الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **
تكامل فيها فتح خراسان وتوفي أبو سفيان بن حرب الأموي وقيل في السنة الآتية ومما حصل له من المناقب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما روينا في الصحيح أنه قال: يا نبي الله ثلاث أعطيكهن قال نعم قال عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها قال نعم قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك قال: نعم وقال وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين قال: نعم. قال: ابو زميل بضم الزاي وفتح الميم وسكون المثناه من تحت وهو راوي ذلك عن ابن عباس لولا أنه طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أعطاه ذلك لأنه لم يكن يسأل شيئاً إلا قال نعم. قلت هذا الحديث مشكل عند المحدثين لأن أبا سفيان ما أسلم إلا يوم فتح مكة وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تزوج بأم حبيبة قبل ذلك بزمن طويل تزوجها وهي في أرض الحبشة كانت مع الذين هاجروا من المسلمين إلى أرض الحبشة وأبو سفيان المذكور هو المقدم رئيس قريش بعد رؤوسهم المقتولين في بدر وذهبت كلتا عينيه في الجهاد احداهما في تبوك والأخرى في اليرموك. وفيها توفي الحكم بن أبي العاص الأموي والد مروان قرابة عثمان عفان رضي الله عنه وكان يفشي سر النبي صلى الله عليه وآله وسلم. قيل: كان يحاكيه في مشيه فطرده صلى الله عليه وآله وسلم إلى الطائف فلم يزل طريداً إلى أن استخلف عثمان فأدخله المدينة واعتذر لما طعن في ذلك بأنه كان قد شفع فيه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوعده برده. قلت هكذا رأيت أن أذكر عذر عثمان رضي الله تعالى عنه في ذلك. وأما قول الذهبي: طرده النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما استخلف عثمان أدخله المدينة وأعطاه مائة ألف من غير ذكر عذر لعثمان فإطلاق قبيح يستشنعه كل ذي إيمان بفضل الصحابة أولي الحق والإحسان.
فيها توفي العباس عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابن ست وثمانين سنة ومن مناقبه من عقبه جميع الخلفاء المعروفين ببني العباس وأن عمر رضي الله تعالى عنه استسقى به في خلافته بكونه عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسقوا. وكان يوم حنين هو وابن أخيه أبو سفيان بن الحارث احدهما آخذ بلجام بغلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والآخر آخذ بركابها لما انهزم المسلمون إلا جماعة منهم فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبادي بأصحاب الشجرة ثم بالأنصار فردوا لما عرفوا صوته وكان صيتاً ينادي من جبل صلع غلمانه وهم في الغابة من آخر الليل فيسمعهم ومسافة ذلك قدر ثمانية أميال. وتوفي في السنة المذكورة عبد الرحمن بن عوف الزهري احد العشرة المشهود لهم بالجنة وصنائعه معروفة وسعة غنائه بالمكارم محفوفة منها أنه باع مرة أرضاً بأربعين ألف دينار فتصدق بها ومنها ما ورد أنه تصدق بعير له كبيرة أقبلت من الشام وبما عليها من أنواع البضائع. قلت وذكر الشيخ الحافظ أبو عبدالله محمد بن عمران بن موسى المرزباني في كتاب المقتبس قال: قتل عبيدالله بن معمر التيمي لأربعين سنة برستاق من رساتيق اصطخر في زمن عثمان بن عفان ولم يبين في أي سنة وقال اشترى عبيدالله بن معمر جارية فارهة بعشرين ألف دينار كانت تسمى الكاملة في عمل الغناء وجودة الضرب ومعرفة الألحان والقرآن والشعر والكتابة وفنون الطبيخ والعطر وكانت عند فتى قد أدبها لنفسه وكان بها معجباً وواجداً بها وجداً شديداً فلم يزل ينفق عليها