الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَتَطْهِيرُ بَوْلِ الذَّكَرِ أَيِّ ذَكَرٍ كَانَ فِي أَيِّ شَيْءٍ كَانَ فَبِأَنْ يَرُشَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ رَشًّا يُزِيلُ أَثَرَهُ , وَبَوْلُ الآُنْثَى يُغْسَلُ , فَإِنْ كَانَ الْبَوْلُ فِي الأَرْضِ أَيُّ بَوْلٍ كَانَ فَبِأَنْ يَصُبَّ الْمَاءَ عَلَيْهِ صَبًّا يُزِيلُ أَثَرَهُ فَقَطْ. حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الدِّينَوَرِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ ، حدثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ مُحِلِّ بْنِ خَلِيفَةَ الطَّائِيِّ ، حدثنا أَبُو السَّمْحِ قَالَ : كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِحَسَنٍ أَوْ حُسَيْنٍ فَبَالَ عَلَى صَدْرِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّهُ عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ عليه السلام : هَكَذَا يُصْنَعُ , يُرَشُّ مِنْ الذَّكَرِ وَيُغْسَلُ مِنْ الآُنْثَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا مَالِكٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أُمِّ قَيْسِ بِنْتِ مِحْصَنٍ أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِجْرِهِ , فَبَالَ عَلَى ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَا عليه السلام بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حدثنا هَمَّامٌ ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى ، حدثنا إِسْحَاقُ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى أَعْرَابِيًّا يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ , فَدَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ قَالَ عَلِيٌّ : لَيْسَ تَحْدِيدُ ذَلِكَ بِأَكْلِ الصَّبِيِّ الطَّعَامَ مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمِمَّنْ فَرَّقَ بَيْنَ بَوْلِ الْغُلاَمِ وَبَوْلِ الْجَارِيَةِ أُمُّ سَلَمَةَ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ , وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، ,. وَبِهِ يَقُولُ قَتَادَةُ وَالزُّهْرِيُّ وَقَالَ : مَضَتْ السُّنَّةُ بِذَلِكَ , وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد بْنُ عَلِيٍّ ، وَابْنُ وَهْبٍ وَغَيْرُهُمْ , إلاَّ أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ وَسُفْيَانَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ بَوْلِ الْغُلاَمِ وَالْجَارِيَةِ فِي الرَّشِّ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا. وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ : يُغْسَلُ بَوْلُ الصَّبِيِّ كَبَوْلِ الصَّبِيَّةِ , وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُتَعَلَّقًا لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ. نَعَمْ ، وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ , إلاَّ أَنَّ بَعْضَ الْمُتَأَخِّرِينَ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْ النَّخَعِيِّ , وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ خِلاَفُ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ : الرَّشُّ مِنْ الرَّشِّ وَالصَّبُّ مِنْ الصَّبِّ مِنْ الأَبْوَالِ كُلِّهَا , وَهَذَا نَصٌّ خِلاَفُ قَوْلِهِمْ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَتَطْهِيرُ دَمِ الْحَيْضِ أَوْ أَيِّ دَمٍ كَانَ , سَوَاءٌ دَمَ سَمَكٍ كَانَ أَوْ غَيْرَهُ إذَا كَانَ فِي الثَّوْبِ أَوْ الْجَسَدِ فَلاَ يَكُونُ إلاَّ بِالْمَاءِ , حَاشَا دَمَ الْبَرَاغِيثِ وَدَمَ الْجَسَدِ فَلاَ يَلْزَمُ تَطْهِيرُهُمَا إلاَّ مَا لاَ حَرَجَ فِي غُسْلِهِ عَلَى الإِنْسَانِ , فَيُطَهِّرُ الْمَرْءُ ذَلِكَ حَسَبَ مَا لاَ مَشَقَّةَ عَلَيْهِ فِيهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالاَ جَمِيعًا : حدثنا وَكِيعٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ قَالَ لاَ , إنَّمَا ذَلِكَ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ بِالْحَيْضَةِ , فَإِذَا أَقْبَلَتْ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلاَةَ , فَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي وَهَذَا عُمُومٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَوْعِ الدَّمِ ، وَلاَ نُبَالِي بِالسُّؤَالِ إذَا كَانَ جَوَابُهُ عليه السلام قَائِمًا بِنَفْسِهِ غَيْرَ مَرْدُودٍ بِضَمِيرٍ إلَى السُّؤَالِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ حَدَّثَتْنِي فَاطِمَةُ هِيَ بِنْتُ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَسْمَاءَ هِيَ ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَتْ أَتَتْ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : أَرَأَيْت إحْدَانَا تَحِيضُ فِي الثَّوْبِ كَيْفَ تَصْنَعُ قَالَ : تَحُتُّهُ ثُمَّ تَقْرُصُهُ بِالْمَاءِ وَتَنْضَحُهُ وَتُصَلِّي فِيهِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَسْتَعْمِلَ فِي غُسْلِ الْمَحِيضِ شَيْئًا مِنْ مِسْكٍ , حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا يَحْيَى ، حدثنا بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ غُسْلِهَا مِنْ الْمَحِيضِ فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ. قَالَ : خُذِي فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا , قَالَتْ : كَيْفَ أَتَطَهَّرُ بِهَا قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ , تَطَهَّرِي فَاجْتَبَذْتُهَا إلَيَّ فَقُلْتُ : تَتَّبِعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ الدَّارِمِيُّ ، حدثنا حِبَّانُ ، هُوَ ابْنُ هِلاَلٍ ، حدثنا وُهَيْبٍ ، حدثنا مَنْصُورٌ ، هُوَ ابْنُ صَفِيَّةَ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ أَغْتَسِلُ عِنْدَ الطُّهْرِ فَقَالَ : خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَوَضَّئِي بِهَا ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سُفْيَانَ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ تَتَطَهَّرَ بِالْفِرْصَةِ الْمَذْكُورَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ وَأَنْ تَتَوَضَّأَ بِهَا , وَإِنَّمَا بَعَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى مُبَيِّنًا وَمُعَلِّمًا , فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فَرْضًا لَعَلَّمَهَا عليه السلام كَيْفَ تَتَوَضَّأُ بِهَا أَوْ كَيْفَ تَتَطَهَّرُ , فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ وَاجِبٍ مَعَ صِحَّةِ الإِجْمَاعِ جِيلاً بَعْدَ جِيلٍ , عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ وَاجِبًا , فَلَمْ تَزَلْ النِّسَاءُ فِي كُلِّ بَيْتٍ وَدَارٍ عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا يَتَطَهَّرْنَ مِنْ الْحَيْضِ , فَمَا قَالَ أَحَدٌ إنَّ هَذَا فَرْضٌ , وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّهُ لَمْ تُسْنَدْ هَذِهِ اللَّفْظَةُ إلاَّ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ , وَمِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ وَقَدْ ضُعِّفَ , وَلَيْسَ مِمَّنْ يُحْتَجُّ بِرِوَايَتِهِ , فَسَقَطَ هَذَا الْحُكْمُ جُمْلَةً , وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَكُلُّ مَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ بِالتَّطْهِيرِ أَوْ الْغُسْلِ فَلاَ يَكُونُ إلاَّ بِالْمَاءِ , أَوْ بِالتُّرَابِ إنْ عُدِمَ الْمَاءُ , إلاَّ أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِأَنَّهُ بِغَيْرِ الْمَاءِ فَنَقِفُ عِنْدَهُ , لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَ أَبُو بَكْرٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ , وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ ، حدثنا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ هُوَ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا عَنْ أَبِي مَالِكٍ هُوَ سَعْدُ بْنُ طَارِقٍ عَنْ رِبْعِيِّ بْنِ حِرَاشٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلاَثٍ فَذَكَرَ فِيهَا وَجُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدًا , وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُورًا إذَا لَمْ نَجِدْ الْمَاءَ ، وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ كُلَّ غُسْلٍ مَأْمُورٍ بِهِ فِي الدِّينِ فَهُوَ تَطَهُّرٌ وَلَيْسَ كُلُّ تَطَهُّرٍ غُسْلاً. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ طُهْرَ إلاَّ بِالْمَاءِ أَوْ بِالتُّرَابِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ. وقال أبو حنيفة : دَمُ السَّمَكِ كَثُرَ أَوْ قَلَّ لاَ يُنَجِّسُ الثَّوْبَ ، وَلاَ الْجَسَدَ ، وَلاَ الْمَاءَ وَدَمُ الْبَرَاغِيثِ وَالْبَقِّ كَذَلِكَ , وَأَمَّا سَائِرُ الدِّمَاءِ كُلِّهَا فَإِنَّ قَلِيلَهَا وَكَثِيرَهَا يُفْسِدُ الْمَاءَ , وَأَمَّا فِي الثَّوْبِ وَالْجَسَدِ : فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا مِنْهُ مِقْدَارُ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلُّ فَلاَ يُنَجِّسُ وَيُصَلَّى بِهِ , وَمَا كَانَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَإِنَّهُ يُنَجِّسُ وَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلاَةُ , فَإِنْ كَانَ فِي الْجَسَدِ فَلاَ يُزَالُ إلاَّ بِالْمَاءِ , وَإِذَا كَانَ فِي الثَّوْبِ فَإِنَّهُ يُزَالُ بِالْمَاءِ وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَزَالَهُ مِنْ غَيْرِ الْمَاءِ , فَإِنْ كَانَ فِي خُفٍّ أَوْ نَعْلٍ , فَإِنْ كَانَ يَابِسًا أَجْزَأَ فِيهِ الْحَكُّ فَقَطْ , وَإِنْ كَانَ رَطْبًا لَمْ يُجْزِئْ إلاَّ الْغَسْلُ بِأَيِّ شَيْءٍ غُسِلَ. وقال مالك : إزَالَةُ ذَلِكَ كُلِّهِ لَيْسَ فَرْضًا , وَلاَ يُزَالُ إلاَّ بِالْمَاءِ. وقال الشافعي إزَالَتُهُ فَرْضٌ ، وَلاَ يُزَالُ إلاَّ بِالْمَاءِ. قَالَ عَلِيٌّ : قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَقَالَ تَعَالَى : وقال بعضهم : قِيسَ عَلَى الدُّبُرِ , فَقِيلَ لَهُمْ فَهَلاَّ قِسْتُمُوهُ عَلَى حَرْفِ الإِحْلِيلِ وَمَخْرَجِ الْبَوْلِ , وَحُكْمُهُمَا فِي الاِسْتِنْجَاءِ سَوَاءٌ , وَقَدْ تَرَكُوا قِيَاسَهُمْ هَذَا إذْ لَمْ يَرَوْا إزَالَةَ ذَلِكَ مِنْ الْجَسَدِ بِمَا يُزَالُ بِهِ مِنْ الدُّبُرِ. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرَ غُسْلَ ذَلِكَ فَرْضًا , فَالسُّنَنُ الَّتِي أَوْرَدْنَاهَا مُخَالِفَةٌ لِقَوْلِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْمَذْيُ تَطْهِيرُهُ بِالْمَاءِ , يُغْسَلُ مَخْرَجُهُ مِنْ الذَّكَرِ وَيُنْضَحُ بِالْمَاءِ مَا مَسَّ مِنْهُ الثَّوْبَ. قَالَ مَالِكٌ يُغْسَلُ الذَّكَرُ كُلُّهُ. حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دُلَيْمٍ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى ، حدثنا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ " أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَمَرَهُ أَنْ يَسْأَلَ لَهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرَّجُلِ إذَا دَنَا مِنْ امْرَأَتِهِ فَخَرَجَ مِنْهُ الْمَذْيُ , قَالَ فَسَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ : إذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ ذَلِكَ فَلْيَنْضَحْ فَرْجَهُ بِالْمَاءِ وَلْيَتَوَضَّأْ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ السَّكَنِ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا أَبُو الْوَلِيدِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ ، حدثنا زَائِدَةُ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً فَأَمَرْتُ رَجُلاً يَسْأَلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَكَانِ ابْنَتِهِ , فَسَأَلَ فَقَالَ : تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ قَالَ بَكْرٌ ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ , وَقَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ , ثُمَّ اتَّفَقَ حَمَّادٌ وَإِسْمَاعِيلُ وَيَزِيدُ كُلُّهُمْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ حَمَّادٌ فِي حَدِيثِهِ كُنْتُ أَلْقَى مِنْ الْمَذْيِ شِدَّةً فَكُنْتُ أُكْثِرُ الْغُسْلَ مِنْهُ ثُمَّ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَذْيِ فَقَالَ : يَكْفِيكَ مِنْهُ الْوُضُوءُ , قُلْتُ : أَرَأَيْتَ مَا يُصِيبُ ثَوْبِي مِنْهُ قَالَ : تَأْخُذُ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَتَنْضَحُ ثَوْبَكَ حَيْثُ تَرَى أَنَّهُ أَصَابَهُ قَالَ عَلِيٌّ : غَسْلُ مَخْرَجِ الْمَذْيِ مِنْ الذَّكَرِ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ غُسْلِ الذَّكَرِ , كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ إذَا غَسَلَهُ : غَسَلْتُ ذَكَرِي مِنْ الْبَوْلِ , فَزِيَادَةُ إيجَابِ غُسْلٍ كُلُّهُ شَرْعٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ , وقال بعضهم فِي ذَلِكَ تَقْلِيصٌ فَيُقَالُ لَهُ : فَعَانُوا ذَلِكَ بِالْقَوَابِضِ مِنْ الْعَقَاقِيرِ إذَنْ فَهُوَ أَبْلَغُ. وهذا الخبر يَرُدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلَهُ : إنَّ النَّجَاسَاتِ لاَ تُزَالُ مِنْ الْجَسَدِ إلاَّ بِالْمَاءِ وَتُزَالُ مِنْ الثِّيَابِ بِغَيْرِ الْمَاءِ. فَإِنْ تَعَلَّقُوا بِأَنَّ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، كَانَتْ تُجِيزُ إزَالَةَ دَمِ الْحَيْضِ مِنْ الثَّوْبِ بِالرِّيقِ , قِيلَ لَهُمْ فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُجِيزُ مَسْحَ الدَّمِ مِنْ الْمَحَاجِمِ بِالْحَصَاةِ دُونَ غُسْلٍ , وَلاَ حُجَّةَ إلاَّ فِيمَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
