الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
الْوُضُوءُ لِلصَّلاَةِ فَرْضٌ لاَ تُجْزِئُ الصَّلاَةُ إلاَّ بِهِ لِمَنْ وَجَدَ الْمَاءَ. هَذَا إجْمَاعٌ لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ , وَأَصْلُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { وَلاَ يُجْزِئُ الْوُضُوءُ إلاَّ بِنِيَّةِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلاَةِ فَرْضًا وَتَطَوُّعًا لاَ يُجْزِئُ أَحَدُهُمَا دُونَ الآخَرِ ، وَلاَ صَلاَةٌ دُونَ صَلاَةٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ الآيَةُ الْمَذْكُورَةُ. لاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْ فِيهَا بِالْوُضُوءِ إلاَّ لِلصَّلاَةِ عَلَى عُمُومِهَا , لَمْ يَخُصَّ تَعَالَى صَلاَةً مِنْ صَلاَةٍ فَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا , وَلاَ يُجْزِئُ لِغَيْرِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وقال أبو حنيفة : يُجْزِئُ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ بِلاَ نِيَّةٍ وَبِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ وَالتَّنَظُّفِ. كَانَ حُجَّتَهُمْ أَنْ قَالُوا : إنَّمَا أُمِرَ بِغَسْلِ جِسْمِهِ أَوْ هَذِهِ الأَعْضَاءِ فَقَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ , وَقَالُوا : قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ بِلاَ نِيَّةٍ , وَمِنْ قَوْلِهِمْ : إنَّ التَّيَمُّمَ لاَ يُجْزِئُ إلاَّ بِنِيَّةٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ : الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ وَالتَّيَمُّمُ يُجْزِئُ كُلُّ ذَلِكَ بِلاَ نِيَّةٍ , وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : إنْ انْغَمَسَ جُنُبٌ فِي بِئْرٍ لِيُخْرِجَ دَلْوًا مِنْهَا لَمْ يَجْزِهِ ذَلِكَ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ , وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ : يَجْزِيهِ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ. قَالَ عَلِيٌّ : أَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّهُ إنَّمَا أُمِرَ بِغَسْلِ جِسْمِهِ أَوْ هَذِهِ الأَعْضَاءِ وَقَدْ فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ , فَكَذَّبَ بَلْ مَا أُمِرَ إلاَّ بِغَسْلِهَا بِنِيَّةِ الْقَصْدِ إلَى الْعَمَلِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، حدثنا أَبُو زَيْدٍ الْمَرْوِيُّ ، حدثنا الْفَرَبْرِيٌّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا الْحُمَيْدِيُّ ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ , سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَهَذَا أَيْضًا عُمُومٌ لِكُلِّ عَمَلٍ , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهِ بَعْضُ الأَعْمَالِ دُونَ بَعْضٍ بِالدَّعْوَى. وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ ذَلِكَ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَبَاطِلٌ لاَِنَّهُ قِيَاسٌ , وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ , لِوُجُوهٍ : مِنْهَا أَنْ يُقَالَ لَهُمْ : لَيْسَ قِيَاسُكُمْ الْوُضُوءَ وَالْغُسْلَ عَلَى إزَالَةِ النَّجَاسَةِ بِأَوْلَى مِنْ قِيَاسِكُمْ ذَلِكَ عَلَى التَّيَمُّمِ الَّذِي هُوَ وُضُوءٌ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ أَيْضًا , وَكَمَا قِسْتُمْ التَّيَمُّمَ عَلَى الْوُضُوءِ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ وَهُوَ بُلُوغُ الْمَسْحِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ , فَهَلاَّ قِسْتُمْ الْوُضُوءَ عَلَى التَّيَمُّمِ فِي أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلاَّ بِنِيَّةٍ , لاَِنَّ كِلَيْهِمَا طُهْرٌ لِلصَّلاَةِ. فَإِنْ قَالُوا : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : قلنا نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا وَكَذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ قَبْلُ , وَكُلُّ نَجَاسَةٍ لَيْسَ فِيهَا أَمْرٌ بِصِفَةٍ مَا فَإِنَّمَا عَلَى النَّاسِ أَنْ يُصَلُّوا بِغَيْرِ نَجَاسَةٍ فِي أَجْسَامِهِمْ ، وَلاَ فِي ثِيَابِهِمْ ، وَلاَ فِي مَوْضِعِ صَلاَتِهِمْ , فَإِذَا صَلَّوْا كَذَلِكَ فَقَدْ فَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ , فَظَهَرَ فَسَادُ احْتِجَاجِهِمْ وَعِظَمُ تَنَاقُضِهِمْ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَبَيْنَ التَّيَمُّمِ وَالصَّلاَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الأَعْمَالِ بِلاَ بُرْهَانٍ , وَاخْتِلاَفُهُمْ فِي الْجُنُبِ يَنْغَمِسُ فِي الْبِئْرِ كَمَا ذَكَرْنَا بِلاَ دَلِيلٍ. وقال بعضهم : لَوْ احْتَاجَ الْوُضُوءُ إلَى نِيَّةٍ لاَحْتَاجَتْ النِّيَّةُ إلَى نِيَّةٍ وَهَكَذَا أَبَدًا , قلنا لَهُمْ : هَذَا لاَزِمٌ لَكُمْ فِيمَا أَوْجَبْتُمْ مِنْ النِّيَّةِ لِلتَّيَمُّمِ وَلِلصَّلاَةِ وَهَذَا مُحَالٌ , لاَِنَّ النِّيَّةَ الْمَأْمُورَ بِهَا هِيَ مَأْمُورٌ بِهَا لِنَفْسِهَا , لاَِنَّهَا الْقَصْدُ إلَى مَا أُمِرَ بِهِ فَقَطْ , وَأَمَّا الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ فَإِنَّهُ يُنْقَضُ قَوْلُهُ بِالآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا وَالْحَدِيثِ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ , وقولنا في هذا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ وَدَاوُد وَغَيْرِهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَيُجْزِئُ الْوُضُوءُ قَبْلَ الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ , وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ , لاَ يُجْزِئُ الْوُضُوءُ ، وَلاَ التَّيَمُّمُ إلاَّ بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلاَةِ , وَقَالَ آخَرُونَ : يُجْزِئُ الْوُضُوءُ قَبْلَ الْوَقْتِ ، وَلاَ يُجْزِئُ التَّيَمُّمُ إلاَّ بَعْدَ الْوَقْتِ , وَقَالَ آخَرُونَ : الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ يَجْزِيَانِ قَبْلَ الْوَقْتِ. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى كُلَّ ذَلِكَ لاَ يُجْزِئُ إلاَّ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : قال علي : وهذا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ كَافِيَةٌ ; لاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ : إذَا قُمْتُمْ إلَى صَلاَةِ فَرْضٍ , وَلاَ إذَا دَخَلَ وَقْتُ صَلاَةِ فَرْضٍ فَقُمْتُمْ إلَيْهَا , بَلْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ : وَأَمَّا فِي التَّطَوُّعِ فَمَا شَاءَ. فَصَحَّ بِنَصِّ الآيَةِ جَوَازُ التَّطَهُّرِ بِالْغُسْلِ وَبِالْوُضُوءِ وَبِالتَّيَمُّمِ قَبْلَ وَقْتِ صَلاَةِ الْفَرْضِ , وَإِنَّمَا وَجَبَ بِنَصِّ الآيَةِ أَنْ لاَ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلاَّ بِنِيَّةِ التَّطَهُّرِ لِلصَّلاَةِ فَقَطْ ، وَلاَ مَزِيدَ. وَدَلِيلٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ الصَّلاَةَ جَائِزَةٌ بِلاَ خِلاَفٍ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا , فَإِذَا ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ إلاَّ وَقَدْ صَحَّتْ الطَّهَارَةُ لَهَا قَبْلَ ذَلِكَ , وَهَذَا يُنْتِجُ ، وَلاَ بُدَّ جَوَازَ التَّطَهُّرِ بِكُلِّ ذَلِكَ قَبْلَ أَوَّلِ الْوَقْتِ. بُرْهَانٌ آخَرُ , وَهُوَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سُمَيٍّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ وَرَاحَ فَكَأَنَّمَا قَدَّمَ بَدَنَةً. وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً , وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا , وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً , فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ. فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ لِلصَّلاَةِ وَالتَّيَمُّمِ لَهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا , لاَِنَّ الإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لاَ بُدَّ ضَرُورَةً مِنْ أَنْ يَخْرُجَ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ , وَأَيُّ الأَمْرَيْنِ كَانَ فَتَطَهُّرُ هَذَا الرَّائِحِ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ كَانَ قَبْلَ وَقْتِ الْجُمُعَةِ بِلاَ شَكٍّ , وَقَدْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ فِي الرَّائِحِينَ إلَى الْجُمُعَةِ الْمُتَيَمِّمَ فِي السَّفَرِ وَالْمُتَوَضِّئَ. وَأَمَّا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ جَوَازِ الْوُضُوءِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَجَوَازِ التَّيَمُّمِ قَبْلَ الْوَقْتِ فَمَنَعَ مِنْهُ , فَإِنَّهُمْ ادَّعَوْا أَنَّ حُكْمَ الآيَةِ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ ذَلِكَ بَعْدَ الْوَقْتِ , وَادَّعَوْا أَنَّ الْوُضُوءَ خَرَجَ بِصَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ الصَّلَوَاتِ كُلَّهَا بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ , وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلاَةِ , وَلَعَلَّهُ تَوَضَّأَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ ثُمَّ بَقِيَ يُصَلِّي بِطَهَارَتِهِ مَا لَمْ تُنْتَقَضْ , فَإِذَا هَذَا مُمْكِنٌ فَلاَ دَلِيلَ فِي هَذَا الْخَبَرِ عَلَى جَوَازِ الْوُضُوءِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ خَلَطَ بِنِيَّةِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلاَةِ نِيَّةً لِتَبَرُّدٍ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ بِذَلِكَ الْوُضُوءِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : وَلاَ تُجْزِئُ النِّيَّةُ فِي ذَلِكَ ، وَلاَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الأَعْمَالِ إلاَّ قَبْلَ الاِبْتِدَاءِ بِالْوُضُوءِ أَوْ بِأَيِّ عَمَلٍ كَانَ مُتَّصِلَةً بِالاِبْتِدَاءِ بِهِ لاَ يَحُولُ بَيْنَهُمَا وَقْتٌ قَلَّ أَمْ كَثُرَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ النِّيَّةَ لَمَّا صَحَّ أَنَّهَا فَرْضٌ فِي الْعَمَلِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ لاَ يَخْلُو مِنْهَا شَيْءٌ مِنْ الْعَمَلِ , وَإِذَا لَمْ تَكُنْ كَمَا ذَكَرْنَا فَهِيَ إمَّا أَنْ يَحُولَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَمَلِ زَمَانٌ فَيَصِيرُ الْعَمَلُ بِلاَ نِيَّةٍ , وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَ النِّيَّةِ وَبَيْنَ الْعَمَلِ دَقِيقَةٌ لَجَازَ أَنْ يَحُولَ بَيْنَهُمَا دَقِيقَتَانِ وَثَلاَثٌ وَأَرْبَعٌ , وَمَا زَادَ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الأَمْرُ إلَى عَشَرَاتِ أَعْوَامٍ , وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا لِلنِّيَّةِ فَيَكُونُ أَوَّلُ الْعَمَلِ خَالِيًا مِنْ نِيَّةٍ دَخَلَ فِيهِ بِهَا , لاَِنَّ النِّيَّةَ هِيَ الْقَصْدُ بِالْعَمَلِ وَالإِرَادَةُ بِهِ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ , وَهَذَا لاَ يَكُونُ إلاَّ مُعْتَقَدًا قَبْلَ الْعَمَلِ وَمَعَهُ كَمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ غَمَسَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ فِي الْمَاءِ وَنَوَى بِهِ الْوُضُوءَ لِلصَّلاَةِ , أَوْ وَقَفَ تَحْتَ مِيزَابٍ حَتَّى عَمَّهَا الْمَاءُ وَنَوَى بِذَلِكَ الْوُضُوءَ لِلصَّلاَةِ , أَوْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ لِلصَّلاَةِ , أَوْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ غَيْرُهُ وَنَوَى هُوَ بِذَلِكَ الْوُضُوءَ لِلصَّلاَةِ أَجْزَأَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ اسْمَ " غُسْلٌ " يَقَعُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ , وَمَنْ ادَّعَى أَنَّ اسْمَ الْغُسْلِ لاَ يَقَعُ إلاَّ عَلَى التَّدَلُّكِ بِالْيَدِ فَقَدْ ادَّعَى مَا لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ وَقَوْلُنَا هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَدَاوُد. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالسُّجُودُ فِيهِ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى جَائِزٌ , كُلُّ ذَلِكَ بِوُضُوءٍ وَبِغَيْرِ وُضُوءٍ وَلِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالسُّجُودَ فِيهِ وَمَسَّ الْمُصْحَفِ وَذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى أَفْعَالُ خَيْرٍ مَنْدُوبٌ إلَيْهَا مَأْجُورٌ فَاعِلُهَا , فَمَنْ ادَّعَى الْمَنْعَ فِيهَا فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ كُلِّفَ أَنْ يَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ. فأما قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فَإِنَّ الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ مُوَافِقُونَ لَنَا فِي هَذَا لِمَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ , وَاخْتَلَفُوا فِي الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : لاَ تَقْرَأُ الْحَائِضُ ، وَلاَ الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ , وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما وَعَنْ غَيْرِهِمَا رُوِيَ أَيْضًا كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَقَتَادَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَغَيْرِهِمْ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ : أَمَّا الْحَائِضُ فَتَقْرَأُ مَا شَاءَتْ مِنْ الْقُرْآنِ. وَأَمَّا الْجُنُبُ فَيَقْرَأُ الآيَتَيْنِ وَنَحْوَهُمَا , وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ , وقال بعضهم : لاَ يُتِمُّ الآيَةَ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. فأما مَنْ مَنَعَ الْجُنُبَ مِنْ قِرَاءَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ , فَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَحْجِزُهُ عَنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةُ وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَهْيٌ عَنْ أَنْ يَقْرَأَ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ , وَإِنَّمَا هُوَ فِعْلٌ مِنْهُ عليه السلام لاَ يُلْزِمُ , وَلاَ بَيَّنَ عليه السلام أَنَّهُ إنَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ مِنْ أَجْلِ الْجَنَابَةِ. وَقَدْ يُتَّفَقُ لَهُ عليه السلام تَرْكُ الْقِرَاءَةِ فِي تِلْكَ الْحَالِ لَيْسَ مِنْ أَجْلِ الْجَنَابَةِ , وَهُوَ عليه السلام لَمْ يَصُمْ قَطُّ شَهْرًا كَامِلاً غَيْرَ رَمَضَانَ , وَلَمْ يَزِدْ قَطُّ فِي قِيَامِهِ عَلَى ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً , وَلاَ أَكَلَ قَطُّ عَلَى خِوَانٍ , وَلاَ أَكَلَ مُتَّكِئًا. أَفَيَحْرُمُ أَنْ يُصَامَ شَهْرٌ كَامِلٌ غَيْرُ رَمَضَانَ أَوْ أَنْ يَتَهَجَّدَ الْمَرْءُ بِأَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً , أَوْ أَنْ يَأْكُلَ عَلَى خِوَانٍ , أَوْ أَنْ يَأْكُلَ مُتَّكِئًا هَذَا لاَ يَقُولُونَهُ , وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا. وَقَدْ جَاءَتْ آثَارٌ فِي نَهْيِ الْجُنُبِ وَمَنْ لَيْسَ عَلَى طُهْرٍ عَنْ أَنْ يَقْرَأَ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ , وَلاَ يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ , وَقَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَ أَسَانِيدِهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ , وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ حُجَّةً عَلَى مَنْ يُبِيحُ لَهُ قِرَاءَةَ الآيَةِ التَّامَّةِ أَوْ بَعْضَ الآيَةِ ; لاَِنَّهَا كُلَّهَا نَهْيٌ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لِلْجُنُبِ جُمْلَةً. وَأَمَّا مَنْ قَالَ يَقْرَأُ الْجُنُبُ الآيَةَ أَوْ نَحْوَهَا , أَوْ قَالَ لاَ يُتِمُّ الآيَةَ , أَوْ أَبَاحَ لِلْحَائِضِ وَمَنَعَ الْجُنُبَ فَأَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ ; لاَِنَّهَا دَعَاوَى لاَ يُعَضِّدُهَا دَلِيلٌ لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ. وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ ، وَلاَ مِنْ رَأْيٍ سَدِيدٍ , لاَِنَّ بَعْضَ الآيَةِ وَالآيَةَ قُرْآنٌ بِلاَ شَكٍّ , وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُبَاحَ لَهُ آيَةٌ أَوْ أَنْ يُبَاحَ لَهُ أُخْرَى , أَوْ بَيْنَ أَنْ يُمْنَعَ مِنْ آيَةٍ أَوْ يُمْنَعَ مِنْ أُخْرَى , وَأَهْلُ هَذِهِ الأَقْوَالِ يُشَنِّعُونَ مُخَالَفَةَ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ , وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَهُنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ , وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ. رضي الله عنهم ، وَأَيْضًا فَإِنَّ مِنْ الآيَاتِ مَا هُوَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ مِثْلُ وَالضُّحَى وَ مُدْهَامَّتَانِ وَ وَالْعَصْرِ وَ وَالْفَجْرِ وَمِنْهَا كَلِمَاتٌ كَثِيرَةٌ كَآيَةِ الدَّيْنِ , فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي هَذَا. فَإِنَّ فِي إبَاحَتِهِمْ لَهُ قِرَاءَةَ آيَةِ الدَّيْنِ وَاَلَّتِي بَعْدَهَا أَوْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ أَوْ بَعْضَهَا ، وَلاَ يُتِمُّهَا , وَمَنْعِهِمْ إيَّاهُ مِنْ قِرَاءَةِ وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ أَوْ مَنْعِهِمْ لَهُ مِنْ إتْمَامِ مُدْهَامَّتَانِ لَعَجَبًا. وَكَذَلِكَ تَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ بِأَنَّ أَمَدَ الْحَائِضِ يَطُولُ , فَهُوَ مُحَالٌ , لاَِنَّهُ إنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهَا لِلْقُرْآنِ حَرَامًا فَلاَ يُبِيحُهُ لَهَا طُولُ أَمَدِهَا , وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لَهَا حَلاَلاً فَلاَ مَعْنَى لِلاِحْتِجَاجِ بِطُولِ أَمَدِهَا. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ عَنْ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ وَضَّاحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ رَبِيعَةَ قَالَ : لاَ بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ وبه إلى مُوسَى بْنِ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا يُوسُفُ بْنُ خَالِدٍ السَّمْتِيُّ ، حدثنا إدْرِيسُ عَنْ حَمَّادٍ قَالَ سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ عَنْ الْجُنُبِ هَلْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَقَالَ : وَكَيْفَ لاَ يَقْرَؤُهُ وَهُوَ فِي جَوْفِهِ وبه إلى يُوسُفَ السَّمْتِيِّ عَنْ نَصْرٍ الْبَاهِلِيِّ. قَالَ : كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ الْبَقَرَةَ وَهُوَ جُنُبٌ. أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا غُنْدَرٌ ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ : سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ الْجُنُبِ يَقْرَأُ فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا وَقَالَ : أَلَيْسَ فِي جَوْفِهِ الْقُرْآنُ وَهُوَ قَوْلُ دَاوُد وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا. وَأَمَّا سُجُودُ الْقُرْآنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ صَلاَةً أَصْلاً , لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنُ بْنُ مَهْدِيٍّ ، وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالاَ ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَلِيًّا الأَزْدِيَّ وَهُوَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَارِقِيُّ ثِقَةٌ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : صَلاَةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه السلام ، أَنَّهُ قَالَ : الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَصَحَّ أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ رَكْعَةً تَامَّةً أَوْ رَكْعَتَيْنِ فَصَاعِدًا فَلَيْسَ صَلاَةً. وَالسُّجُودُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ لَيْسَ رَكْعَةً ، وَلاَ رَكْعَتَيْنِ فَلَيْسَ صَلاَةً , وَإِذْ لَيْسَ هُوَ صَلاَةً فَهُوَ جَائِزٌ بِلاَ وُضُوءٍ , وَلِلْجُنُبِ وَلِلْحَائِضِ وَإِلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ كَسَائِرِ الذِّكْرِ ، وَلاَ فَرْقَ , إذْ لاَ يَلْزَمُ الْوُضُوءُ إلاَّ لِلصَّلاَةِ فَقَطْ , إذْ لَمْ يَأْتِ بِإِيجَابِهِ لِغَيْرِ الصَّلاَةِ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ ، وَلاَ إجْمَاعٌ ، وَلاَ قِيَاسٌ. فإن قيل : إنَّ السُّجُودَ مِنْ الصَّلاَةِ , وَبَعْضَ الصَّلاَةِ صَلاَةٌ. قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : هَذَا بَاطِلٌ ; لاَِنَّهُ لاَ يَكُونُ بَعْضُ الصَّلاَةِ صَلاَةً إلاَّ إذَا تَمَّتْ كَمَا أُمِرَ بِهَا الْمُصَلِّي , وَلَوْ أَنَّ امْرَأً كَبَّرَ وَرَكَعَ ثُمَّ قَطَعَ عَمْدًا لَمَا قَالَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ إنَّهُ صَلَّى شَيْئًا , بَلْ يَقُولُونَ كُلُّهُمْ إنَّهُ لَمْ يُصَلِّ , فَلَوْ أَتَمَّهَا رَكْعَةً فِي الْوِتْرِ أَوْ رَكْعَتَيْنِ فِي الْجُمُعَةِ وَالصُّبْحِ وَالسَّفَرِ وَالتَّطَوُّعِ لَكَانَ قَدْ صَلَّى بِلاَ خِلاَفٍ. ثم نقول لَهُمْ : إنَّ الْقِيَامَ بَعْضُ الصَّلاَةِ وَالتَّكْبِيرَ بَعْضُ الصَّلاَةِ وَقِرَاءَةَ أُمِّ الْقُرْآنِ بَعْضُ الصَّلاَةِ وَالْجُلُوسَ بَعْضُ الصَّلاَةِ , وَالسَّلاَمَ بَعْضُ الصَّلاَةِ , فَيَلْزَمُكُمْ عَلَى هَذَا أَنْ لاَ تُجِيزُوا لاَِحَدٍ أَنْ يَقُولَ ، وَلاَ أَنْ يُكَبِّرَ ، وَلاَ أَنْ يَقْرَأَ أُمَّ الْقُرْآنِ ، وَلاَ يَجْلِسَ ، وَلاَ يُسَلِّمَ إلاَّ عَلَى وُضُوءٍ , فَهَذَا مَا لاَ يَقُولُونَهُ , فَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَإِنْ قَالُوا هَذَا إجْمَاعٌ , قلنا لَهُمْ : قَدْ أَقْرَرْتُمْ بِصِحَّةِ الإِجْمَاعِ عَلَى بُطْلاَنِ حُجَّتِكُمْ وَإِفْسَادِ عِلَّتِكُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَسُّ الْمُصْحَفِ فَإِنَّ الآثَارَ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مَنْ لَمْ يُجِزْ لِلْجُنُبِ مَسَّهُ فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ ; لاَِنَّهَا إمَّا مُرْسَلَةٌ وَأَمَّا صَحِيفَةٌ لاَ تُسْنَدُ وَأَمَّا عَنْ مَجْهُولٍ وَأَمَّا عَنْ ضَعِيفٍ , وَقَدْ تَقَصَّيْنَاهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ. وَإِنَّمَا الصَّحِيحُ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ قَالَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ السَّكَنِ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ ، حدثنا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ هِرَقْلَ فَدَعَا هِرَقْلُ بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي بَعَثَ بِهِ دِحْيَةَ إلَى عَظِيمِ بُصْرَى , فَدَفَعَهُ إلَى هِرَقْلَ فَقَرَأَهُ , فَإِذَا فِيهِ " بسم الله الرحمن الرحيم , مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلاَمٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلاَمِ , أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْك إثْمَ الأَرِيسِيِّينَ وَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إلاَّ اللَّهَ ، وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا ، وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ. فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَعَثَ كِتَابًا وَفِيهِ هَذِهِ الآيَةُ إلَى النَّصَارَى وَقَدْ أَيْقَنَ أَنَّهُمْ يَمَسُّونَ ذَلِكَ الْكِتَابَ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا اللَّيْثُ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : كَانَ يَنْهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُسَافَرَ بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ يَخَافُ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ فَهَذَا حَقٌّ يَلْزَمُ اتِّبَاعُهُ وَلَيْسَ فِيهِ أَنْ لاَ يَمَسَّ الْمُصْحَفَ جُنُبٌ ، وَلاَ كَافِرٌ. وَإِنَّمَا فِيهِ أَنْ لاَ يَنَالَ أَهْلُ أَرْضِ الْحَرْبِ الْقُرْآنَ فَقَطْ. فَإِنْ قَالُوا : إنَّمَا بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى هِرَقْلَ آيَةً وَاحِدَةً. قِيلَ لَهُمْ : وَلَمْ يَمْنَعْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِهَا وَأَنْتُمْ أَهْلُ قِيَاسٍ فَإِنْ لَمْ تَقِيسُوا عَلَى الآيَةِ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهَا فَلاَ تَقِيسُوا عَلَى هَذِهِ الآيَةِ غَيْرَهَا. فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى : حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ الْعَلاَءِ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ : أَتَيْنَا سَلْمَانَ الْفَارِسِيَّ فَخَرَجَ عَلَيْنَا مِنْ كَنِيفٍ لَهُ . فَقُلْنَا لَهُ : لَوْ تَوَضَّأْتَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ قَرَأْتَ عَلَيْنَا سُورَةَ كَذَا فَقَالَ سَلْمَانُ : إنَّمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حدثنا شُعْبَةُ ، حدثنا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ : إنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ مُصْحَفًا أَمَرَ نَصْرَانِيًّا فَنَسَخَهُ لَهُ. وقال أبو حنيفة : لاَ بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَ الْجُنُبُ الْمُصْحَفَ بِعِلاَقَتِهِ ، وَلاَ يَحْمِلُهُ بِغَيْرِ عِلاَقَةٍ. وَغَيْرُ الْمُتَوَضِّئِ عِنْدَهُمْ كَذَلِكَ. وقال مالك : لاَ يَحْمِلُ الْجُنُبُ ، وَلاَ غَيْرُ الْمُتَوَضِّئِ الْمُصْحَفَ لاَ بِعِلاَقَةٍ ، وَلاَ عَلَى وِسَادَةٍ. فَإِنْ كَانَ فِي خُرْجٍ أَوْ تَابُوتٍ فَلاَ بَأْسَ أَنْ يَحْمِلَهُ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ وَالْجُنُبُ وَغَيْرُ الطَّاهِرِ. قَالَ عَلِيٌّ : هَذِهِ تَفَارِيقُ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ لاَ صَحِيحَةٍ ، وَلاَ سَقِيمَةٍ ، وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ. وَلَئِنْ كَانَ الْخُرْجُ حَاجِزًا بَيْنَ الْحَامِلِ وَبَيْنَ الْقُرْآنِ فَإِنَّ اللَّوْحَ وَظَهْرَ الْوَرَقَةِ حَاجِزٌ أَيْضًا بَيْنَ الْمَاسِّ وَبَيْنَ الْقُرْآنِ ، وَلاَ فَرْقَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَذَلِكَ الآذَانُ وَالإِقَامَةُ يُجْزِئَانِ أَيْضًا بِلاَ طَهَارَةٍ وَفِي حَالِ الْجَنَابَةِ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَقَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا. وقال الشافعي : يُكْرَهُ ذَلِكَ وَيُجْزِئُ إنْ وَقَعَ. وَقَالَ عَطَاءُ : لاَ يُؤَذِّنُ الْمُؤَذِّنُ إلاَّ مُتَوَضِّئًا. وقال مالك : يُؤَذِّنُ مَنْ لَيْسَ عَلَى وُضُوءٍ ، وَلاَ يُقِيمُ إلاَّ مُتَوَضِّئٌ. قال علي : هذا فَرْقٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ لاَ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ ، وَلاَ إجْمَاعٍ ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ ، وَلاَ قِيَاسٍ , فَإِنْ قَالُوا إنَّ الإِقَامَةَ مُتَّصِلَةٌ بِالصَّلاَةِ , قِيلَ لَهُمْ : وَقَدْ لاَ تَتَّصِلُ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا مُهْلَةٌ مِنْ حَدِيثٍ بَدَأَ فِيهِ الإِمَامُ مَعَ إنْسَانٍ يُمْكِنُ فِيهِ الْغُسْلُ وَالْوُضُوءُ , وَقَدْ يَكُونُ الآذَانُ مُتَّصِلاً بِالإِقَامَةِ وَالصَّلاَةِ , كَصَلاَةِ الْمَغْرِبِ وَغَيْرِهَا ، وَلاَ فَرْقَ وَإِذَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِيجَابٍ أَنْ لاَ يَكُونَ الآذَانُ وَالإِقَامَةُ إلاَّ بِطَهَارَةٍ مِنْ الْجَنَابَةِ وَغَيْرِهَا , فَقَوْلُ مَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ خَطَأٌ , لاَِنَّهُ إحْدَاثُ شَرْعٍ مِنْ غَيْرِ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ ، وَلاَ إجْمَاعٍ وَهَذَا بَاطِلٌ. فإن قيل : قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلاَّ عَلَى طُهْرٍ قِيلَ لَهُمْ : هَذِهِ كَرَاهَةٌ لاَ مَنْعٌ , وَهُوَ عَلَيْكُمْ لاَ لَكُمْ لاَِنَّكُمْ تُجِيزُونَ الآذَانَ وَقِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى غَيْرِ طُهْرٍ. وَهَذَا هُوَ الَّذِي نَصَّ عَلَى كَرَاهَتِهِ فِي الْخَبَرِ وَأَنْتُمْ لاَ تَكْرَهُونَهُ أَصْلاً , فَهَذَا الْخَبَرُ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْكُمْ , وَأَمَّا نَحْنُ فَهُوَ قَوْلُنَا , وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَهُوَ عِنْدَنَا عَلَى طَهَارَةٍ أَفْضَلُ ، وَلاَ نَكْرَهُهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ , لاَِنَّ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ مَنْسُوخَةٌ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَيُسْتَحَبُّ الْوُضُوءُ لِلْجُنُبِ إذَا أَرَادَ الأَكْلَ أَوْ النَّوْمَ وَلِرَدِّ السَّلاَمِ وَلِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ. فإن قيل : فَهَلاَّ أَوْجَبْتُمْ ذَلِكَ كُلَّهُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنِّي كَرِهْتُ أَنْ أَذْكُرَ اللَّهَ إلاَّ عَلَى طُهْرٍ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه إذْ ذَكَرَ لَهُ أَنَّهُ تُصِيبُهُ الْجَنَابَةُ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : تَوَضَّأْ وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ وَلِمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ وَهُوَ جُنُبٌ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ. قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ : أَمَّا الْحَدِيثُ فِي كَرَاهَةِ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى إلاَّ عَلَى طُهْرٍ فَإِنَّهُ مَنْسُوخٌ بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا صَدَقَةٌ ، حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حدثنا الأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ ، حدثنا عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ تَعَارَّ مِنْ اللَّيْلِ فَقَالَ : لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ , لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ , الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ ، وَلاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ، وَلاَ حَوْلَ ، وَلاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاَللَّهِ , ثُمَّ قَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي , أَوْ دَعَا اُسْتُجِيبَ لَهُ , فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ) قَالَ عَلِيٌّ : فَهَذِهِ إبَاحَةٌ لِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ الاِنْتِبَاهِ مِنْ النَّوْمِ فِي اللَّيْلِ وَقَبْلَ الْوُضُوءِ نَصًّا , وَهِيَ فَضِيلَةٌ , وَالْفَضَائِلُ لاَ تُنْسَخُ لاَِنَّهَا مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْنَا , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَقَالَ تَعَالَى : وَأَمَّا أَمْرُهُ عليه السلام بِالْوُضُوءِ فَهُوَ نَدْبٌ , لِمَا حَدَّثَنَاهُ حَمَامٌ قَالَ : حدثنا عُمَرُ بْنُ مُفَرِّجٍ قَالَ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ قَالَ ، حدثنا الدَّبَرِيُّ ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنَامُ جُنُبًا ، وَلاَ يَمَسُّ مَاءً وَهَذَا لَفْظٌ يَدُلُّ عَلَى مُدَاوَمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِذَلِكَ وَهِيَ ، رضي الله عنها ، أَحْدَثُ النَّاسِ عَهْدًا بِمَبِيتِهِ وَنَوْمِهِ جُنُبًا وَطَاهِرًا. فإن قيل : إنَّ هَذَا الْحَدِيثَ أَخْطَأَ فِيهِ سُفْيَانُ ; لاَِنَّ زُهَيْرَ بْنَ مُعَاوِيَةَ خَالَفَهُ فِيهِ قلنا : بَلْ أَخْطَأَ بِلاَ شَكٍّ مِنْ خَطَأِ سُفْيَانَ بِالدَّعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ , وَسُفْيَانُ أَحْفَظُ مِنْ زُهَيْرٍ بِلاَ شَكٍّ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ : وَكَانَ اللاَّزِمُ لِلْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ أَنْ يَقُولُوا : لَمَّا كَانَتْ الصَّلاَةُ وَهِيَ ذِكْرٌ لاَ تُجْزِئُ إلاَّ بِوُضُوءٍ , أَنْ يَكُونَ سَائِرُ الذِّكْرِ كَذَلِكَ , وَلَكِنَّ هَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ , وَلاَ يُمْكِنُهُمْ هَهُنَا دَعْوَى الإِجْمَاعِ , لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ كَانَ لاَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ ، وَلاَ يَرُدُّ السَّلاَمَ ، وَلاَ يَذْكُرُ اللَّهَ إلاَّ وَهُوَ طَاهِرٌ. إلاَّ مُعَاوَدَةَ الْجُنُبِ لِلْجِمَاعِ فَالْوُضُوءُ عَلَيْهِ فَرْضٌ بَيْنَهُمَا. لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ كِلاَهُمَا عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَتَى أَحَدُكُمْ أَهْلَهُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعَاوِدَ فَلْيَتَوَضَّأْ بَيْنَهُمَا وُضُوءًا هَذَا لَفْظُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ وَلَفْظُ ابْنِ عُيَيْنَةَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَعُودَ فَلاَ يَعُودَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ وَلَمْ نَجِدْ لِهَذَا الْخَبَرِ مَا يُخَصِّصُهُ ، وَلاَ مَا يُخْرِجُهُ إلَى النَّدْبِ إلاَّ خَبَرًا ضَعِيفًا مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ , وَبِإِيجَابِ الْوُضُوءِ فِي ذَلِكَ يَقُولُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَطَاءٌ وَعِكْرِمَةُ ، وَإِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ ، وَابْنُ سِيرِينَ. وَالشَّرَائِعُ لاَ تَلْزَمُ إلاَّ بِالاِحْتِلاَمِ أَوْ بِالإِنْبَاتِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَوْ بِإِنْزَالِ الْمَاءِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْوَلَدُ , وَإِنْ لَمْ يَكُنْ احْتِلاَمٌ , أَوْ بِتَمَامِ تِسْعَةَ عَشَرَ عَامًا , كُلُّ ذَلِكَ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ أَوْ بِالْحَيْضِ لِلْمَرْأَةِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ الأَعْمَشُ عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ , أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ : أَوَمَا تَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ ; عَنْ الْمَجْنُونِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ , وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ , وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَالصَّبِيُّ لَفْظٌ يَعُمُّ الصِّنْفَ كُلَّهُ الذَّكَرَ وَالآُنْثَى فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خُوطِبْنَا. حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوْحٍ ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَطِيَّةَ الْقُرَظِيِّ قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ قُرَيْظَةَ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ أَنْبَتَ ضُرِبَ عُنُقُهُ , فَكُنْتُ فِيمَنْ لَمْ يُنْبِتْ فَعُرِضْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَلَّى عَنِّي. قَالَ عَلِيٌّ : لاَ مَعْنَى لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَحْكَامِ الإِنْبَاتِ , فَأَبَاحَ سَفْكَ الدَّمِ بِهِ فِي الآُسَارَى خَاصَّةً , جَعَلَهُ هُنَالِكَ بُلُوغًا , وَلَمْ يَجْعَلْهُ بُلُوغًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ ; لاَِنَّ مِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِلُّ دَمَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ الرِّجَالِ , وَيَخْرُجُ عَنْ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ قَدْ صَحَّ نَهْيُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِهِمْ. وَمِنْ الْمُمْتَنِعِ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ وَاحِدٌ رَجُلاً بَالِغًا غَيْرَ رَجُلٍ ، وَلاَ بَالِغٍ مَعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ. وَأَمَّا ظُهُورُ الْمَاءِ فِي الْيَقَظَةِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْحَمْلُ فَيَصِيرُ بِهِ الذَّكَرُ أَبًا وَالآُنْثَى أُمًّا فَبُلُوغٌ لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ. وَأَمَّا اسْتِكْمَالُ التِّسْعَةَ عَشَرَ عَامًا فَإِجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ , وَأَصْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَدَ الْمَدِينَةَ وَفِيهَا صِبْيَانٌ وَشُبَّانٌ وَكُهُولٌ , فَأَلْزَمَ الأَحْكَامَ مَنْ خَرَجَ عَنْ الصِّبَا