حتى أتلف واحتاج فحمل يسأل اخوانه. قلت ذلك حيناً وهو في نكد وضيق شديد في معيشتهما فقالت الجارية والله إني لأرى لك وأشفق عليك وأرغب بك عن ما أنت فيه ولو أنك بعتني نلت غنى الدهر ولعل الله أن يصنع لنا جميلاً فحملها إلى عبيدة الله بن معمر فأعجبته فاشتراها بالثمن المذكور فلما قبض الفتى المال استشعر كل واحد منهما إلى صاحبه فأنشدت. هنيئاً لك المال الذي قد حويته ولم يبق في كفي إلا تفكري أقول لنفسي وهي في عين كربة أقلي فقد بان الحبيب أو اكثري إذا لم يكن للمرء عندك حيلة ولم تجد شيئاً سوى الصبر فاصبر فقال الفتى: ولولا قعود الدهر بي عنك لم يكن يفرقنا شيء سوى الموت فاعذري أبوء بحزن من فراقك موجع أناجي به قلباً طويل التفكر عليك سلام لا زيارة بيننا ولا وصل إلا أن يشاء ابن معمر فقال عبيدالله ورق لهما خذ بيدها وانصرفا راشدين والمال الذي نقدته في ثمنها أنفقه عليها والله لا أخذت منه درهماً او قال شيئاً قال ومات ابنه عمر بالشام في موضع يقال له ضمير بضم الضاد المعجمة قيل الراء مثناة رثاه الفرزدق بأبيات أولها. يا أيها الناس لا تبكوا على أحد بعد الذي بضمير وافق القدرا أتى قريش أبو حفص فقد رزيت بالشام أو فارقتك الناس والظفرا وفي السنة المذكورة توفي مقر الفضائل والسعود عبدالله بن مسعود الهذلي رضي الله عنه ومن مناقبه رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " خذوا القرآن عن أربعة وذكر منهم ابن مسعود ". ومنها أنه كان هو وأمه من رآهما حسب أنهما من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كثرة دخولهما ولزومهما له ومنها إنه كان عالماً بكتاب الله قال ولقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إني أعلمهم بكتاب الله ولو أعلم أن أحداً أعلم مني لرحلت إليه. قال الراوي: فجلست في حلق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما سمعت أحداً يرد ذلك عليه ولا يعيبه. قال العلماء وفي هذا دليل بجواز ذكر الإنسان بنفسه بالفضيلة والعلم ونحوه للحاجة ومناقبه كثيرة شهيرة وهو الذي جز رأس أبي جهل يوم بدر بعد ما أثخنته الجراح من الأنصاريين ولم يبق فيه إلا الرمق. وروي أن أبا جهل قال لما أراد أن يجز رأسه: لقد رقيت مرقى صعباً يا رويغى الغنم وكان رضي الله عنه مفتياً مرجوعاً إليه في المشكلات بالاتفاق بين علماء الحجاز والشام والعراق وهو الذي أشار إليه بعض الصحابة: لا تسألوني عن شيء ما دام هذا الحبر بين أظهركم. وفي السنة المذكورة توفي أبو الدرداء عويمر بن زيد وقيل ابن عبيدالله الأنصاري الخزرجي أسلم بعد بدر وكان حكيم هذه الأمة ولي قضاء دمشق وفضائله معروفة ومحاسنه موصوفة وكان سلمان مواخياً له وكان يغذ له فيما هو فيه من شدة المجاهدة وهو القائل لامرأته أم الدرداء لما قالت له ما عندنا شيء يعني من النفقة: يا هذه إن بين أيدينا عقبة كؤدا لا يجوزها إلا المحققون. ولما دخل بيتهم رآها متبذلة قال لها: ما شأنك قالت: ان أخاك ليس له حاجة في الدنيا. فوعظه وقال إن لربك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً واضيفك عليك حقاً ولنفسك عليك حقاً فاعط كل ذي حق حقه. وفيها توفي أبو ذر جندب بن جنادة الغفاري الذي عند انتهاك المحارم لا تأخذه في الله لومة لائم وفضائله كثيرة منها تقدم إسلامه وما تحمل فيه من الشدائد عند إعلانه بالصدق بين ظهراني في كل كفور من قريش معايذاً ما لاقى في ضمن ذلك من المحن وتغذيه بماء زمزم حتى ظهر فيه السمن. وتوفي أبو سفيان بن حرب على خلاف فيه تقدم وعبدالله بن يزيد بن عبد ربه الأنصاري الذي أري الأذن وكان بدرياً.
فيها توفي المقداد بن الأسود الكندي وقد شهد بدراً وهو القائل يومئذ: والله يا رسول الله ما نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى " اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " ولكن نقاتل عن يمينك وعن شمالك ومن أمامك ومن خلفك. فسر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك حتى رؤي البشر في وجهه وكان يومئذ فارساً قطعاً.وفي الزبير اختلاف دون غيرهما بلا اختلاف وفضائله في الشجاعة والنجابة معروفة وهو من الصحابة وفيها غزا عبدالله بن سعد بن أبي سرح بلاد حبشة.
فيها أخرج أهل الكوفة سعيد بن العاص رضوا بأبي موسى وكتبوا فيه إلى عثمان فأمره عليهم ثم رد عليهم سعيد فخرجوا ومنعوه. وفيها توفي أبوطلحة الأنصاري أحد النقباء ليلة العقبة الذي قال فيه صلى الله عليه وآله وسلم: " صوت أبي طلحة في الجيش خير من فئية " وعبادة بن الصامت الخزرجي أحد النقباء ليلة العقبة مات بالرملة قيل بالقدس بعد أن ولى قضاءها. وفيها توفي أعلم أهل الكتاب به وبالآثار المشهور بكعب الأحبار اسلم في زمان أبي بكر وروى عن عمر وفيها توفي مسطح بن أثاثة وكان بدرياً.
فيها توفي عامر بن ربيعة وعبدالله بن أبي ربيعة المخزومي وكان جليلاً نبيلاً من أحسن الناس وجهاً ولاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجند بفتح الجيم والنون ومخاليفها من بلاد اليمن. وفي أواخر السنة المذكورة حصر المصريون عثمان بن عفان القرشي الأموي رضي الله عنه ليخلع نفسه من الخلافة ولم يزالوا حاصرين له إلى أن آن الوقت الذي تصيبه فيه المصيبة التي أخبر عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: " فتح له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه ". والتي أشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى نيله الشهادة بها بقوله صلى الله عليه وآله وسلم لما تحرك جبل أحد: " أسكن أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان ". وكان عليه صلى الله عليه وآله وسلم ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فتجرأ عليه أراذل من رعاء القبائل واقتحموا عليه داره فقتلوه قيل: وكان المتعصبون عليه حينئذ أربعة آلاف. وسبب قتلهم له على ما قيل إنهم طلبوا منه ما لهم من العادة التي يأخذه الجند من ولاة الأمر فأمر من كتب لهم بذلك إلى عامله في مصر فلما كانوا في أثناء الطريق فتحوا الكتاب فوجدوا فيه الأمر بقتلهم فرجعوا إليه وقالوا كيف تأمر بقتلنا فقال: ما كتبت الكتاب وإنما كتبه غيري. فقالوا: ان كان خطك فقد أمرت بقتلنا وإن كان خط غيرك فقد زور عليك وتغلب على أمرك فما تصلح للخلافة. قلت وليس في هذا حجة لهم. بل قولهم ظاهر البطلان فإن الأخيار ليسوا بمعصومين من تزوير الأشرار. ويقال إن الذي زورعليه مروان. والله أعلم بذلك ممن كان. وروينا في جامع الترمذي أنه جاء عبدالله بن سلام إلى عثمان فقال له: ما جاء بك فقال: جئت في نصرتك. قال: اخرج إلى الناس فأخبرهم عني فإنك خارج خير لي من داخل فخرج عبدالله بن سلام فقال: ايها الناس إنه كان اسمي في الجاهلية فلان فسماني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبدالله. ونزلت عليه آيات من كتاب الله ونزلت في قوله تعالى " قال الترمذي هذا حديث حسن غريب. قال علماء السير والتاريخ: وكان قتلهم له في يوم الجمعة ثاني عشر ذي الحجة والمصحف بين يديه فانتضح الدم ووقع على قوله تعالى: " وقد اشتهر عنه رضي الله عنه أنه ما أراد القتال والدفع عن نفسه بل قال لارقائه: وكانوا مائة عبد وقيل أربع مائة من أغمد سيفه فهو حر لله فأغمدوا سيوفهم كلهم إلا واحد منهم فإنه قاتل حتى قتل. وإن علياً كرم الله وجهه أرسل إليه ابنه الحسن بماء للشرب وقال له إن اخترت أن آتيك للنصر أتيت فقال رضي الله عنه: لا فإني رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لي إن قاتلتهم نصرت عليهم وإن لم تقاتل أفطرت الليل عندنا وأنا أحب أن أفطر عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان رضي الله عنه صائماً. ونقل عن علي رضي الله عنه أيضاً أنه لما بلغه قتله قال: الله المستعان ما كنا نظن أن يبلغ الأمر إلى هذا الحد وصلى عليه جبير بن مطعم وقيل غيره ودفن في البقيع رضي الله عنه وكانت خلافته اثنتي عشرة سنة وأياماً وقيل الأشهر وكانت ولايته بجعل عمر الخلية بعده شورى بين الستة الجلة من الصحابة المشهورين في الحديث كما تقدم فتشاورا بينهم ثم آل الأمر إليه واتفق الصحابة كلهم عليه. ونسبه يجتمع مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عبد مناف وبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبينه ثلاثة آباء وبين عثمان وبينه أربعة لأنه عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة وأم أروى أم حكيم بنت عبد المطلب الملقبة بالبيضاء توأمة عبدالله بن عبد المطلب. فجدة عثمان من قبل أمه عمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد قال لي بعض من يبغضه على وجه الطعن فيه مع إظهار التبجيل له: ما بال عثمان وهو من سادات الصحابة ما دفن إلا بعد يومين أو ثلاثة أيام فقلت له: ليس ذلك بأشنع ولا أفظع من تطواف الفجرة بالبلدان برأس الحسين ابن المصطفى من ولد عدنان فخشي وولى وسكت خجلاناً. واتفق أهل الحق من جميع علماء أهل السنة أن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوماً شهيداً وللقتل أسباب تقتضيه لم يأت عثمان شيئاً منها وجميع ما أنكر عليه أجيب عنه رحمة ابثه تعالى عليه ومن أوجب قتله لم يكن ذلك إلى مثل هؤلاء السفلة أولي الشرور وإنما يكون إلى أهل الحل والعقد في الأمور. قلت وليس يحصى فضائل عثمان وما له من المحاسن والإحسان الشاهدة له بالشهادة الحسنة والسعادة بالجنة. منها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبوا به لماء جاء يستأذن: " إيذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه " أخرجه البخاري وأخرجه مسلم من طرق قال في إحداها: فقال اللهم صبراً والله المستعان. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم وقد صعد أحداً ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف: " اسكن أحد فليس عليك إلا نبي وصديق وشهيدان " قال الراوي وهو أنس أظنه ركضه برجله وقال اسكن أحد الحديث أخرجه البخاري وقد تقدم. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " لا أستحيي ممن يستحي منه الملائكة " وفي بعض النسخ: " من رجل يستحي منه الملائكة " لما قالت له عائشة: دخل أبو بكر فلم تهش له ولم تباله ثم دخل عمر ولم تهش له ولم تباله ثم دخل عثمان فجلست فسويت ثيابك. ورواية البخاري أنه كان صلى الله عليه وآله وسلم قاعداً في مكان فيه ماء قد انكشف عن ركبته أو ركبتيه فلما دخل عثمان غطاها. وفي رواية مسلم كان صلى الله عليه وآله وسلم مضطجعاً في بيته كاشفاً عن فخذيه أو ساقيه فاستأذن أبو بكر الحديث. وفي حديث مسلم الآخر أن عثمان رجل حيي وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال أن لا يبلغ إلي في حاجته. وفي الحديث المتقدم عن ابن عمر رضي الله عنهما في تفضيلهم بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر ثم عمر ثم عثمان. ومن مناقبه أيضاً تزويج النبي عليه السلام بابنتيه رقية وأم كلثوم ولذلك لقب بذي النورين يقال إنه ما