126 - مَسْأَلَةٌ : وَتَطْهِيرُ الإِنَاءِ إذَا كَانَ لِكِتَابِيٍّ مِنْ كُلِّ مَا يَجِبُ تَطْهِيرُهُ مِنْهُ بِالْمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَالٍ إذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا سَوَاءٌ عَلِمْنَا فِيهِ نَجَاسَةً أَوْ لَمْ نَعْلَمْ بِالْمَاءِ , فَإِنْ كَانَ إنَاءَ مُسْلِمٍ فَهُوَ طَاهِرٌ , فَإِنْ تَيَقَّنَ فِيهِ مَا يَلْزَمُ اجْتِنَابُهُ فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَزَالَهُ كَائِنًا مَا كَانَ مِنْ الطَّاهِرَاتِ إلاَّ أَنْ يَكُونَ لَحْمَ حِمَارٍ أَهْلِيٍّ أَوْ وَدَكَهُ أَوْ شَحْمَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُطَهَّرَ إلاَّ بِالْمَاءِ ، وَلاَ بُدَّ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغِيثٍ ، حدثنا أَبُو عِيسَى بْنُ أَبِي عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرٍ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ إنَّا بِأَرْضٍ أَهْلُهَا أَهْلُ كِتَابٍ نَحْتَاجُ فِيهَا إلَى قُدُورِهِمْ وَآنِيَتِهِمْ , فَقَالَ عليه الصلاة والسلام : لاَ تَقْرَبُوهَا مَا وَجَدْتُمْ بُدًّا , فَإِذَا لَمْ تَجِدُوا بُدًّا فَاغْسِلُوهَا بِالْمَاءِ وَاطْبُخُوا وَاشْرَبُوا. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَقُتَيْبَةُ قَالاَ ، حدثنا حَاتِمٌ ، هُوَ ابْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى خَيْبَرَ , ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ , فَلَمَّا أَمْسَى النَّاسُ مَسَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا هَذِهِ النِّيرَانُ , عَلَى أَيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ قَالُوا : عَلَى لَحْمٍ , قَالَ : عَلَى أَيِّ لَحْمٍ قَالُوا : عَلَى لَحْمِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا , فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ نُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا قَالَ : أَوْ ذَاكَ قَالَ عَلِيٌّ : قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ كُلَّ غُسْلٍ أُمِرَ بِهِ فِي الدِّينِ فَهُوَ تَطْهِيرٌ , وَكُلُّ تَطْهِيرٍ فَلاَ يَكُونُ إلاَّ بِالْمَاءِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ تَطْهِيرُ الإِنَاءِ مِنْ غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ عَلَى تَطْهِيرِهِ مِنْ لُحُومِ الْحُمُرِ ; لاَِنَّ النُّصُوصَ اخْتَلَفَتْ فِي تَطْهِيرِ الآنِيَةِ مِنْ الْكَلْبِ وَمِنْ لَحْمِ الْحِمَارِ فَلَيْسَ الْقِيَاسُ عَلَى بَعْضِهَا أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ عَلَى بَعْضٍ , لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَى مَا حَكَمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَمْ يَحْكُمْ ; لاَِنَّهُ يَكُونُ قَوْلاً عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ , أَوْ شَرْعًا فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْوُقُوفُ عِنْدَ أَوَامِرِهِ عليه السلام أَوْلَى مِنْ الْوُقُوفِ عِنْدَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ , وَتِلْكَ الْفُرُوقِ الْفَاسِدَةِ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
127 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ وَلَغَ فِي الإِنَاءِ كَلْبٌ , أَيَّ إنَاءٍ كَانَ وَأَيَّ كَلْبٍ كَانَ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ غَيْرَهُ , صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا فَالْفَرْضُ إهْرَاقُ مَا فِي ذَلِكَ الإِنَاءِ كَائِنًا مَا كَانَ ثُمَّ يُغْسَلُ بِالْمَاءِ سَبْعَ مَرَّاتٍ , وَلاَ بُدَّ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ مَعَ الْمَاءِ ، وَلاَ بُدَّ , وَذَلِكَ الْمَاءُ الَّذِي يُطَهَّرُ بِهِ الإِنَاءُ طَاهِرٌ حَلاَلٌ , فَإِنْ أَكَلَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ وَلَمْ يَلَغْ فِيهِ أَوْ أَدْخَلَ رِجْلَهُ أَوْ ذَنَبَهُ أَوْ وَقَعَ بِكُلِّهِ فِيهِ لَمْ يَلْزَمْ غَسْلُ الإِنَاءِ ، وَلاَ هَرْقُ مَا فِيهِ أَلْبَتَّةَ وَهُوَ حَلاَلٌ طَاهِرٌ كُلُّهُ كَمَا كَانَ , وَكَذَلِكَ لَوْ وَلَغَ الْكَلْبُ فِي بُقْعَةٍ فِي الأَرْضِ أَوْ فِي يَدِ إنْسَانٍ أَوْ فِي مَا لاَ يُسَمَّى إنَاءً فَلاَ يَلْزَمُ غَسْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَلاَ هَرْقُ مَا فِيهِ. وَالْوُلُوغُ هُوَ الشُّرْبُ فَقَطْ , فَلَوْ مَسَّ لُعَابُ الْكَلْبِ أَوْ عَرَقُهُ الْجَسَدَ أَوْ الثَّوْبَ أَوْ الإِنَاءَ أَوْ مَتَاعًا مَا أَوْ الصَّيْدَ , فَفُرِضَ إزَالَةُ ذَلِكَ بِمَا أَزَالَهُ مَاءً كَانَ أَوْ غَيْرَهُ , وَلاَ بُدَّ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا إلاَّ مِنْ الثَّوْبِ فَلاَ يُزَالُ إلاَّ بِالْمَاءِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ السَّعْدِيُّ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ أَنَا الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي رَزِينٍ وَأَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ ثُمَّ لِيَغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ. وبه إلى مُسْلِمٍ ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : طَهُورُ إنَاءِ أَحَدِكُمْ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ. حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السَّلِيمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ ، حدثنا شُعْبَةُ ، حدثنا أَبُو التَّيَّاحِ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ ، عَنِ ابْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ : أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ ثُمَّ قَالَ : مَا لَهُمْ وَلَهَا فَرَخَّصَ فِي كَلْبِ الصَّيْدِ وَفِي كَلْبِ الْغَنَمِ. وَقَالَ عليه السلام : إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ فَاغْسِلُوهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَالثَّامِنَةُ عَفِّرُوهُ بِالتُّرَابِ. قَالَ عَلِيٌّ : فَأَمَرَ عليه السلام بِهَرْقِ مَا فِي الإِنَاءِ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ , وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ , وَلَمْ يَأْمُرْ عليه السلام بِاجْتِنَابِ مَا وَلَغَ فِيهِ فِي غَيْرِ الإِنَاءِ , بَلْ نَهَى عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ. وَقَدْ جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ بِرِوَايَاتٍ شَتَّى , فِي بَعْضِهَا وَالسَّابِعَةُ بِالتُّرَابِ وَفِي