قَصْدُهُ (وَيَتَّجِهُ: أَوْ) دَلَّهُ عَلَيْهِ (مَنْ يَثِقُ بِصِدْقِهِ)، ظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ عَلِمَهُ قَرِيبًا عُرْفًا فَلَا اعْتِبَارَ بِمِيلٍ أَوْ أَكْثَرَ) كَمِيلَيْنِ، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَقِيلَ: فَرْسَخٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ، (وَلَمْ يَخَفْ بِقَصْدِهِ) الْمَاءَ (فَوْتَ وَقْتٍ وَلَوْ لِاخْتِيَارٍ، أَوْ فَوْتَ رُفْقَةٍ، أَوْ) مُوَافَاةَ (عَدُوٍّ) أَوْ فَوْتَ (مَالٍ أَوْ) لَمْ يَخَفْ (عَلَى نَفْسِهِ) نَحْوَ لِصٍّ أَوْ سَبُعٍ، (وَلَوْ) كَانَ خَوْفُهُ (مِنْ فُسَّاقٍ) كَكَوْنِهِ أَمْرَدَ أَوْ امْرَأَةً، (أَوْ) كَانَ خَوْفُهُ مِنْ (غَرِيمٍ يَعْجِزُ عَنْ وَفَائِهِ)؛ (لَزِمَهُ قَصْدُهُ)، وَلَمْ يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ إذَنْ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، (فَإِنْ خَافَ شَيْئًا مِمَّا مَرَّ لَا) إنْ كَانَ خَوْفُهُ (جَنْبًا) بِأَنْ كَانَ يَخَافُ بِلَا سَبَبٍ يَخَافُ مِنْهُ كَمَنْ يَخَافُ بِاللَّيْلِ بِلَا مُقْتَضٍ لِلْخَوْفِ، فَلَا يَلْتَفِتُ إلَى خَوْفِهِ، وَلَيْسَ لَهُ التَّيَمُّمُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ نَصًّا، أَوْ خَافَ بِقَصْدِهِ الْمَاءَ شُرُودَ دَابَّتِهِ، أَوْ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ لِصٌّ أَوْ سَبُعٌ (تَيَمَّمَ) وَسَقَطَ عَنْهُ الطَّلَبُ، لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْوَقْتِ بِلَا ضَرَرٍ فَأَشْبَهَ عَادِمَهُ، (وَلَا إعَادَةَ) عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ إلَى الْأَمْنِ. (وَلَا تَيَمُّمَ مَعَ قُرْبِ مَاءٍ كَخَوْفِ فَوْتِ صَلَاةِ جِنَازَةٍ) بِالْوُضُوءِ، (وَلَا) لِخَوْفِ فَوْتِ (وَقْتِ فَرْضٍ إلَّا هُنَا) أَيْ: (فِيمَا) إذَا عَلِمَ الْمُسَافِرُ الْمَاءَ أَوْ دَلَّهُ عَلَيْهِ ثِقَةٌ قَرِيبًا، وَخَافَ بِقَصْدِهِ فَوْتَ الْوَقْتِ (وَفِيمَا إذَا وَصَلَ مُسَافِرٌ إلَى مَاءٍ بِضِيقِ وَقْتٍ) عَنْ طَهَارَتِهِ (أَوْ) لَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ عَنْهَا، لَكِنْ (عَلِمَ أَنَّ النَّوْبَةَ لَا تَصِلُ إلَيْهِ)- يَسْتَعْمِلُهُ- (إلَّا بَعْدَهُ)- أَيْ: الْوَقْتِ- وَلَوْ لِلِاخْتِيَارِ فَيَتَيَمَّمُ، لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي الْوَقْتِ فَاسْتُصْحِبَ حَالُ عَدَمِهِ لَهُ بِخِلَافِ مَنْ وَصَلَ إلَيْهِ، وَتَمَكَّنَ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ، ثُمَّ أَخَّرَ حَتَّى ضَاقَ فَكَالْحَاضِرِ، لِتَحَقُّقِ قُدْرَتِهِ. (وَمَنْ) (خَافَ لِسَبَبٍ ظَنَّهُ) يُبِيحُ لَهُ التَّيَمُّمَ (فَتَبَيَّنَ عَدَمُهُ، كَسَوَادٍ ظَنَّهُ عَدُوًّا أَوْ كَلْبٍ) ظَنَّهُ (نَمِرًا، فَتَيَمَّمَ وَصَلَّى) (لَمْ يُعِدْ)، لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ فِي الْأَسْفَارِ. (وَمَنْ خَرَجَ مِنْ وَطَنِهِ) إلَى أَرْضٍ مِنْ أَعْمَالِ بَلَدِهِ (لِنَحْوِ حَرْثٍ)، كَاحْتِطَابٍ (أَوْ صَيْدٍ حَمَلَهُ)- أَيْ: الْمَاءَ- مَعَهُ، ظَاهِرُهُ: وَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ الْوَقْتُ (إنْ أَمْكَنَهُ) حَمْلَهُ بِلَا مَشَقَّةٍ؛ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ إذَنْ، وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَمَتَى حَمَلَهُ وَفَقَدَهُ، أَوْ لَمْ يَحْمِلْهُ وَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ (تَيَمَّمَ) (إنْ فَاتَتْ حَاجَتُهُ) الَّتِي خَرَجَ لَهَا (بِرُجُوعِهِ) إلَى الْمَاءِ (وَلَا يُعِيدُ) صَلَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْمُسَافِرَ إلَى قَرْيَةٍ أُخْرَى، (وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ أَرْضِ قَرْيَتِهِ إلَى) أَرْضٍ (غَيْرَهَا)، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ بَعِيدِ السَّفَرِ وَقَرِيبِهِ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {أَوْ عَلَى سَفَرٍ} (وَأَعْجَبَ) الْإِمَامَ (أَحْمَدَ حَمْلُ تُرَابِ تَيَمُّمٍ) احْتِيَاطًا لِلْعِبَادَةِ (وَعِنْدَ الشَّيْخِ) تَقِيِّ الدِّينِ (وَغَيْرِهِ) مِنْ الْأَصْحَابِ: (لَا يَحْمِلُهُ، وَاسْتَظْهَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَصَوَّبَهُ) فِي الْإِنْصَافِ، (وَ) تَبِعَهُ (فِي الْإِقْنَاعِ ) إذْ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ الصَّحَابَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ مِنْ السَّلَفِ فِعْلُ ذَلِكَ مَعَ كَثْرَةِ أَسْفَارِهِمْ، (وَمَا قَالَهُ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ أَظْهَرُ وَأَصْوَبُ خَشْيَةَ) فِعْلِ (صَلَاةٍ يَرَى كَثِيرٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ لُزُومَ إعَادَتِهَا)، فَكَانَ الْخُرُوجُ مِنْ خِلَافِهِمْ أَوْلَى. (وَمَنْ فِي الْوَقْتِ)- أَيْ: وَقْتِ الصَّلَاةِ الْحَاضِرَةِ- (أَرَاقَهُ)- أَيْ: الْمَاءَ- (عَمْدًا، أَوْ مَرَّ بِهِ)- أَيْ: الْمَاءَ- (وَأَمْكَنَهُ طُهْرٌ مِنْهُ، وَلَمْ يَفْعَلْ، وَ) هُوَ (يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجِدُ غَيْرَهُ أَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ) فِي الْوَقْتِ لِغَيْرِ مَنْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ لَهُ، (حَرُمَ) عَلَيْهِ فِعْلُ ذَلِكَ فِي (الْكُلِّ، وَلَمْ يَصِحَّ عَقْدٌ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ- تَعَالَى- بِالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ فَلَمْ يَصِحَّ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهِ كَأُضْحِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ. (ثُمَّ إنْ) (تَيَمَّمَ) لِعَدَمِ غَيْرِهِ (عَاجِزًا عَنْ اسْتِرْدَادِ) مَاءٍ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ (وَصَلَّى) (لَمْ يُعِدْ)؛ لِأَنَّهُ عَادِمٌ لِلْمَاءِ حَالَ التَّيَمُّمِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا إثْمَ وَلَا إعَادَةَ بِالْأَوْلَى. (وَيَتَّجِهُ: بُطْلَانُ طُهْرِ مُشْتَرٍ) بِهِ (وَمُتَّهَبٍ بِهِ)، أَيْ: بِالْمَاءِ الْمَبِيعِ أَوْ الْمَوْهُوبِ فِي الْوَقْتِ (بَعْدَ طَلَبِ) بَائِعٍ أَوْ وَاهِبٍ (اسْتِرْدَادَهُ) مِنْ مُشْتَرٍ وَمُتَّهَبٍ، فَلَا يَصِحُّ التَّطَهُّرُ بِهِ مِنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ، لِتَعَلُّقِ حَقُّ اللَّهِ- تَعَالَى- بِهِ إنْ عَلِمَ الْآخِذُ فَسَادَ الْعَقْدِ لِمَا يَأْتِي مِنْ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ كَالْمَغْصُوبِ فَالْمَاءُ بَاقٍ عَلَى مِلْكٍ مَأْخُوذٍ مِنْهُ (مَعَ لُزُومِ) مُشْتَبِهٍ (ثَمَنُهُ)- أَيْ: الْمَاءِ- أَيْ: ثَمَنُ مِثْلِهِ فِي مَحَلِّ بَيْعٍ إذَا تَلِفَ أَوْ تَعَذَّرَ اسْتِرْدَادُهُ، وَ(لَا) يُؤْخَذُ ثَمَنٌ مُسَمًّى فِي عَقْدٍ (لِفَسَادِهِ)- أَيْ: الْعَقْدِ- بِخِلَافِ مَاءٍ مَوْهُوبٍ تَلِفَ فَلَا يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (وَمَنْ ضَلَّ عَنْ رَحْلِهِ وَبِهِ الْمَاءُ وَقَدْ طَلَبَهُ)- أَيْ: رَحْلَهُ- فَلَمْ يَجِدْهُ، فَتَيَمَّمَ أَجْزَأَهُ، (أَوْ) ضَلَّ (عَنْ مَوْضِعِ بِئْرٍ كَانَ يَعْرِفُهَا) وَكَانَتْ بِقُرْبِهِ، وَلَوْ كَانَتْ ظَاهِرَةً فِي نَفْسِهَا لَكِنْ أَعْلَامَهَا خَفِيَّةٌ وَضَلَّ عَنْهَا، (فَتَيَمَّمَ:) (أَجْزَأَهُ، وَ) لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ (لَوْ وَجَدَ مَا ضَلَّ عَنْهُ)؛ لِأَنَّهُ حَالَ تَيَمُّمِهِ عَادِمٌ الْمَاءَ فَدَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَرِّطٍ. (أَوْ بَانَ بَعْدَ) التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ (بِقُرْبِهِ بِئْرٌ خَفِيَّةٌ لَمْ يَعْرِفْهَا) فَلَا إعَادَةَ، لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ، (لَا) إنْ كَانَتْ أَعْلَامُهَا (ظَاهِرَةً)، فَيُعِيدُ (لِتَفْرِيطِهِ)، وَكَذَا لَوْ كَانَ يَعْرِفُهَا مَعَ ظُهُورِ أَعْلَامِهَا لَكِنَّهُ ضَلَّ عَنْهَا أَوْ نَسِيَهَا أَوْ كَانَتْ أَعْلَامُهَا خَفِيَّةً وَيَعْرِفُهَا، لَكِنَّهُ نَسِيَهَا.وَ(لَا) يُجْزِئُهُ التَّيَمُّمُ (إنْ نَسِيَهُ) أَيْ الْمَاءَ- بِمَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ وُصُولُهُ إلَيْهِ، (أَوْ نَسِيَ مَا يُحَصِّلُهُ بِهِ مِنْ ثَمَنٍ أَوْ آلَةٍ) كَحَبْلٍ أَوْ دَلْوٍ، (أَوْ جَهِلَهُ)- أَيْ الْمَاءَ- (بِمَوْضِعٍ يُمْكِنُهُ وُصُولُهُ) إلَيْهِ (كـَ) كَوْنِهِ (مَعَ عَبْدِهِ، أَوْ) نَسِيَهُ (فِي رَحْلِهِ وَتَيَمَّمَ) وَصَلَّى فَلَا يُجْزِئُهُ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ تَجِبُ مَعَ الْعِلْمِ وَالذِّكْرِ فَلَا يَسْقُطُ بِالنِّسْيَانِ وَالْجَهْلِ (كَمُصَلٍّ) نَاسٍ حَدَثَهُ، وَكَمُصَلٍّ (عُرْيَانًا أَوْ مُكَفِّرٍ بِصَوْمٍ نَاسِيًا لِسُتْرَةٍ وَرَقَبَةٍ) فَلَا تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ وَلَا يُجْزِئُهُ صَوْمُهُ عَنْ كَفَّارَتِهِ. (وَيَصِحُّ تَيَمُّمٌ بِشَرْطِهِ لِكُلِّ حَدَثٍ) أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ، لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ: «كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مُعْتَزِلٍ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ؟ فَقَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ وَلَا مَاءَ فَقَالَ: عَلَيْكَ بِالصَّعِيدِ، فَإِنَّهُ يَكْفِيَكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِحَدِيثِ عَمَّارٍ وَحَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ انْقَطَعَ دَمُهُمَا كَجُنُبٍ (وَ) يَتَيَمَّمُ (لِ) كُلِّ جَنَابَةٍ بِبَدَنِ مُتَيَمِّمٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا، لِعَدَمِ مَاءٍ وَلِضَرَرٍ بِبَدَنِهِ، وَلَوْ كَانَ الضَّرَرُ مِنْ بَرْدٍ حَضَرًا مَعَ عَدَمِ مَا يُسَخِّنُ بِهِ الْمَاءَ (بَعْدَ تَخْفِيفِهَا مَا أَمْكَنَ) بِحَكِّ يَابِسَةٍ، وَمَسْحِ رَطْبَةٍ لُزُومًا- أَيْ: وُجُوبًا- فَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إزَالَتِهَا فِي الْجُمْلَةِ، لِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (وَلَا إعَادَةَ) عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي مَحَلٍّ صَحِيحٍ أَوْ جَرِيحٍ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الصَّعِيدُ الطَّيِّبُ طَهُورُ الْمُسْلِمِ» وَلِقَوْلِهِ: {جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا} وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ فِي الْبَدَنِ تُرَادُ لِلصَّلَاةِ، فَأَشْبَهَتْ طَهَارَةَ الْحَدَثِ. (وَإِنْ) (تَعَذَّرَ) عَلَى مُرِيدِ الصَّلَاةِ (مَاءٌ وَتُرَابٌ لِعَدَمِهِمَا) كَمَنْ حُبِسَ بِمَحَلٍّ لَا مَاءَ فِيهِ وَلَا تُرَابَ، (أَوْ لِقُرُوحٍ) أَوْ جِرَاحَاتٍ (لَا يَسْتَطِيعُ مَعَهَا مَسَّ الْبَشَرَةِ بِمَاءٍ) وَلَا تُرَابٍ، وَكَذَا مَرِيضٌ عَجَزَ عَنْ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ، وَعَمَّنْ يُطَهِّرُهُ بِأَحَدِهِمَا (صَلَّى الْفَرْضَ فَقَطْ) دُونَ النَّوَافِلِ (وُجُوبًا عَلَى حَسَبِ حَالِهِ)؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فَلَمْ تُؤَخَّرْ الصَّلَاةُ عِنْدَ عَدَمِهِ كَالسُّتْرَةِ، (وَلَا يَزِيدُ) عَادِمُ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ (عَلَى مَا يُجْزِئُ فِي صَلَاةٍ مِنْ قِرَاءَةٍ وَغَيْرِهَا) فَلَا يَقْرَأُ زَائِدًا عَلَى الْفَاتِحَةِ، وَلَا يَسْتَفْتِحُ وَلَا يَتَعَوَّذُ وَلَا يُبَسْمِلُ وَلَا يُسَبِّحُ زَائِدًا عَلَى الْمَرَّةِ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا يُجْزِئُ فِي طُمَأْنِينَةِ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ جُلُوسٍ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ رَكَعَ فِي الْحَالِ، وَإِذَا فَرَغَ مِمَّا يُجْزِئُ فِي التَّشَهُّدِ نَهَضَ أَوْ سَلَّمَ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهَا صَلَاةُ ضَرُورَةٍ فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَاجِبِ، إذْ لَا ضَرُورَةَ لِلزَّائِدِ. (وَيَتَّجِهُ) مَنْعُ مُحْدِثٍ حَدَثًا أَصْغَرَ مِنْ قِرَاءَةِ زَائِدٍ عَلَى الْفَاتِحَةِ وَغَيْرِهَا (نَدْبًا) إذْ لَا يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ خَارِجَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ إنَّمَا يَثْبُتُ مَعَ إمْكَانِ الطَّهَارَةِ، وَلِأَنَّ لَهُ أَنْ يَزِيدَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى فِعْلِ الْوَاجِبِ، (وَ) أَمَّا (فِي) قِرَاءَةِ (زَائِدٍ عَنْ الْفَاتِحَةِ لِجُنُبٍ) فَيَمْتَنِعُ (وُجُوبًا)، لِتَحْرِيمِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْجُنُبِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، فَلَأَنْ يَمْتَنِعَ عَلَيْهِ الزِّيَادَةُ فِيهَا عَلَى مَا يُجْزِئُ مِنْ بَابِ أَوْلَى، وَفِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَالْفُرُوعِ مَا يُؤَيِّدُ هَذَا الِاتِّجَاهَ. (وَلَا يَقْرَأُ) إنْ كَانَ جُنُبًا (فِي غَيْرِ صَلَاةٍ) لِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ، (وَتَبْطُلُ) صَلَاتُهُ (بِحَدَثٍ وَنَحْوِهِ) كَنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا (فِيهَا)- أَيْ: الصَّلَاةِ- لِمُنَافَاةِ ذَلِكَ لَهَا، فَأَبْطَلَهَا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَتْ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُهَا عَلَى حَسَبِ حَالِهِ. وَلَوْ مَاتَ إنْسَانٌ وَلَا مَاءَ وَلَا تُرَابَ؛ وَجَبَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ، ثُمَّ إنْ وُجِدَ الْمَاءُ أَوْ التُّرَابُ غُسِّلَ أَوْ يُمِّمَ وَأُعِيدَتْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وُجُوبًا، سَوَاءٌ كَانَ الْمُصَلِّي عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ مُتَطَهِّرًا بِمَاءٍ أَوْ تُرَابٍ، وَيَجُوزُ نَبْشُهُ لِوُجُودِ أَحَدِهِمَا، مَعَ أَمْنِ تَفَسُّخِهِ، (وَلَا) تَبْطُلُ (بِخُرُوجِ وَقْتٍ) بِخِلَافِ الْمُتَيَمِّمِ. (وَلَا يَؤُمُّ عَادِمُهُمَا) أَيْ: الْمَاءِ وَالتُّرَابِ (مُتَطَهِّرًا بِأَحَدِهِمَا)- أَيْ: بِالْمَاءِ وَالتُّرَابِ- كَالْعَاجِزِ عَنْ الِاسْتِقْبَالِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوطِ لَا يَؤُمُّ قَادِرًا عَلَيْهِ، وَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي الصَّلَاةِ فَكَالْمُتَيَمِّمِ يَقْدِرُ عَلَى الْمَاءِ (لَا عَكْسِهِ)، فَيَؤُمُّ مُتَطَهِّرٌ بِمَاءٍ أَوْ تُرَابٍ عَادِمَهُمَا. (وَيَتَّجِهُ) (تَيَمُّمُهُ)- أَيْ: فَاقِدِ الطَّهُورَيْنِ- (عِنْدَ عَدَمِ تُرَابٍ بِكُلِّ مَا تَصَاعَدَ عَلَى الْأَرْضِ مِنْ نَحْوِ رَمْلٍ كَنَحِيتِ حِجَارَةٍ، وَجِصٍّ وَنَوْرَةِ) كُحْلٍ (أَوْلَى مِنْ صَلَاتِهِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ)، كَأَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ وَاخْتِيَارُ ابْنِ أَبِي مُوسَى وَالشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَالْمَذْهَبُ خِلَافُهُ. (وَإِنْ وَجَدَ) عَادِمُ مَاءٍ (ثَلْجًا)، وَتَعَذَّرَ تَذْوِيبُهُ مَسَحَ بِهِ أَعْضَاءَهُ لُزُومًا؛ لِأَنَّهُ مَاءٌ جَامِدٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ إلَّا كَذَلِكَ فَوَجَبَ، لِحَدِيثِ: «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَظَاهِرُهُ لَا يَتَيَمَّمُ مَعَ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِدٌ لِلْمَاءِ، (وَصَلَّى وَلَمْ يُعِدْ) صَلَاتَهُ (إنْ جَرَى الثَّلْجُ)- أَيْ: سَالَ- (بِمَسِّ) الْأَعْضَاءِ الْوَاجِبِ غَسْلُهَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ غَسْلًا خَفِيفًا، وَإِلَّا يَجْرِ بِمَسٍّ أَعَادَ صَلَاتَهُ، وَكَذَا لَوْ صَلَّى بِلَا تَيَمُّمٍ مَعَ وُجُودِ طِينٍ يَابِسٍ، لِعَدَمِ وُجُودِ مَا يَدُقُّهُ بِهِ كَحَجَرٍ وَنَحْوَهُ، لِيَصِيرَ لَهُ غُبَارٌ (وَيَتَّجِهُ: الْأَصَحُّ) أَنَّ مَنْ عَجَزَ عَنْ تَذْوِيبِ الثَّلْجِ، أَوْ دَقِّ الطِّينِ الْيَابِسِ، وَصَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ، وَ(لَا إعَادَةَ) عَلَيْهِ فِي الصُّورَتَيْنِ (لِتَعَذُّرِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِمَا كَ) مَا لَا إعَادَةَ عَلَى (سَائِرٍ بِطِينٍ) تَعَذَّرَ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ، وَهَذَا الِاتِّجَاهُ مُوَافِقٌ لِمَا ذَكَره الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ؛ لَكِنَّ نُصُوصَهُمْ صَرِيحَةٌ بِوُجُوبِ الْإِعَادَةِ احْتِيَاطًا وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ. الشَّرْطُ (التَّاسِعُ: تُرَابٌ)، فَلَا يَصِحُّ تَيَمُّمٌ بِرَمْلٍ أَوْ نَوْرَةٍ أَوْ جِصٍّ أَوْ نَحْتِ حِجَارَةٍ وَنَحْوِهِ (طَهُورٌ) بِخِلَافِ مَا تَنَاثَرَ مِنْ الْمُتَيَمِّمِ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي طَهَارَةٍ أَبَاحَتْ الصَّلَاةَ، أَشْبَهَ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي طَهَارَةٍ وَاجِبَةٍ، وَإِنْ تَيَمَّمَ جَمَاعَةٌ مِنْ مَوْضِعٍ وَاحِدٍ صَحَّ، كَمَا لَوْ تَوَضَّئُوا مِنْ حَوْضٍ يَغْتَرِفُونَ مِنْهُ، (مُبَاحٌ) فَلَا يَصِحُّ بِمَغْصُوبٍ كَالْوُضُوءِ بِهِ، (غَيْرُ مُحْتَرِقٍ)، لِخُرُوجِهِ عَنْ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ التُّرَابِ، (يَعْلَقُ غُبَارُهُ) بِالْيَدِ أَوْ غَيْرِهَا (عَلَى أَيِّ لَوْنٍ كَانَ) مِنْ بَيَاضٍ أَوْ سَوَادٍ أَوْ غَيْرِهِ، (فَيُجْزِئُ لَوْ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى لِبْدٍ أَوْ حَصِيرٍ أَوْ حَائِطٍ أَوْ حَيَوَانٍ أَوْ بَرْذَعَةِ حِمَارٍ بَلْ وَ) عَلَى عَدْلِ (شَعِيرٍ وَنَحْوِهِ)، كَعَلَى بِسَاطٍ أَوْ صَخْرَةٍ (مِمَّا عَلَيْهِ غُبَارٌ) طَاهِرٌ حَتَّى مَعَ وُجُودِ تُرَابٍ لَيْسَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ. و(لَا) يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِضَرْبِهِ عَلَى (مَا لَا) غُبَارَ عَلَيْهِ (يَعْلَقُ) بِالْيَدِ كَالْأَرْضِ السَّبْخَةِ وَالرَّمْلِ، (أَوْ) كَانَ مَا تَيَمَّمَ بِهِ (مَعْدِنًا كَنَوْرَةٍ وَزِرْنِيخٍ وَسَحَاقَةِ خَزَفٍ، وَحَجَرٍ) دَقَّهُ حَتَّى صَارَ تُرَابًا، فَلَا يَصِحُّ، (أَوْ) كَانَ تَيَمُّمُهُ بِتُرَابٍ (طَاهِرٍ، وَهُوَ: مَا تَيَمَّمَ بِهِ) جَمَاعَةٌ فَلَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَعْمَلًا، (لَا) إنْ تَيَمَّمُوا (مِنْهُ)- أَيْ: التُّرَابِ- كَمَا لَوْ تَوَضَّئُوا مِنْ حَوْضٍ كَبِيرٍ. (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِتُرَابٍ (نَجِسٍ) يَقِينًا (فَلَوْ تَيَمَّمَ بِتُرَابٍ عَلَى ظَهْرِ كَلْبٍ لَمْ يَصِحَّ) تَيَمُّمُهُ (إنْ عَلِمَ الْتِصَاقَهُ)- أَيْ: التُّرَابِ- (بِرُطُوبَةٍ) وَإِلَّا يَعْلَمُ الْتِصَاقَهُ بِرُطُوبَةٍ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ تُرَابٌ طَهُورٌ. (وَلَا) يَصِحُّ التَّيَمُّمُ (بِتُرَابِ مَقْبَرَةٍ تَكَرَّرَ نَبْشُهَا)، وَإِلَّا جَازَ، وَإِنْ شَكَّ فِي تَكْرَارِهِ؛ صَحَّ التَّيَمُّمُ بِهِ. (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ (بـِ) تُرَابٍ (مَغْصُوبٍ وَنَحْوِهِ) كَمَسْرُوقٍ، لِاشْتِرَاطِ الْإِبَاحَةِ، (وَفِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُهُ: وَلَوْ تُرَابَ مَسْجِدٍ، وَالْمُرَادُ) مِنْ تُرَابِ الْمَسْجِدِ: التُّرَابُ (الدَّاخِلُ فِي وَقْفِهِ)، كَتُرَابِ سَطْحِهِ وَأَرْضِهِ وَحِيطَانِهِ، (لَا مَا يَجْتَمِعُ مِنْ نَحْوِ رِيحٍ) فَيَصِحُّ التَّيَمُّمُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ قَالَ: (وَلَعَلَّ هَذَا الظَّاهِرَ غَيْرُ مُرَادٍ، فَإِنَّهُ لَا يُكْرَهُ) التَّيَمُّمُ (بِتُرَابِ زَمْزَمَ مَعَ أَنَّهُ مَسْجِدٌ)، قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ. (وَفِي الْمُبْدِعِ لَوْ تَيَمَّمَ بِتُرَابِ غَيْرِهِ جَازَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ، لِلْإِذْنِ فِيهِ عَادَةً وَعُرْفًا) انْتَهَى.(وَلَا) يَصِحُّ التَّيَمُّمُ (بـِ) تُرَابٍ (مُحْتَرِقٍ) لِسَحِيقِ خَزَفٍ، (وَيَتَّجِهُ) عَدَمُ صِحَّةِ التَّيَمُّمِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ (أَخْرَجَهُ الِاحْتِرَاقُ عَنْ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ التُّرَابِ)، وَهُوَ مُتَّجِهٌ. (أَوْ) أَيْ: وَلَا يَصِحُّ التَّيَمُّمُ (بِطِينٍ)؛ لِأَنَّهُ لَا غُبَارَ لَهُ، (لَكِنْ إنْ أَمْكَنَ تَجْفِيفُهُ وَتَيَمَّمَ بِهِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتٍ) وَلَوْ لِاخْتِيَارٍ (لَزِمَ ذَلِكَ)، وَإِنْ دَقَّ الطِّينَ الْيَابِسَ، كَالْأَرْمَنِيِّ وَالْخُرَاسَانِيّ، جَازَ التَّيَمُّمُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ تُرَابٌ (وَإِنْ خَالَطَ مَا يَصِحُّ تَيَمُّمٌ بِهِ)، وَهُوَ التُّرَابُ الطَّهُورُ، (ذُو غُبَارٍ غَيْرُهُ مِمَّا لَا يَصِحُّ) التَّيَمُّمُ بِهِ (كَجِصٍّ وَنَوْرَةٍ) وَسَحِيقِ كَدَانٍ وَمَرْمَرٍ (فَكَمَاءٍ طَهُورٍ خَالَطَهُ) مَاءٌ (طَاهِرٌ، فَإِنْ كَانَتْ الْغَلَبَةُ لِتُرَابٍ: جَازَ، وَ) إنْ كَانَتْ (لِمُخَالِطٍ لَا) يَجُوزُ، هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْجُمْهُورُ مِنْهُمْ: الْقَاضِي وَأَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُمَا، وَجُزِمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْوَجِيزِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ، (وَابْنُ عَقِيلٍ مَنَعَ) التَّيَمُّمَ بِتُرَابٍ خَالَطَهُ غَيْرُهُ، (وَإِنْ كَانَ) التُّرَابُ الطَّهُورُ كَثِيرًا، وَالْمُخَالِطُ لَهُ (قَلِيلًا) حَيْثُ كَانَ الْمُخَالِطُ ذَا غُبَارٍ، وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمُخَالِطُ لَهُ نَجَاسَةً، وَإِنْ قَلَّتْ، (وَلَا يَضُرُّ مُخَالِطٌ لَا غُبَارَ لَهُ) يَعْلَقُ بِالْيَدِ (مُطْلَقًا)، كَثِيرًا كَانَ الْمُخَالِطُ أَوْ قَلِيلًا (لِجَوَازِ تَيَمُّمٍ مِنْ شَعِيرٍ نَصًّا)؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ عَلَى الْيَدِ مِنْهُ مَا يَحُولُ بَيْنَ غُبَارِ التُّرَابِ وَبَيْنَهَا.
|