تزوج من بني آدم ابنتي نبي سواه. ومنها تجهيزه جيش العسرة وحفره بير رومة روينا في جامع الترمذي أيضاً عن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بألف دينار حين جهز جيش العمرة فنشرها في حجره فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقلبها بيده ويقول: " ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم ". وروينا في جامع الترمذي أيضاً عن عبد الرحمن بن خباب قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحض على تجهيز جيش العسرة فقام عثمان بن عفان فقال: يا رسول الله علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش فقام عثمان وقال: يا رسول الله علي ثلاث مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله قال: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينزل عن المنبر ويقول بأعلى صوت: " ما ضر عثمان ما فعل بعد هذه ". ومن مناقبه أيضاً قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " من جهز جيش العسرة فله الجنة ". ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " من حفر بير رومة فله الجنة ". ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم في وصف أمته: " وأصدقهم حياء عثمان بن عفان ". ومبايعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم نيابة عنه بضرب إحدى كفيه على الأخرى وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: وهذه عن عثمان في بيعة الرضوان لما غاب بإرساله صلى الله عليه وآله وسلم له إلى مكة رسولاً إلى قريش إذ لم يكن في الصحابة من له منعة في قومه مثله. ومنها حفظه القرآن وكثرة تلاوته وقيامه به في صلواته وكثرة نسكه وعبادته وإلى شيء من فضائله الجليلات أشرت حيث أقول في بعض القصيدات هذه الأبيات. وذي النور والبرهان والحلم والندى خشوع وللقرآن بالك يجمع قنوت الدياجي والعيون هواجع بلذة عيش بالتهجد مولع لقدمته يستحيي ملائكة السماء فما ضرذا لحم شريف مبضع وقلت في أخرى: والصائم القائم المحمود مشهده عثمان ذي النورين في قتله جاروا سنة ست وثلاثين فيها وقعة الجمل والكلام فيها طويل وها أنا أشير منه إلى شيء يسير مما ذكره أهل السير وتلخيص ذلك أنه لما قتل عثمان صبرا توجع له المسلمون وسقط في أيدي جماعة وكم بكى عليه من محزون وسالت من بعده دماء الفتن كما تسيل ماء العيون. وصدق قول حبر الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما الذي لمجد الفضائل سما: والله لو كان قتل عثمان حقاً لأمطرتكم السماء رحمة ولكنها أمطرتكم دماً وسار طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنها وعنهم نحو البصرة. قال بعض علماء السنة طالبين الثأر بدم عثمان وكانت عائشة قد اعتمرت وهي راجعة إلى المدينة فلما بلغها قتل عثمان رجعت إلى مكة وأرادوا من ابن عمران يخرج معهم إلى العراق فامتنع فلما خرجوا من مكة جاء مروان بن الحكم إلى طلحة والزبير وقال على أيكما أسلم بالإمارة وأنادي بالصلاة فسكتا فقال عبدالله بن الزبير: على أبي وقال محمد بن طلحة: على أبي فأرسلت عائشة إلى مروان أتريد أن ترمي الفتنة بيننا او قالت بين أصحابنا مروا ابن أختي فليصل بالناس يعني عبدالله بن الزبير. وقال بعض المحققين من المتأخرين من أئمتنا خرجوا تغيباً عن الفتنة التي أبدت قرنيها من الشام ورجليها من العراق في ذلك الزمان. وذلك أن إمام الحق علياً كرم الله وجهه أرسل إلى أميري الشام والعراق معاوية وابن عامر يستدعيهما الطاعة والوصول إليه فلم يكن من معاوية إلا تجهيز جيوش الشام وجمع العساكر وخرج أبو الحسن إلى جهة الكوفة وسارت جيوش العراق بين يديه فالتقيا بعد