بَعْضِهَا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ وَكُلُّ ذَلِكَ لاَ يَخْتَلِفُ مَعْنَاهُ , لاَِنَّ الآُولَى هِيَ بِلاَ شَكٍّ إحْدَى الْغَسَلاَتِ. وَفِي لَفْظَةِ " الآُولَى " بَيَانُ أَيَّتِهِنَّ هِيَ , فَمَنْ جَعَلَ التُّرَابَ فِي أُولاَهُنَّ فَقَدْ جَعَلَهُ فِي إحْدَاهُنَّ بِلاَ شَكٍّ وَاسْتَعْمَلَ اللَّفْظَتَيْنِ مَعًا , وَمَنْ جَعَلَهُ فِي غَيْرِ أُولاَهُنَّ فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي أُولاَهُنَّ , وَهَذَا لاَ يَحِلُّ , وَلاَ شَكَّ نَدْرِي أَنَّ تَعْفِيرَهُ بِالتُّرَابِ فِي أُولاَهُنَّ تَطْهِيرٌ ثَامِنٌ إلَى السَّبْعِ غَسَلاَتٍ , وَأَنَّ تِلْكَ الْغَسْلَةَ سَابِقَةٌ لِسَائِرِهِنَّ إذَا جُمِعْنَ , وَبِهَذَا تَصِحُّ الطَّاعَةُ لِجَمِيعِ أَلْفَاظِهِ عليه السلام الْمَأْثُورَةِ فِي هَذَا الْخَبَرِ , وَلاَ يُجْزِئُ بَدَلَ التُّرَابِ غَيْرُهُ , لاَِنَّهُ تَعَدٍّ لَحَدِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَالْمَاءُ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ الإِنَاءُ طَاهِرٌ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِاجْتِنَابِهِ , وَلاَ شَرِيعَةَ إلاَّ مَا أَخْبَرَنَا بِهَا عليه السلام , وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ مِمَّا لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ , وَالْمَاءُ حَلاَلٌ شُرْبُهُ طَاهِرٌ , فَلاَ يَحْرُمُ إلاَّ بِأَمْرٍ مِنْهُ عليه السلام. وَأَمَّا مَا أَكَلَ فِيهِ الْكَلْبُ أَوْ وَقَعَ فِيهِ أَوْ دَخَلَ فِيهِ بَعْضُ أَعْضَائِهِ فَلاَ غَسْلَ فِي ذَلِكَ ، وَلاَ هَرْقَ ; لاَِنَّهُ حَلاَلٌ طَاهِرٌ قَبْلَ ذَلِكَ بِيَقِينٍ إنْ كَانَ مِمَّا أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْمَطَاعِمِ وَالْمَشَارِبِ وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ فَلاَ يَنْتَقِلُ إلَى التَّحْرِيمِ وَالتَّنْجِيسِ إلاَّ بِنَصٍّ لاَ بِدَعْوَى. وَأَمَّا وُجُوبُ إزَالَةِ لُعَابِ الْكَلْبِ وَعَرَقِهِ فِي أَيِّ شَيْءٍ كَانَ فَلاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ كُلَّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ , وَالْكَلْبُ ذُو نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ , فَهُوَ حَرَامٌ , وَبَعْضُ الْحَرَامِ حَرَامٌ بِلاَ شَكٍّ , وَلُعَابُهُ وَعَرَقُهُ بَعْضُهُ فَهُمَا حَرَامٌ , وَالْحَرَامُ فُرِضَ إزَالَتُهُ وَاجْتِنَابُهُ , وَلَمْ يُجْزِ أَنْ يُزَالَ مِنْ الثَّوْبِ إلاَّ بِالْمَاءِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { قلنا إنَّ التَّطْهِيرَ لاَ يَكُونُ إلاَّ بِالْمَاءِ , وَبِالتُّرَابِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي غَسْلِ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ سَبْعًا أَبُو هُرَيْرَةَ , كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا أَبِي ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلاَّمٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ " إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ غُسِلَ سَبْعَ مَرَّاتٍ , أُولاَهُنَّ أَوْ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ , وَالْهِرُّ مَرَّةً. وَرُوِّينَا عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ " إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ أَهْرِقْهُ وَاغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ ,. وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وطَاوُوس وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ " إنْ وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءٍ فِيهِ عَشَرَةُ أَقْسَاطِ لَبَنٍ يُهْرَقُ كُلُّهُ وَيُغْسَلُ الإِنَاءُ سَبْعَ مَرَّاتٍ إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ , فَإِنْ وَلَغَ فِي مَاءٍ فِي بُقْعَةٍ صَغِيرَةٍ مِقْدَارِ مَا يَتَوَضَّأُ بِهِ إنْسَانٌ فَهُوَ طَاهِرٌ , وَيُتَوَضَّأُ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَيُغْسَلُ لُعَابُ الْكَلْبِ مِنْ الثَّوْبِ وَمِنْ الصَّيْدِ. قَالَ عَلِيٌّ : قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ هُوَ نَفْسُ قَوْلِنَا , وَبِهَذَا يَقُولُ يَعْنِي غَسْلَ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا إحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُد وَجُمْلَةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ. وقال الشافعي كَذَلِكَ إلاَّ ، أَنَّهُ قَالَ " إنْ كَانَ الْمَاءُ فِي الإِنَاءِ خَمْسَمِائَةِ رَطْلٍ لَمْ يُهْرَقْ لِوُلُوغِ الْكَلْبِ فِيهِ , وَرَأَى هَرْقَ مَا عَدَا الْمَاءَ وَإِنْ كَثُرَ , وَرَأَى أَنْ يُغْسَلَ مِنْ وُلُوغِ الْخِنْزِيرِ فِي الإِنَاءِ سَبْعًا كَمَا يُغْسَلُ مِنْ الْكَلْبِ , وَلَمْ يَرَ ذَلِكَ فِي وُلُوغِ شَيْءٍ مِنْ السِّبَاعِ ، وَلاَ غَيْرِ الْخِنْزِيرِ أَصْلاً. قال علي : وهذا خَطَأٌ ; لاَِنَّ عُمُومَ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الأَمْرِ بِهَرْقِهِ أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ وَأَمَّا قِيَاسُ الْخِنْزِيرِ عَلَى الْكَلْبِ فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لاَِنَّ الْكَلْبَ بَعْضَ السِّبَاعِ لَمْ يُحَرَّمْ إلاَّ بِعُمُومِ تَحْرِيمِ لُحُومِ السِّبَاعِ فَقَطْ , فَكَانَ قِيَاسُ السِّبَاعِ وَمَا وَلَغَتْ فِيهِ عَلَى الْكَلْبِ الَّذِي هُوَ بَعْضُهَا وَاَلَّتِي يَجُوزُ أَكْلُ صَيْدِهَا إذَا عُلِمَتْ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الْخِنْزِيرِ عَلَى الْكَلْبِ , وَكَمَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَاسَ الْخِنْزِيرُ عَلَى الْكَلْبِ فِي جَوَازِ اتِّخَاذِهِ وَأَكْلِ صَيْدِهِ فَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَاسَ الْخِنْزِيرُ عَلَى الْكَلْبِ فِي عَدَدِ غَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِهِ , فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. وقال مالك فِي بَعْضِ أَقْوَالِهِ : يُتَوَضَّأُ بِذَلِكَ الْمَاءِ وَتَرَدَّدَ فِي غَسْلِ الإِنَاءِ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَمَرَّةً لَمْ يَرَهُ وَمَرَّةً رَآهُ , وَقَالَ فِي قَوْلٍ لَهُ آخَرَ : يُهْرَقُ الْمَاءُ وَيُغْسَلُ الإِنَاءُ سَبْعَ مَرَّاتٍ فَإِنْ كَانَ لَبَنًا لَمْ يُهْرَقْ وَلَكِنْ يُغْسَلُ الإِنَاءُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَيُؤْكَلُ مَا فِيهِ , وَمَرَّةً قَالَ : يُهْرَقُ كُلُّ ذَلِكَ وَيُغْسَلُ الإِنَاءُ سَبْعَ مَرَّاتٍ. قَالَ عَلِيٌّ : هَذِهِ تَفَارِيقُ ظَاهِرَةُ الْخَطَإِ ; لاَ النَّصُّ اُتُّبِعَ فِي بَعْضِهَا , وَلاَ الْقِيَاسُ اطَّرَدَ فِيهَا , وَلاَ قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَوْ التَّابِعِينَ ، رضي الله عنهم ، قُلِّدَ فِيهَا. وَرُوِيَ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ : إنِّي لاَِرَاهُ عَظِيمًا أَنْ يُعْمَدَ إلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ فَيُهْرَقَ مِنْ أَجْلِ كَلْبٍ وَلَغَ فِيهِ. قَالَ عَلِيٌّ : فَيُقَالُ لِمَنْ احْتَجَّ بِهَذَا الْقَوْلِ : أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تُخَالِفَ أَمْرَ اللَّهِ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَرْقِهِ. وَأَعْظَمُ مِمَّا اسْتَعْظَمْتُمُوهُ أَنْ يُعْمَدَ إلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ فَيُهْرَقَ مِنْ أَجْلِ عُصْفُورٍ مَاتَ فِيهِ بِغَيْرِ أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ بِهَرْقِهِ. فَإِنْ قَالُوا : الْعُصْفُورُ الْمَيِّتُ حَرَامٌ , قلنا : نَعَمْ لَمْ نُخَالِفْكُمْ فِي هَذَا , وَلَكِنَّ الْمَائِعَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ حَلاَلٌ , فَتَحْرِيمُكُمْ الْحَلاَلَ مِنْ أَجْلِ مُمَاسَّتِهِ الْحَرَامَ هُوَ الْبَاطِلُ , إلاَّ أَنْ يَأْمُرَ بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُطَاعُ أَمْرُهُ , وَلاَ يُتَعَدَّى حَدُّهُ , وَلاَ يُضَافُ إلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْ. وقال أبو حنيفة : يُهْرَقُ كُلُّ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ كَثُرَ أَمْ قَلَّ , وَمَنْ تَوَضَّأَ بِذَلِكَ الْمَاءِ أَعَادَ الْوُضُوءَ وَالصَّلَوَاتِ أَبَدًا , وَلاَ يَغْسِلُ الإِنَاءَ مِنْهُ إلاَّ مَرَّةً. قال علي : وهذا قَوْلٌ لاَ يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَلاَ مِنْ التَّابِعِينَ إلاَّ أَنَّنَا رُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ " اغْسِلْهُ " وَقَالَ مَرَّةً " اغْسِلْهُ حَتَّى تُنْقِيَهُ " وَلَمْ يَذْكُرْ تَحْدِيدًا. وَهُوَ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي أَوْرَدْنَا. وَكَفَى بِهَذَا خَطَأً. وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنْ قَالَ " إنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَهُوَ أَحَدُ مَنْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ قَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ خَالَفَهُ. قَالَ عَلِيٌّ : فَيُقَالُ لَهُ هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا أَنَّهُ إنَّمَا رَوَى ذَلِكَ الْخَبَرَ السَّاقِطَ عَبْدُ السَّلاَمِ بْنُ حَرْبٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ , وَلاَ مُجَاهَرَةَ أَقْبَحُ مِنْ الاِعْتِرَاضِ عَلَى مَا رَوَاهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ النُّجُوم الثَّوَاقِب بِمِثْلِ رِوَايَةِ عَبْدِ السَّلاَمِ بْنِ حَرْبٍ. وَثَانِيهَا أَنَّ رِوَايَةَ عَبْدِ السَّلاَمِ عَلَى تَحْسِينِهَا إنَّمَا فِيهَا أَنَّهُ يُغْسَلُ الإِنَاءُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ , فَلَمْ يَحْصُلُوا إلاَّ عَلَى خِلاَفِ السُّنَّةِ وَخِلاَفِ مَا اعْتَرَضُوا بِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ , فَلاَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتَّبَعُوا ، وَلاَ أَبَا هُرَيْرَةَ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ قَلَّدُوا. وَثَالِثُهَا أَنَّهُ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمَا حَلَّ أَنْ يُعْتَرَضَ بِذَلِكَ عَلَى مَا رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; لاَِنَّ الْحُجَّةَ إنَّمَا هِيَ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ سِوَاهُ , لاَِنَّ الصَّاحِبَ قَدْ يَنْسَى مَا رَوَى وَقَدْ يَتَأَوَّلُ فِيهِ , وَالْوَاجِبُ إذَا وُجِدَ مِثْلُ هَذَا أَنْ يُضَعَّفَ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّاحِبِ مِنْ قَوْلِهِ , وَأَنْ يُغَلَّبَ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ أَنْ نُضَعِّفَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُغَلِّبَ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّاحِبِ , فَهَذَا هُوَ الْبَاطِلُ الَّذِي لاَ يَحِلُّ. وَرَابِعُهَا أَنَّهُ حَتَّى لَوْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ خِلاَفُ مَا رَوَى وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَاهُ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرُ أَبِي هُرَيْرَةَ ، وَ، هُوَ ابْنُ مُغَفَّلٍ , وَلَمْ يُخَالِفْ مَا رَوَى. وقال بعضهم : إنَّمَا كَانَ هَذَا إذْ أَمَرَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ , فَلَمَّا نَهَى عَنْ قَتْلِهَا نُسِخَ ذَلِكَ. قال علي : وهذا كَذِبٌ بَحْتٌ لِوَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا ; لاَِنَّهُ دَعْوَى فَاضِحَةٌ بِلاَ دَلِيلٍ , وَقَفْو مَا لاَ عِلْمَ لِقَائِلِهِ بِهِ , هَذَا حَرَامٌ. وَالثَّانِي أَنَّ ابْنَ مُغَفَّلٍ رَوَى النَّهْيَ عَنْ قَتْلِ الْكِلاَبِ وَالأَمْرَ بِغَسْلِ الإِنَاء مِنْهَا سَبْعًا فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ مَعًا , وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الأَمْرَ بِقَتْلِ الْكِلاَبِ كَانَ فِي أَوَّلِ الْهِجْرَةِ , وَإِنَّمَا رَوَى غَسْلَ الإِنَاءِ مِنْهَا سَبْعًا أَبُو هُرَيْرَةَ ، وَابْنُ مُغَفَّلٍ , وَإِسْلاَمُهُمَا مُتَأَخِّرٌ. وقال بعضهم : كَانَ الأَمْرُ بِغَسْلِ الإِنَاءِ سَبْعًا عَلَى وَجْهِ التَّغْلِيظِ. قَالَ عَلِيٌّ : يُقَالُ لَهُمْ أَبِحَقٍّ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ وَبِمَا تَلْزَمُ طَاعَتُهُ فِيهِ أَمْ أَمَرَ بِبَاطِلٍ وَبِمَا لاَ مَئُونَةَ فِي مَعْصِيَتِهِ فِي ذَلِكَ فَإِنْ قَالُوا بِحَقٍّ وَبِمَا تَلْزَمُ طَاعَتُهُ فِيهِ , فَقَدْ أَسْقَطُوا شَغَبَهُمْ بِذِكْرِ التَّغْلِيظِ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الآخَرُ فَالْقَوْلُ بِهِ كُفْرٌ مُجَرَّدٌ لاَ يَقُولُهُ مُسْلِمٌ. وقال بعضهم : قَدْ جَاءَ أَثَرٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَ بِقَتْلِهَا , لاَِنَّهَا كَانَتْ تُرَوِّعُ الْمُؤْمِنِينَ قِيلَ لَهُ : لَسْنَا فِي قَتْلِهَا , إنَّمَا نَحْنُ فِي غَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِهَا , مَعَ أَنَّ ذَلِكَ الأَثَرَ لَيْسَ فِيهِ إلاَّ ذِكْرُ قَتْلِهَا فَقَطْ , وَهُوَ أَيْضًا مَوْضُوعٌ ; لاَِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحُسَيْنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعِجْلِيِّ وَهُوَ سَاقِطٌ. وَشَغَبَ بَعْضُهُمْ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي فِيهِ الْمَغْفِرَةُ لِلْبَغِيِّ الَّتِي سَقَتْ الْكَلْبَ بِخُفِّهَا. قال علي : وهذا عَجَبٌ جِدًّا ; لاَِنَّ ذَلِكَ الْخَبَرَ كَانَ فِي غَيْرِنَا , وَلاَ تَلْزَمُنَا شَرِيعَةُ مَنْ قَبْلَنَا. وَأَيْضًا فَمَنْ لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ الْخُفَّ شُرِبَ فِيهِ مَا بَعْدَ ذَلِكَ , وَأَنَّهُ لَمْ يُغْسَلْ , وَأَنَّ تِلْكَ الْبَغِيَّ عَرَفَتْ سُنَّةَ غَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ وَلَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْبَغِيُّ نَبِيَّةً فَيُحْتَجُّ بِفِعْلِهَا , وَهَذَا كُلُّهُ دَفْعٌ بِالرَّاحِ وَخَبْطٌ يَجِبُ أَنْ يُسْتَحَى مِنْهُ. وَيُجْزِئُ غَسْلُ مَنْ غَسَلَهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ صَاحِبِهِ , لِقَوْلِهِ عليه السلام فَاغْسِلُوهُ فَهُوَ أَمْرٌ عَامٌّ. قَالَ عَلِيٌّ : فَإِنْ أَنْكَرُوا عَلَيْنَا التَّفْرِيقَ بَيْنَ مَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِيهِ وَبَيْنَ مَا أَكَلَ فِيهِ أَوْ وَقَعَ فِيهِ أَوْ أَدْخَلَ فِيهِ عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ غَيْرَ لِسَانِهِ. قلنا لَهُمْ : لاَ نَكَرَةَ عَلَى مَنْ قَالَ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَقُلْ مَا لَمْ يَقُلْ عليه السلام , وَلَمْ يُخَالِفْ مَا أَمَرَهُ بِهِ نَبِيُّهُ عليه السلام , وَلاَ شَرْعَ مَا لَمْ يُشَرِّعْهُ عليه السلام فِي الدِّينِ , وَإِنَّمَا النَّكَرَةُ عَلَى مَنْ أَبْطَلَ الصَّلاَةَ بِمَا زَادَ عَلَى الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فِي الثَّوْبِ مِنْ دَمِ الدَّجَاجِ فَأَبْطَلَ بِهِ الصَّلاَةَ , وَلَمْ يُبْطِلْ الصَّلاَةَ بِثَوْبٍ غُمِسَ فِي دَمِ السَّمَكِ , وَمَنْ أَبْطَلَ الصَّلاَةَ بِقَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فِي الثَّوْبِ مِنْ خُرْءِ الدَّجَاجِ وَرَوْثِ الْخَيْلِ , وَلَمْ يُبْطِلْهَا بِأَقَلَّ مِنْ رُبُعِ الثَّوْبِ مِنْ بَوْلِ الْخَيْلِ وَخُرْءِ الْغُرَابِ. وَعَلَى مَنْ أَرَاقَ الْمَاءَ يَلَغُ فِيهِ الْكَلْبُ , وَلَمْ يُرِقْ اللَّبَنَ إذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ , وَعَلَى مَنْ أَمَرَ بِهَرْقِ خَمْسِمِائَةِ رَطْلٍ غَيْرَ أُوقِيَّةٍ مِنْ مَاءٍ وَقَعَ فِيهِ دِرْهَمٌ مِنْ لُعَابِ كَلْبٍ , فَإِنْ كَانَ خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ وَوَقَعَ فِيهِ رَطْلٌ مِنْ لُعَابِ الْكَلْبِ كَانَ طَاهِرًا لاَ يُرَاقُ مِنْهُ شَيْءٌ , فَهَذِهِ هِيَ النَّكَرَاتُ حَقًّا لاَ مَا قلنا. وَبِاَللَّهِ نَتَأَيَّدُ.
128 - مَسْأَلَةٌ : فَإِنْ وَلَغَ فِي الإِنَاءِ الْهِرُّ لَمْ يُهْرَقْ مَا فِيهِ , لَكِنْ يُؤْكَلُ أَوْ يُشْرَبُ أَوْ يُسْتَعْمَلُ , ثُمَّ يُغْسَلُ الإِنَاءُ بِالْمَاءِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَطْ , وَلاَ يَلْزَمُ إزَالَةُ لُعَابِهِ مِمَّا عَدَا الإِنَاءَ وَالثَّوْبَ بِالْمَاءِ لَكِنْ بِمَا أَزَالَهُ وَمِنْ الثَّوْبِ بِالْمَاءِ فَقَطْ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الطَّلْمَنْكِيُّ ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَزَّارُ ، حدثنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الصَّيْرَفِيُّ ، حدثنا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ ، حدثنا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي الإِنَاءِ فَاغْسِلْهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ وَالْهِرُّ مَرَّةً. حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، حدثنا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ ، حدثنا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيُّ عَنْ حُمَيْدَةَ بِنْتِ عُبَيْدِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ كَبْشَةَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَكَانَتْ تَحْتَ وَلَدِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهَا صَبَّتْ لاَِبِي قَتَادَةَ مَاءً يَتَوَضَّأُ بِهِ , فَجَاءَتْ هِرَّةٌ تَشْرَبُ فَأَصْغَى لَهَا الإِنَاءَ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ , فَقَالَ : أَتَعْجَبِينَ يَا ابْنَةَ أَخِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ , إنَّمَا هِيَ مِنْ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوْ الطَّوَّافَاتِ. قَالَ عَلِيٌّ : فَوَجَبَ غَسْلُ الإِنَاءِ وَلَمْ يَجِبْ إهْرَاقُ مَا فِيهِ ; لاَِنَّهُ لَمْ يُنَجَّسْ , وَوَجَبَ غَسْلُ لُعَابِهِ مِنْ الثَّوْبِ , لاَِنَّ الْهِرَّ ذُو نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ فَهُوَ حَرَامٌ , وَبَعْضُ الْحَرَامِ حَرَامٌ , وَلَيْسَ كُلُّ حَرَامٍ نَجِسًا , وَلاَ نَجِسَ إلاَّ مَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوْ رَسُولُهُ نَجِسًا , وَالْحَرِيرُ وَالذَّهَبُ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَلَيْسَا بِنَجِسَيْنِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وقال أبو حنيفة : يُهْرَقُ مَا وَلَغَ فِيهِ الْهِرُّ ، وَلاَ يُجْزِئُ الْوُضُوءُ بِهِ , وَيُغْسَلُ الإِنَاءُ مَرَّةً. وَهَذَا خِلاَفُ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي قَتَادَةَ. وقال مالك وَالشَّافِعِيُّ : يَتَوَضَّأُ بِمَا وَلَغَ فِيهِ الْهِرُّ ، وَلاَ يَغْسِلُ مِنْهُ الإِنَاءَ , وَهَذَا خِلاَفُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَمِمَّنْ أَمَرَ بِغَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْهِرِّ أَبُو هُرَيْرَةَ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وطَاوُوس وَعَطَاءٌ. إلاَّ أَنَّ طَاوُوسًا وَعَطَاءً جَعَلاَهُ بِمَنْزِلَةِ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ. وَمِمَّنْ أَبَاحَ أَنْ يُسْتَعْمَلَ مَا وَلَغَ فِيهِ الْهِرُّ أَبُو قَتَادَةَ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَعَلِيٌّ ، وَابْنُ عُمَرَ بِاخْتِلاَفٍ عَنْهُ فَصَحَّ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَقَوْلِنَا نَصًّا. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