إلَى الرُّجُولَةِ , وَلَمْ يُلْزِمْهَا الصِّبْيَانَ , وَلَمْ يَكْشِفْ أَحَدًا مِنْ كُلِّ مَنْ حَوَالَيْهِ مِنْ الرِّجَالِ : هَلْ احْتَلَمْتَ يَا فُلاَنُ وَهَلْ أَشْعَرْت وَهَلْ أَنْزَلْت وَهَلْ حِضْتِ يَا فُلاَنَةُ هَذَا أَمْرٌ مُتَيَقَّنٌ لاَ شَكَّ فِيهِ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ هَهُنَا سِنًّا إذَا بَلَغَهَا الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ فَهُمَا مِمَّنْ يُنْزِلُ أَوْ يُنْبِتُ أَوْ يَحِيضُ , إلاَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِمَا آفَةٌ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ , كَمَا بِالأَطْلَسِ آفَةٌ مَنَعَتْهُ مِنْ اللِّحْيَةِ , لَوْلاَهَا لَكَانَ مِنْ أَهْلِ اللِّحَى بِلاَ شَكٍّ , هَذَا أَمْرٌ يُعْرَفُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ التَّوَقُّفِ وَبِضَرُورَةِ الطَّبِيعَةِ الْجَارِيَةِ فِي جَمِيعِ أَهْلِ الأَرْضِ , وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ مَنْ أَكْمَلَ تِسْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَدَخَلَ فِي عِشْرِينَ سَنَةً فَقَدْ فَارَقَ الصِّبَا وَلَحِقَ بِالرِّجَالِ لاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ كُلِّ مِلَّةٍ وَبَلْدَةٍ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَتْ بِهِ آفَةٌ مَنَعَتْهُ مِنْ إنْزَالِ الْمَنِيِّ فِي نَوْمٍ أَوْ يَقَظَةٍ , وَمِنْ إنْبَاتِ الشَّعْرِ وَمِنْ الْحَيْضِ. وَأَمَّا الْحَيْضُ فَ حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ، حدثنا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الأَعْرَابِيِّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَارُودِ الْقَطَّانُ ، حدثنا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، حدثنا قَتَادَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَةَ حَائِضٍ إلاَّ بِخِمَارٍ فَأَخْبَرَ عليه السلام أَنَّ الْحَائِضَ تَلْزَمُهَا الأَحْكَامُ ، وَأَنَّ صَلاَتَهَا تُقْبَلُ عَلَى صِفَةٍ مَا ، وَلاَ تُقْبَلُ عَلَى غَيْرِهَا. وقال الشافعي : مَنْ اسْتَكْمَلَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَهُوَ بَالِغٌ , وَاحْتَجَّ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُرِضَ عَلَيْهِ ابْنُ عُمَرَ يَوْمَ أُحُدٍ ، وَ، هُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْهُ وَعُرِضَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ هُوَ وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَهُمَا ابْنَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَهُمَا قال علي : وهذا لاَ حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ إنِّي أَجَزْتهمَا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُمَا ابْنَا خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً , فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلاَ يَجُوزُ لاَِحَدٍ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ عليه السلام مَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ , وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يُجِيزَهُمَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ , لاَِنَّهُ كَانَ يَوْمَ حِصَارٍ فِي الْمَدِينَةِ نَفْسِهَا , يَنْتَفِعُ فِيهِ بِالصِّبْيَانِ فِي رَمْيِ الْحِجَارَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ , وَلَمْ يُجِزْهُ يَوْمَ أُحُدٍ لاَِنَّهُ كَانَ يَوْمَ قِتَالٍ بَعُدُوا فِيهِ عَنْ الْمَدِينَةِ فَلاَ يَحْضُرُهُ إلاَّ أَهْلُ الْقُوَّةِ وَالْجَلَدِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنَّهُمَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ أَكْمَلاَ مَعًا خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا لاَ بِنَصٍّ ، وَلاَ بِدَلِيلٍ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ , وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ يُقَالُ فِي اللُّغَةِ لِمَنْ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ سِتَّةَ عَشَرَ عَامًا الشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ : هَذَا ابْنُ خَمْسَةَ عَشَرَ عَامًا , فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَإِزَالَةُ النَّجَاسَةِ وَكُلِّ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِزَالَتِهِ فَهُوَ فَرْضٌ. هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَنْقَسِمُ أَقْسَامًا كَثِيرَةً , يَجْمَعُهَا أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاجْتِنَابِهِ أَوْ جَاءَ نَصٌّ بِتَحْرِيمِهِ , أَوْ أَمَرَ كَذَلِكَ بِغَسْلِهِ أَوْ مَسْحِهِ , فَكُلُّ ذَلِكَ فَرْضٌ يَعْصِي مَنْ خَالَفَهُ , لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنَّ طَاعَتَهُ تَعَالَى وَطَاعَةَ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْضٌ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَمَا كَانَ فِي الْخُفِّ أَوْ النَّعْلِ مِنْ دَمٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ عَذِرَةٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , فَتَطْهِيرُهُمَا بِأَنْ يُمْسَحَا بِالتُّرَابِ حَتَّى يَزُولَ الأَثَرُ ثُمَّ يُصَلَّى فِيهِمَا , فَإِنْ غَسَلَهُمَا أَجْزَأَهُ إذَا مَسَّهُمَا بِالتُّرَابِ قَبْلَ ذَلِكَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّمِ وَالْخَمْرِ وَالْعَذِرَةِ وَالْبَوْلِ حَرَامٌ , وَالْحَرَامُ فَرْضٌ اجْتِنَابُهُ لاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ. حدثنا حمام ، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ ، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ الْوَاشِحِيُّ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَبِي نَعَامَةَ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ فَخَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ , فَخَلَعَ الْقَوْمُ نِعَالَهُمْ , فَلَمَّا سَلَّمَ قَالَ : لِمَ خَلَعْتُمْ نِعَالَكُمْ قَالُوا : رَأَيْنَاكَ خَلَعْتَ فَخَلَعْنَا , فَقَالَ : إنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا قَالَ عليه السلام : إذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلاَةِ فَلْيَنْظُرْ إلَى نَعْلَيْهِ , فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا قَذَرٌ أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلِيُصَلِّ فِيهِمَا أَبُو نَعَامَةَ هُوَ عَبْدُ رَبِّهِ السَّعْدِيُّ , وَأَبُو نَضْرَةَ هُوَ الْمُنْذِرُ بْنُ مَالِكٍ الْعَبْدِيُّ , كِلاَهُمَا ثِقَةٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الرَّبِيعِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَمَنْ وَطِئَ الأَذَى بِخُفَّيْهِ فَطَهُورُهُمَا التُّرَابُ قَالَ عَلِيٌّ : وَرُوِّينَا عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فِيمَنْ أَصَابَ نَعْلَيْهِ الرَّوْثُ , قَالَ يَمْسَحُهُمَا وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ نَعْلَيْهِ مَسْحًا شَدِيدًا وَيُصَلِّي فِيهِمَا وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا. قَالَ عَلِيٌّ : الْغَسْلُ بِالْمَاءِ وَغَيْرِهِ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَسْحٍ , تَقُولُ : مَسَحْتُ الشَّيْءَ بِالْمَاءِ وَبِالدُّهْنِ , فَكُلُّ غُسْلٍ مَسْحٌ وَلَيْسَ كُلُّ مَسْحٍ غُسْلاً , وَلَكِنَّ الْخَبَرَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا وَطِئَ أَحَدُكُمْ الأَذَى بِخُفِّهِ أَوْ نَعْلِهِ فَلْيُمِسَّهُمَا التُّرَابَ وَهَذَا زَائِدٌ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي الْمَسْحِ بَيَانًا وَحُكْمًا , فَوَاجِبٌ أَنْ يُضَافَ الزَّائِدُ إلَى الأَنْقَصِ حُكْمًا , فَيَكُونُ ذَلِكَ اسْتِعْمَالاً لِجَمِيعِ الآثَارِ ; لاَِنَّ مَنْ اسْتَعْمَلَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ لَمْ يُخَالِفْ خَبَرَ أَبِي سَعِيدٍ , وَمَنْ اسْتَعْمَلَ خَبَرَ أَبِي سَعِيدٍ خَالَفَ خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ. وقال مالك وَالشَّافِعِيُّ : لاَ تُجْزِئُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ حَيْثُ كَانَتْ إلاَّ بِالْمَاءِ حَاشَا الْعَذِرَةِ فِي الْمَقْعَدَةِ خَاصَّةً , وَالْبَوْلِ فِي الإِحْلِيلِ خَاصَّةً فَيُزَالاَنِ بِغَيْرِ الْمَاءِ. وَهَذَا مَكَانٌ تَرَكُوا فِي أَكْثَرِهِ النُّصُوصَ , كَمَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ , وَلَمْ يَقِيسُوا سَائِرَ النَّجَاسَاتِ عَلَى النَّجَاسَةِ فِي الْمَقْعَدَةِ وَالإِحْلِيلِ وَهُمَا أَصْلُ النَّجَاسَاتِ. قال علي : وهذا خِلاَفٌ لِهَذِهِ النُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ وَلِلْقِيَاسِ. وقال أبو حنيفة : إذَا أَصَابَ الْخُفَّ أَوْ النَّعْلَ رَوْثُ فَرَسٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ أَيُّ رَوْثٍ كَانَ , فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلَّى بِهِ , وَكَذَلِكَ إنْ أَصَابَهُمَا عَذِرَةُ إنْسَانٍ أَوْ دَمٌ أَوْ مَنِيٌّ , فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلَّ أَجْزَأَتْ الصَّلاَةُ بِهِ , فَإِنْ كَانَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا يَابِسًا أَجْزَأَهُ أَنْ يَحُكَّهُ فَقَطْ ثُمَّ يُصَلِّيَ بِهِ , وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ رَطْبًا لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ بِهِ إلاَّ أَنْ يَغْسِلَهُ بِالْمَاءِ , فَإِنْ أَصَابَ الْخُفَّ بَوْلُ إنْسَانٍ أَوْ حِمَارٍ أَوْ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ , فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ بِهِ وَلَمْ يُجْزِهِ فِيهِ مَسْحٌ أَصْلاً , وَلاَ بُدَّ مِنْ الْغَسْلِ بِالْمَاءِ كَانَ يَابِسًا أَوْ رَطْبًا , فَإِنْ كَانَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ فَأَقَلَّ جَازَ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَغْسِلْهُ ، وَلاَ مَسَحَهُ. قَالَ : وَأَمَّا بَوْلُ الْفَرَسِ فَالصَّلاَةُ بِهِ جَائِزَةٌ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا فَاحِشًا. وَكَذَلِكَ بَوْلُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ , وَلَمْ يَحُدَّ فِي الْكَثِيرِ الْفَاحِشِ مِنْ ذَلِكَ حَدًّا , فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا خُرْءُ مَا لاَ يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطَّيْرِ , أَوْ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْهَا وَكَانَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ , فَالصَّلاَةُ بِهِ جَائِزَةٌ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا فَاحِشًا , فَإِنْ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ فِي الْجَسَدِ لَمْ تَجُزْ إزَالَتُهُ إلاَّ بِالْمَاءِ , وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ فِي الثَّوْبِ فَتُجْزِئُ إزَالَتُهُ بِالْمَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ كُلِّهَا وَهَذِهِ أَقْوَالٌ يَنْبَغِي حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى السَّلاَمَةِ عِنْدَ سَمَاعِهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وأعجب مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا بِالنُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ , وَلاَ قَاسُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْ النُّصُوصِ فِي ذَلِكَ , وَلاَ قَاسُوا النَّجَاسَةَ فِي الْجَسَدِ عَلَى النَّجَاسَةِ فِي الْجَسَدِ وَهِيَ الْعَذِرَةُ فِي الْمَخْرَجِ وَالْبَوْلُ فِي الإِحْلِيلِ , وَلاَ قَاسُوا النَّجَاسَةَ فِي الثِّيَابِ عَلَى الْجَسَدِ ، وَلاَ تَعَلَّقُوا فِي أَقْوَالِهِمْ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ قَبْلَهُمْ وَيُسْأَلُونَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ أَيْنَ وَجَدُوا تَغْلِيظَ بَعْضِ النَّجَاسَاتِ وَتَخْفِيفَ بَعْضِهَا أَفِي قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ قِيَاسٍ اللَّهُمَّ إلاَّ إنَّ الَّذِي قَدْ جَاءَ فِي إزَالَتِهِ التَّغْلِيظُ قَدْ خَالَفُوهُ , كَالإِنَاءِ يَلَغُ فِيهِ الْكَلْبُ , وَكَالْعَذِرَةِ فِيمَا يُسْتَنْجَى فِيهِ فَقَطْ. وَتَطْهِيرُ الْقُبُلِ وَالدُّبُرِ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ وَالدَّمِ مِنْ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لاَ يَكُونُ إلاَّ بِالْمَاءِ حَتَّى يَزُولَ الأَثَرُ أَوْ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ مُتَغَايِرَةٍ فَإِنْ لَمْ يُنَقَّ فَعَلَى الْوِتْرِ أَبَدًا يَزِيدُ كَذَلِكَ حَتَّى يُنَقَّى , لاَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ , وَلاَ يَكُونُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا غَائِطٌ أَوْ بِالتُّرَابِ أَوْ الرَّمْلِ بِلاَ عَدَدٍ , وَلَكِنْ مَا أَزَالَ الأَثَرَ فَقَطْ عَلَى الْوِتْرِ ، وَلاَ بُدَّ ، وَلاَ يُجْزِئُ أَحَدًا أَنْ يَسْتَنْجِيَ بِيَمِينِهِ ، وَلاَ وَهُوَ مُسْتَقْبِلٌ الْقِبْلَةَ , فَإِنْ بَدَأَ بِمَخْرَجِ الْبَوْلِ أَجْزَأَتْ تِلْكَ الأَحْجَارُ بِأَعْيَانِهَا لِمَخْرَجِ الْغَائِطِ , وَإِنْ بَدَأَ بِمَخْرَجِ الْغَائِطِ لَمْ يُجْزِهِ مِنْ تِلْكَ الأَحْجَارِ لِمَخْرَجِ الْبَوْلِ إلاَّ مَا كَانَ لاَ رَجِيعَ عَلَيْهِ فَقَطْ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ الأَعْمَشِ وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ , كِلاَهُمَا عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ : قَالَ لَنَا الْمُشْرِكُونَ : إنِّي أَرَى صَاحِبَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى يُعَلِّمَكُمْ الْخِرَاءَةَ , فَقَالَ سَلْمَانُ : أَجَلْ , إنَّهُ نَهَانَا أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ أَوْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ , وَنَهَانَا عَنْ الرَّوْثِ وَالْعِظَامِ , وَقَالَ : لاَ يَسْتَنْجِي أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ أَنَّ بَعْضَ الْمُشْرِكِينَ قَالَ لَهُ : إنِّي لاََرَى صَاحِبَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ حَتَّى الْخِرَاءَةَ قَالَ : أَجَلْ , أُمِرْنَا أَنْ لاَ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ ، وَلاَ نَسْتَنْجِيَ بِأَيْمَانِنَا , وَلاَ نَكْتَفِيَ بِدُونِ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ لَيْسَ فِيهِنَّ رَجِيعٌ ، وَلاَ عَظْمٌ حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، حدثنا الأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ : إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ نَسْتَنْجِيَ بِأَيْمَانِنَا أَوْ نَكْتَفِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى ، حدثنا أَبِي ، حدثنا مَالِكٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَإِذَا اسْتَجْمَرْتَ فَأَوْتِرْ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ الْخَلاَءَ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلاَمٌ إدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةٍ يَسْتَنْجِي ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ ، هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : وَجُعِلَتْ لِي الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ مُسْنَدًا. وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ : بِأَيِّ شَيْءٍ اسْتَنْجَى دُونَ عَدَدٍ فَأَنْقَى أَجْزَأَهُ , وَهَذَا خِلاَفُ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَِنَّهُ نَهَى أَنْ يَكْتَفِيَ أَحَدٌ بِدُونِ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ وَأَمَرَ بِالْوِتْرِ فِي الاِسْتِجْمَارِ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ مُتَعَلِّقًا إلاَّ أَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَثَرًا فِيهِ : أَنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَانَ لَهُ عَظْمٌ أَوْ حَجَرٌ يَسْتَنْجِي بِهِ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وَيُصَلِّي , وَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ ; لاَِنَّهُ شَكٌّ. إمَّا حَجَرٌ وَأَمَّا عَظْمٌ , وَقَدْ خَالَفُوا عُمَرَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ , وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاَ سِيَّمَا وَقَدْ خَالَفَهُ سَلْمَانُ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , فَأَخْبَرُوا أَنَّ حُكْمَ الاِسْتِنْجَاءِ هُوَ مَا عَلَّمَهُمْ إيَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَلاَّ يُكْتَفَى بِدُونِ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ " فإن قيل : أَمْرُهُ عليه السلام بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ هُوَ لِلْغَائِطِ وَالْبَوْلِ مَعًا , فَوَقَعَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ. قلنا : هَذَا بَاطِلٌ لاَِنَّ النَّصَّ قَدْ وَرَدَ بِأَنْ لاَ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ , وَمَسْحُ الْبَوْلِ لاَ يُسَمَّى اسْتِنْجَاءً , فَحَصَلَ النَّصُّ فِي الاِسْتِنْجَاءِ وَالْخِرَاءَةِ أَنْ لاَ يُجْزِئَ أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ , وَحَصَلَ النَّصُّ مُجْمَلاً فِي أَنْ لاَ يُجْزِئَ أَقَلُّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ عَلَى الْبَوْلِ نَفْسِهِ وَعَلَى النَّجْوِ فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ. وَمَسْحُ الْبَوْلِ بِالْيَمِينِ جَائِزٌ , وَكَذَلِكَ مُسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةِ ; لاَِنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ فِي الْبَوْلِ وَإِنَّمَا نَهَى فِي الاِسْتِنْجَاءِ فَقَطْ. وقال الشافعي : ثَلاَثُ مَسَحَاتٍ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ , وَأَجَازَ الاِسْتِنْجَاءَ بِكُلِّ شَيْءٍ حَاشَا الْعَظْمِ وَالرَّوْثِ وَالْحُمَمَةِ وَالْقَصَبِ وَالْجُلُودِ الَّتِي لَمْ تُدْبَغْ , وَهَذَا أَيْضًا خِلاَفٌ لاَِمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلاَّ يُكْتَفَى بِأَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ. فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا عَلَى الأَحْجَارِ , قلنا لَهُمْ : فَقِيسُوا عَلَى التُّرَابِ فِي التَّيَمُّمِ ، وَلاَ فَرْقَ فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثًا رَوَاهُ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ مُسْنَدًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إذَا تَغَوَّطَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَمَسَّحْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قِيلَ : ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ ضَعِيفٌ , وَاَلَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْكِنَانِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ , وَلَوْ صَحَّ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهَا أَنَّ تِلْكَ الْمَسَحَاتِ تَكُونُ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ , فَزِيَادَةُ هَذَا لاَ تَحِلُّ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّ حَدِيثَ " مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مُعَارِضٌ لِحَدِيثِ الثَّلاَثَةِ الأَحْجَارِ قلنا هَذَا خَطَأٌ , بَلْ كُلُّ حَدِيثٍ مِنْهَا قَائِمٌ بِنَفْسِهِ , فَلاَ يُجْزِئُ مِنْ الأَحْجَارِ إلاَّ ثَلاَثَةٌ لاَ رَجِيعَ فِيهَا , وَيُجْزِئُ مِنْ التُّرَابِ الْوِتْرُ , وَلاَ يُجْزِئُ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا لاَ يُسَمَّى أَرْضًا إلاَّ الْمَاءُ. فَإِنْ كَانَ عَلَى حَجَرٍ نَجَاسَةٌ غَيْرُ الرَّجِيعِ أَجْزَأَ مَا لَمْ يَأْتِ عَنْهُ نَهْيٌ. وَمِمَّنْ جَاءَ عَنْهُ أَلاَّ يُجْزِئَ إلاَّ ثَلاَثَةُ أَحْجَارٍ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَالْحَسَنُ وَغَيْرُهُمَا. فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ حَدِيثًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْحُصَيْنِ الْحُبْرَانِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَوْ أَبِي سَعْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا " مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ فَإِنَّ ابْنَ الْحُصَيْنِ مَجْهُولٌ وَأَبُو سَعِيدٍ أَوْ أَبُو سَعْدٍ الْخَيْرُ كَذَلِكَ. فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ : ابْغِنِي أَحْجَارًا , فَأَتَيْته بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ , فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ : إنَّهَا رِكْسٌ فَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ , لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ عليه السلام اكْتَفَى بِالْحَجَرَيْنِ , وَقَدْ صَحَّ أَمْرُهُ عليه السلام لَهُ بِأَنْ يَأْتِيَهُ بِأَحْجَارٍ , فَالأَمْرُ بَاقٍ لاَزِمٌ لاَ بُدَّ مِنْ إبْقَائِهِ , وَعَلَى أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ قَدْ قِيلَ فِيهِ : إنَّ أَبَا إِسْحَاقَ دَلَّسَهُ , وَقَدْ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَلْقَمَةَ وَفِيهِ " أَبْغِنِي ثَالِثًا " فإن قيل : إنَّمَا نَهَى عَنْ الْعَظْمِ وَالرَّوْثِ لاَِنَّهُمَا زَادُ إخْوَانِنَا مِنْ الْجِنِّ. قلنا : نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا بَلْ هَذَا مُوجِبٌ أَنَّ الْمُسْتَنْجِيَ بِأَحَدِهِمَا عَاصٍ مَرَّتَيْنِ : إحْدَاهُمَا خِلاَفُهُ نَصَّ الْخَبَرِ , وَالثَّانِي تَقْذِيرُهُ زَادَ مَنْ نُهِيَ عَنْ تَقْذِيرِ زَادِهِ , وَالْمَعْصِيَةُ لاَ تُجْزِئُ بَدَلَ الطَّاعَةِ , وَمِمَّنْ قَالَ لاَ يُجْزِئُ بِالْعَظْمِ ، وَلاَ بِالْيَمِينِ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ وَغَيْرُهُمَا.
|