وقعة الجمل وكان من قدر الله في سفك دماء الفريقين ما كان. واعتذر عن ذلك أعلام أئمة السنة بأن معاوية كان طالباً أخذ الثأر من قتلة عثمان إذ كان له نسب في بني أمية وأن علياً لم يمكنه تسليمهم لأخذ الثأر منهم في أول خلافته قبل أن تقوى شوكة الهمة العلية. ثم وقعت وقعة الجمل بينه وبين طلحة والزبير ومن معهما وذلك أنه رآهم خارجين عن طاعته فاعترضهم من المدينة ليردهم من بعض الطرق ففاتوه وسلموا من لزمه التعويق فتقدموا حتى أتوا البصرة واستعانوا منها ببيت المال ومن أهلها بالنصرة وأرسل علي رضي الله عنه إذ فاتوا إلى المدينة يستدعي بالعدد والعدد طالباً بذلك الاستعانة على الحرب والمدد. عالماً بأن ما فعلوا ذلك إلا والخلاف منهم وقد اشتد وأرسل ابنه الحسن إلى الكوفة مع ناصر الحق عمار. يستنفران من فيها رجاء المعونة والانتصار ثم لما وصل إلى العراق ليردهم إلى طاعته خرج معه أهل الكوفة وخرج معهم أهل البصرة وحاول الصلح والرجوع إلى مبايعته فلما عزموا عليه ثار الأشرار ورموا بين الفريقين النار حين خافوا أن يصطلحوا ما يسوء الفجار من إقامة الحدود والأخذ لدم عثمان بالثأر. فأشعلوا نار الحرب بالليل. حتى التقى الرجالة والخيل. وجرى دماء الفريقين كالسيل. فكل من مد يده إلى خطام الجمل الذي عليه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها راكبة لم يرجع إليه يده بل هي بضرب السيوف الماضيات ذاهبة وتقاتل الأقران. وتناشدوا عند ذلك الاشعار. وقطع على خطام الجمل سبعون يداً من بني ضبة كلما قطعت يد أخذ الزمام آخر وهم ينشدون.نحن بنو ضبة أصحاب الجمل ننازل الموت إذ الموت نزل والموت أشهس عنط نط مش العسل وكانوا من حزب عائشة وطلحة والزبير وبلغت القتلى يومئذ ثلاثة وثلاثين ألفاً على ما ذكر أهل التوإريخ ل ذلك وعائشة رضي الله عنها راكبة على الجمل فأمر علي بعقر ذلك الجمل المسمى بعسكر فخمل الشر عند ذلك وظهر علي رضي الله عنه وانتصر ثم جاء علي إلى عائشة فقال: غفر الله لك فقالت: ولك ملكت فاسجح فما أردت إلا الإصلاح فبلغ من الأمر ما ترى فقال: غفر الله لك فقال: ولك ثم إنه أمر معها عشرين امرأة من ذوات الشرف والدين من أهل البصرة يمضين معها إلى المدينة وأنزلها في دار وأكرمها ثم سفرها إلى المدينة الشريفة وشيعها بأولاده وودعها. وقتل ذلك اليوم طلحة بن عبيدالله القرشي التيمي أحد العشرة الكرام المشكورين في الأنام قيل رماه مروان بن الحكم والله تعالى أعلم مع أنه كان معهم ومن حزبهم لا من حزب علي رضي الله عنه لكن قيل رماه من أجل ضغن كان في قلبه منه. ومن مناقبه أنه وقى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيده يوم أحد وقول الذي صلى الله عليه وآله وسلم " أوجب طلحة " أي وجبت له الجنة لما رفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الصخرة وكونه من العشرة المشهود لهم بالجنة. وممن قتل ذلك اليوم محمد بن طلحة كان فضله مشهوراً وإليه يشير قائل بقوله: وأشعث قوام بآيات ربه قليل الأذى فيما يرى العين مسلم يناشدني حاميم والرمح شاجر فهلا تلا حاميم قبل التقدم الأبيات إلى قوله فخر صريعاً لليدين وللفم. وقتل الزبير بن العوام القرشي الأسدي حواري النبي صلى الله عليه وآله وسلم وابن عمته صفرة وأول من سل سيفاً فى سبيل الله تعالى الذي قال صلى الله عليه وآله وسلم في قاتله في بعض الأخبار: " وبشروا قاتل ابن صفرة بالنار ". قتله ابن جرموز بوادي السباع بقرب البصرة منصرفاً تاركاً للقتال طالباً للسلامة من الفتن وما يترتب عليها من الآقات والداء العضال فلحقه الشيطان المذكور في الوادي المذكور وأوهمه أنه له مسائر فأمنه ولم يشعر أنه غادر فاستغفل