129 - مَسْأَلَةٌ : وَتَطْهِيرُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ , أَيَّ مَيْتَةٍ كَانَتْ وَلَوْ أَنَّهَا جِلْدُ خِنْزِيرٍ أَوْ كَلْبٍ أَوْ سَبُعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ بِالدِّبَاغِ بِأَيِّ شَيْءٍ دُبِغَ طَاهِرٌ , فَإِذَا دُبِغَ حَلَّ بَيْعُهُ وَالصَّلاَةُ عَلَيْهِ , وَكَانَ كَجِلْدِ مَا ذُكِّيَ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ , إِلاَّ أَنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ الْمَذْكُورَ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ بِحَالٍ , حَاشَا جِلْدَ الْإِنْسَانِ , فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُدْبَغَ ، وَلاَ أَنْ يُسْلَخَ , وَلاَ بُدَّ مِنْ دَفْنِهِ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا. وَصُوفُ الْمَيْتَةِ وَشَعْرُهَا وَرِيشُهَا وَوَبَرُهَا حَرَامٌ قَبْلَ الدِّبَاغِ حَلاَلٌ بَعْدَهُ , وَعَظْمُهَا وَقَرْنُهَا مُبَاحٌ كُلُّهُ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ ، وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ الْمَيْتَةِ ، وَلاَ الأَنْتِفَاعُ بِعَصَبِهَا ، وَلاَ شَحْمِهَا. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ ثنا أَبِي قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ ثنا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ ثنا الْحُمَيْدِيُّ ثنا سُفْيَانُ ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ ثنا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ وَعْلَةَ الْمِصْرِيَّ يَقُولُ : سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ ". حدثنا حمام ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيِّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَاةٍ لِمَوْلاَةٍ لِمَيْمُونَةَ مَيْتَةٍ فَقَالَ : أَفَلاَ انْتَفَعْتُمْ بِإِهَابِهَا قَالُوا : وَكَيْفَ وَهِيَ مَيْتَةٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : إنَّمَا حُرِّمَ لَحْمُهَا. حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى شَاةٍ مُلْقَاةٍ , فَقَالَ لِمَنْ هَذِهِ , قَالُوا لِمَيْمُونَةَ , قَالَ : مَا عَلَيْهَا لَوْ انْتَفَعَتْ بِإِهَابِهَا قَالُوا إنَّهَا مَيْتَةٌ. قَالَ : إنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ أَكْلَهَا. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى , وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ , كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : تُصُدِّقَ عَلَى مَوْلاَةٍ لِمَيْمُونَةَ بِشَاةٍ فَمَاتَتْ : فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : هَلَّا أَخَذْتُمْ إهَابَهَا فَدَبَغْتُمُوهُ فَانْتَفَعْتُمْ بِهِ فَقَالُوا : إنَّهَا مَيْتَةٌ فَقَالَ : إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا. حدثنا حمام ثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ ثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ثنا الدَّبَرِيِّ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَخْبَرَتْنِي مَيْمُونَةُ أَنَّ شَاةً مَاتَتْ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلاَ دَبَغْتُمْ إهَابَهَا. حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ ثنا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ الْجَوْنِ بْنِ قَتَادَةَ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْمُحَبَّقِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ دَعَا بِمَاءٍ مِنْ عِنْدِ امْرَأَةٍ فَقَالَتْ : مَا عِنْدِي إِلاَّ فِي قِرْبَةٍ لِي مَيْتَةٍ. قَالَ : أَلَيْسَ قَدْ دَبَغْتِهَا قَالَتْ : بَلَى. قَالَ : فَإِنَّ دِبَاغَهَا ذَكَاتُهَا. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَسُورِيُّ ثنا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الدِّينَوَرِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ثنا هُشَيْمٌ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ عَنْ الْحَسَنِ ثنا جَوْنُ بْنُ قَتَادَةَ التَّمِيمِيُّ قَالَ " كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ فَإِنَّ دِبَاغَ الْمَيْتَةِ طَهُورُهَا قَالَ عَلِيٌّ : جَوْنٌ وَسَلَمَةُ لَهُمَا صُحْبَةٌ. حدثنا عبد الله بن ربيع ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَصْنَامِ , فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ وَتُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ قَالَ لاَ. هُوَ حَرَامٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ : قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ , إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الشُّحُومَ جَمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ. قَالَ عَلِيٌّ : ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إلَى أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ اسْتِعْمَالُ جِلْدِ الْمَيْتَةِ وَإِنْ دُبِغَ , وَذَكَرَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ ثنا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ قَالَ : كَتَبَ إلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَلَّا تَسْتَنْفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ ، وَلاَ عَصَبٍ. قال علي : هذا خَبَرٌ صَحِيحٌ ، وَلاَ يُخَالِفُ مَا قَبْلَهُ. بَلْ هُوَ حَقٌّ , لاَ يَحِلُّ أَنْ يُنْتَفَعَ مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ إِلاَّ حَتَّى يُدْبَغَ , كَمَا جَاءَ فِي الأَحَادِيثِ الْأُخَرِ , إذْ ضَمُّ أَقْوَالِهِ عليه السلام بَعْضِهَا لِبَعْضٍ فَرْضٌ , وَلاَ يَحِلُّ ضَرْبُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ , لأََنَّهَا كُلَّهَا حَقٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَقَالَ تَعَالَى : وَرُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِإِسْنَادٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ دِبَاغُ الأَدِيمِ ذَكَاتُهُ وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ أَدِيمٍ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مَيْمُونَةَ : أَنَّهَا دَبَغَتْ جِلْدَ شَاةٍ مَيِّتَةٍ فَلَمْ تَزَلْ تَنْبِذُ فِيهِ حَتَّى بَلِيَ , وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : دِبَاغُ الأَدِيمِ ذَكَاتُهُ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ فِي جُلُودِ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ تَمُوتُ فَتُدْبَغُ : إنَّهَا تُبَاعُ وَتُلْبَسُ. وَعَنْ الأَوْزَاعِيِّ إبَاحَةُ بَيْعِهَا. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ إبَاحَةُ الصَّلاَةِ فِيهَا. وَعَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ إبَاحَةُ بَيْعِهَا. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي الْمَيْتَةِ : دِبَاغُهَا ذَكَاتُهَا , وَأَبَاحَ الزُّهْرِيُّ جُلُودَ النُّمُورِ , وَاحْتَجَّ بِمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ , وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَابْنِ سِيرِينَ مِثْلُ ذَلِكَ. وقال أبو حنيفة : جِلْدُ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ وَعِظَامُهَا وَعَصَبُهَا وَعَقِبُهَا وَصُوفُهَا وَشَعْرُهَا وَوَبَرُهَا وَقَرْنُهَا لاَ بَأْسَ بِالأَنْتِفَاعِ بِكُلِّ ذَلِكَ , وَبَيْعُهُ جَائِزٌ , وَالصَّلاَةُ فِي جِلْدِهَا إذَا دُبِغَ جَائِزٌ , أَيَّ جِلْدٍ كَانَ حَاشَا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ. وقال مالك : لاَ خَيْرَ فِي عِظَامِ الْمَيْتَةِ وَهِيَ مَيْتَةٌ , وَلاَ يُصَلَّى فِي شَيْءٍ مِنْ جُلُودِ الْمَيْتَةِ وَإِنْ دُبِغَتْ , وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُهَا , أَيَّ جِلْدٍ كَانَ , وَلاَ يُسْتَقَى فِيهَا , لَكِنَّ جُلُودَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ إذَا دُبِغَتْ جَازَ الْقُعُودُ عَلَيْهَا وَأَنْ يُغَرْبَلَ عَلَيْهَا , وَكَرِهَ الأَسْتِقَاءَ فِيهَا بِآخِرَةٍ لِنَفْسِهِ , وَلَمْ يَمْنَعْ عَنْ ذَلِكَ غَيْرَهُ. وَرَأَى جُلُودَ السِّبَاعِ إذَا دُبِغَتْ مُبَاحَةً لِلْجُلُوسِ وَالْغَرْبَلَةِ. وَلَمْ يَرَ جِلْدَ الْحِمَارِ وَإِنْ دُبِغَ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ , وَلَمْ يَرَ اسْتِعْمَالَ قَرْنِ الْمَيْتَةِ ، وَلاَ سِنَّهَا ، وَلاَ ظِلْفِهَا ، وَلاَ رِيشِهَا. وَأَبَاحَ صُوفَ الْمَيْتَةِ وَشَعْرَهَا وَوَبَرَهَا. وَكَذَلِكَ إنْ أُخِذَتْ مِنْ حَيٍّ. وقال الشافعي : يُتَوَضَّأُ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَتْ أَيَّ جِلْدٍ كَانَ. إِلاَّ جِلْدَ كَلْبٍ أَوْ خِنْزِيرٍ. وَلاَ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ لاَ صُوفٌ ، وَلاَ شَعْرٌ ، وَلاَ وَبَرٌ ، وَلاَ عَظْمٌ ، وَلاَ قَرْنٌ ، وَلاَ سِنٌّ ، وَلاَ رِيشٌ. إِلاَّ الْجِلْدَ وَحْدَهُ فَقَطْ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا إبَاحَةُ أَبِي حَنِيفَةَ الْعَظْمَ وَالْعَقِبَ مِنْ الْمَيْتَةِ فَخَطَأٌ , لأََنَّهُ خِلاَفُ الأَثَرِ الصَّحِيحِ الَّذِي أَوْرَدْنَا أَلَّا نَنْتَفِعَ مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ ، وَلاَ عَصَبٍ وَجَاءَ الْخَبَرُ بِإِبَاحَةِ الْإِهَابِ إذَا دُبِغَ , فَبَقِيَ الْعَصَبُ عَلَى التَّحْرِيمِ , وَالْعَقِبُ عَصَبٌ بِلاَ شَكٍّ , وَكَذَلِكَ تَفْرِيقُهُ بَيْنَ جُلُودِ السِّبَاعِ وَالْمَيْتَاتِ وَجِلْدِ الْخِنْزِيرِ خَطَأٌ , لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَيْتَةٌ مُحَرَّمٌ , وَلاَ نَعْلَمُ هَذِهِ التَّفَارِيقَ ، وَلاَ هَذَا الْقَوْلَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَأَمَّا تَفْرِيقُ مَالِكٍ بَيْنَ جِلْدِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَبَيْنَ جِلْدِ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَخَطَأٌ , لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْمَيْتَةَ كَمَا حَرَّمَ الْخِنْزِيرَ ، وَلاَ فَرْقَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَكَذَلِكَ فَرْقُهُ بَيْنَ جِلْدِ الْحِمَارِ وَجِلْدِ السِّبَاعِ خَطَأٌ , لأََنَّ التَّحْرِيمَ جَاءَ فِي السِّبَاعِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَمِيرِ ، وَلاَ فَرْقَ , وَالْعَجَبُ أَنَّ أَصْحَابَهُ لاَ يُجِيزُونَ الأَنْتِفَاعَ بِجِلْدِ الْفَرَسِ إذَا دُبِغَ , وَلَحْمُهُ إذَا ذُكِّيَ حَلاَلٌ بِالنَّصِّ , وَيُجِيزُونَ الأَنْتِفَاعَ بِجِلْدِ السَّبُعِ إذَا دُبِغَ , وَهُوَ حَرَامٌ لاَ تُعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ بِالنَّصِّ , وَكَذَلِكَ مَنْعُهُ مِنْ الصَّلاَةِ عَلَيْهَا إذَا دُبِغَتْ خَطَأٌ ; لأََنَّهُ تَفْرِيقٌ بَيْنَ وُجُوهِ الأَنْتِفَاعِ بِلاَ نَصِّ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ تَابِعٍ ، وَلاَ قِيَاسٍ , وَلاَ نَعْلَمُ هَذَا التَّفْرِيقَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَأَمَّا تَفْرِيقُ الشَّافِعِيِّ بَيْنَ جُلُودِ السِّبَاعِ وَجِلْدِ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ فَخَطَأٌ , لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَيْتَةٌ حَرَامٌ سَوَاءٌ , وَدَعْوَاهُ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام : إذَا دُبِغَ الْإِهَابُ فَقَدْ طَهُرَ أَنَّ مَعْنَاهُ عَادَ إلَى طَهَارَتِهِ خَطَأٌ , وَقَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ , بَلْ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ طَهُرَ , وَلاَ نَعْلَمُ هَذَا التَّفْرِيقَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا كُلُّ مَا كَانَ عَلَى الْجِلْدِ مِنْ صُوفٍ أَوْ شَعْرٍ أَوْ وَبَرٍ فَهُوَ بَعْدَ الدِّبَاغِ طَاهِرٌ كُلُّهُ لاَ قَبْلَ الدِّبَاغِ ; لأََنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ عَلَى جُلُودِ الْمَيْتَةِ الشَّعْرَ وَالرِّيشَ وَالْوَبَرَ وَالصُّوفَ , فَلَمْ يَأْمُرْ بِإِزَالَةِ ذَلِكَ ، وَلاَ أَبَاحَ اسْتِعْمَالَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ الدِّبَاغِ , وَكُلُّ ذَلِكَ قَبْلَ الدِّبَاغِ بَعْضُ الْمَيْتَةِ حَرَامٌ , وَكُلُّ ذَلِكَ بَعْدَ الدِّبَاغِ طَاهِرٌ لَيْسَ مَيْتَةً , فَهُوَ حَلاَلٌ حَاشَا أَكْلَهُ , وَإِذْ هُوَ حَلاَلٌ فَلِبَاسُهُ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا وَبَيْعُ كُلِّ ذَلِكَ دَاخِلٌ فِي الأَنْتِفَاعِ الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ أُزِيلَ ذَلِكَ عَنْ الْجِلْدِ قَبْلَ الدِّبَاغِ لَمْ يَجُزْ الأَنْتِفَاعُ بِشَيْءٍ مِنْهُ , وَهُوَ حَرَامٌ , إذْ لاَ يَدْخُلُ الدِّبَاغُ فِيهِ , وَإِنْ أُزِيلَ بَعْدَ الدِّبَاغِ فَقَدْ طَهُرَ , فَهُوَ حَلاَلٌ بَعْدُ كَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ حَاشَا أَكْلَهُ فَقَطْ. وَأَمَّا الْعَظْمُ وَالرِّيشُ وَالْقَرْنُ فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْحَيِّ بَعْضُ الْحَيِّ , وَالْحَيُّ مُبَاحٌ مِلْكُهُ وَبَيْعُهُ إِلاَّ مَا مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ , وَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمَيْتَةِ مَيْتَةٌ , وَقَدْ صَحَّ تَحْرِيمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَ الْمَيْتَةِ , وَبَعْضُ الْمَيْتَةِ مَيْتَةٌ , فَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ , وَالأَنْتِفَاعُ بِكُلِّ ذَلِكَ جَائِزٌ , لِقَوْلِهِ عليه السلام : إنَّمَا حُرِّمَ أَكْلُهَا فَأَبَاحَ مَا عَدَا ذَلِكَ إِلاَّ مَا حُرِّمَ بِاسْمِهِ مِنْ بَيْعِهَا وَالأَدِّهَانِ بِشُحُومِهَا , وَمِنْ عَصَبِهَا وَلَحْمِهَا. وَأَمَّا شَعْرُ الْخِنْزِيرِ وَعَظْمُهُ فَحَرَامٌ كُلُّهُ , لاَ يَحِلُّ أَنْ يُتَمَلَّكَ ، وَلاَ أَنْ يُنْتَفَعَ بِشَيْءٍ مِنْهُ ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : قَالَ عَلِيٌّ : وَأَمَّا جِلْدُ الْإِنْسَانِ فَقَدْ صَحَّ نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُثْلَةِ , وَالسَّلْخُ أَعْظَمُ الْمُثْلَةِ , فَلاَ يَحِلُّ التَّمْثِيلُ بِكَافِرٍ ، وَلاَ مُؤْمِنٍ , وَصَحَّ أَمْرُهُ عليه السلام بِإِلْقَاءِ قَتْلَى كُفَّارِ بَدْرٍ فِي الْقَلِيبِ , فَوَجَبَ دَفْنُ كُلِّ مَيِّتٍ كَافِرٍ وَمُؤْمِنٍ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
|