الهزبر الذي كانت يكسر العساكر فقتله وحد أمنه وأخذ سيفه ذلك التعيس الفاجر. ثم جاء إلى علي بسيفه ليبشره بزعمه بذلك فبشره علي بالنار التي يشربها النبي صلى الله عليه وآله وسلم قاتله الخاسر الشقي. فقال له التعيس عندها بطريق الحجاج لا التندم: يا ويلنا إن قاتلناكم ويا ويلنا إن قاتلناكم معكم فنحن في النار. وذكر بعضهم أنه لما نظر على سيف الزبير معه قال بعدما بشره بالنار: طالما فرج به الكرب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقال: انا لله وإنا إليه راجعون إن قاتلناكم فنحن في النار وإن قاتلنالكم أو قال معكم فنحن في النار. فقال له علي: ويلك ذلك شيء سبق لابن صفرة فقال والله ما قتلته إلا لهواك ثم ولى مغضباً. ومن مناقب الزبير قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " لكل نبي حواري وحوايي الزبير " والحواري: الناصر وقيل: الخاصة. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " بشر قاتل ابن صفرة بالنار ". ومنها أنه ابن عمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأول من سل سيفاً في سبيل الله عز وجل. وكونه من العشرة المشهود لهم بالجنة. وله معارك مشهورة في اليرموك وغير مشهورة. وقد روي عن علي كرم الله وجهه أنه وقال والله إني لأرجو أن أكون أنا وطلحة والزبير من أهل هذه الآية: " ومن جملة تلك الفضائل والمنحة قوله صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد: " أوجب طلحة " أي وجبت له الجنة كما تقدم وقصته في رفعه له في الحديث مشهورة وفعلته في وقايته له بيده عن ضرب السيف مشكورة ولم يزل الفخر في شلل يد طلحة من تلك الوقاية فاخراً. والشرف في فعله ذلك بين الخلائق ظاهراً. ومما يؤيد تلك السعادة التي يخص الله بها من يحب والكرامة التي يشرح بها الصدور والقلوب تطرب ما روي بالإسناد عن بعض الصالحين: انه خرج يوماً إلى ظاهر البصرة مع الولي الكبير العارف بالله الشهيد الشيخ أبي محمد المعروف بابن عبدالله البصري رضي الله عنه ثم أتى إلى تربة طلحة بن عبيدالله المذكور زائر قال: فلما رأى الشيخ أبو محمد القبر من بعيد رجع القهقرى ثم بعد ذلك رجع فأتى القبر وزار وهو مطرق متأدب. قال الراوي المذكور فلما خرج سألته عن ذلك فقال: لما أشرفت على قبره رأيته جالساً عليه حلة خضراء وتاج مكلل بالدرر والجواهر وقال بالدر والياقوت الأحمر وعنده حوريتان فاستحييت ورجعت لوجهي فاقسم علي أن أرجع فرجعت إليه رحمة الله ورضوانه عليه. وممن قتل يوم الجمل زيد بن صوحان. وكان من سادة التابعين صواماً قواماً وجملة من قتل ذلك اليوم من الفريقين نحو من عشرة آلاف على ما نقله بعض العلماء الأعلام وهذا خلاف لما تقدم من الأعلام والله سبحانه الخبير العلام. وفي أول السنة المذكورة توفي حذيقة بن اليمان أحد الصحابة أهل النجدة والنجابة. الذي كان يعرف المؤمنين من المنافقين بالسر الذي خصه سيد المرسلين قال: كان الناس يتعلمون الخير من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكنت أتعلم منه الشر مخافة أن أقع فيه. وكذلك توفي فيها سلمان الفارسي وفضله مشهور مشكور ومن ذلك الفضل الذي حكيت قوله صلى الله عليه وآله وسلم: " سلمان منا أهل البيت " وسيرته مشهورة في خروجه من بلاده في طلب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما لاقى في ذلك وقوة إيمانه وصدقه وحرصه على معرفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومحبته له وغرسه له صلى الله عليه وآله وسلم بيده عوناً له في براءة ذمته وما حصل في ذلك من يمنه صلى الله عليه وآله وسلم وظهور بركته. وتوفي أمير مصر عبدالله بن أبي سرح وهو من السابقين.
|