الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَأَمَّا مَسْحُ الآُذُنَيْنِ فَلَيْسَا فَرْضًا , وَلاَ هُمَا مِنْ الرَّأْسِ لاَِنَّ الآثَارَ فِي ذَلِكَ وَاهِيَةٌ كُلُّهَا , قَدْ ذَكَرْنَا فَسَادَهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ , وَلاَ يَخْتَلِفُ أَحَدٌ فِي أَنَّ الْبَيَاضَ الَّذِي بَيْنَ مَنَابِتِ الشَّعْرِ مِنْ الرَّأْسِ وَبَيْنَ الآُذُنَيْنِ لَيْسَ هُوَ مِنْ الرَّأْسِ فِي حُكْمِ الْوُضُوءِ , فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ يَحُولُ بَيْنَ أَجْزَاءِ رَأْسِ الْحَيِّ عُضْوٌ لَيْسَ مِنْ الرَّأْسِ , وَأَنْ يَكُونَ بَعْضُ رَأْسِ الْحَيِّ مُبَايِنًا لِسَائِرِ رَأْسِهِ , وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ الآُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ لَوَجَبَ حَلْقُ شَعْرِهِمَا فِي الْحَجِّ , وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ هَذَا. وَقَدْ ذَكَرْنَا الْبُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ الاِقْتِصَارِ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ , فَلَوْ كَانَ الآُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ لاََجْزَأَ أَنْ يُمْسَحَا عَنْ مَسْحِ الرَّأْسِ. وَهَذَا لاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ , وَيُقَالُ لَهُمْ : إنْ كَانَتَا مِنْ الرَّأْسِ فَمَا بَالُكُمْ تَأْخُذُونَ لَهُمَا مَاءً جَدِيدًا وَهُمَا بَعْضُ الرَّأْسِ وَأَيْنَ رَأَيْتُمْ عُضْوًا يُجَدِّدُ لِبَعْضِهِ مَاءً غَيْرَ الْمَاءِ الَّذِي مَسَحَ بِهِ سَائِرَهُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ الأَثَرُ أَنَّهُمَا مِنْ الرَّأْسِ لَمَا كَانَ عَلَيْنَا فِي ذَلِكَ نَقْضٌ لِشَيْءٍ مِنْ أَقْوَالِنَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا فِي الرِّجْلَيْنِ فَإِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِالْمَسْحِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَأَمَّا عَلَى الْمَوْضِعِ , لاَ يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ. لاَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُحَالَ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ بِقَضِيَّةٍ مُبْتَدَأَةٍ. وَهَكَذَا جَاءَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : نَزَلَ الْقُرْآنُ بِالْمَسْحِ يَعْنِي فِي الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ وَقَدْ قَالَ بِالْمَسْحِ عَلَى الرِّجْلَيْنِ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ , مِنْهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنُ وَعِكْرِمَةُ وَالشَّعْبِيُّ وَجَمَاعَةٌ غَيْرُهُمْ , وَهُوَ قَوْلُ الطَّبَرِيِّ , وَرُوِيَتْ فِي ذَلِكَ آثَارٌ. مِنْهَا أَثَرٌ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ يَحْيَى بْنُ خَلاَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمِّهِ هُوَ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إنَّهَا لاَ تَجُوزُ صَلاَةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ يَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَيَمْسَحَ رَأْسَهُ وَرِجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ. وَعَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ ، حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ عَلِيٍّ " كُنْتُ أَرَى بَاطِنَ الْقَدَمَيْنِ أَحَقَّ بِالْمَسْحِ حَتَّى رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ ظَاهِرَهُمَا ". قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ : وَإِنَّمَا قلنا بِالْغُسْلِ فِيهِمَا لِمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُسَدَّدٌ ، حدثنا أَبُو عَوَانَةَ , عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : تَخَلَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقَنَا الْعَصْرُ , فَجَعَلْنَا نَتَوَضَّأُ وَنَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا , فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ , مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. كَتَبَ إلَيَّ سَالِمُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ : حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ الشَّنْتَجَالِيُّ ، حدثنا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ السِّجِسْتَانِيُّ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْجُلُودِيُّ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سُفْيَانَ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ ، حدثنا جَرِيرٌ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ هِلاَلِ بْنِ إسَافٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى هُوَ مُصَدِّعُ الأَعْرَجُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ : خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ مَكَّةَ إلَى الْمَدِينَةِ حَتَّى إذَا كُنَّا بِمَاءٍ بِالطَّرِيقِ تَعَجَّلَ قَوْمٌ عِنْدَ الْعَصْرِ , فَتَوَضَّئُوا وَهُمْ عِجَالٌ , فَانْتَهَيْنَا إلَيْهِمْ وَأَعْقَابُهُمْ تَلُوحُ لَمْ يَمَسَّهَا الْمَاءُ , فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ , أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ فَأَمَرَ عليه السلام بِإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ فِي الرِّجْلَيْنِ , وَتَوَعَّدَ بِالنَّارِ عَلَى تَرْكِ الأَعْقَابِ. فَكَانَ هَذَا الْخَبَرُ زَائِدًا عَلَى مَا فِي الآيَةِ , وَعَلَى الأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا , وَنَاسِخًا لِمَا فِيهَا , وَلِمَا فِي الآيَةِ وَالأَخْذُ بِالزَّائِدِ وَاجِبٌ , وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ يَقُولُ بِتَرْكِ الأَخْبَارِ لِلْقُرْآنِ أَنْ يَتْرُكَ هَذَا الْخَبَرَ لِلآيَةِ , وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ يَتْرُكُ الأَخْبَارَ الصِّحَاحَ لِلْقِيَاسِ أَنْ يَتْرُكَ هَذَا الْخَبَرَ : لاَِنَّنَا وَجَدْنَا الرِّجْلَيْنِ يَسْقُطُ حُكْمُهُمَا فِي التَّيَمُّمِ , كَمَا يَسْقُطُ الرَّأْسُ فَكَانَ حَمْلُهُمَا عَلَى مَا يَسْقُطَانِ بِسُقُوطِهِ وَيُثْبَتَانِ بِثَبَاتِهِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِمَا عَلَى مَا لاَ يُثْبَتَانِ بِثَبَاتِهِ. وَأَيْضًا فَالرِّجْلاَنِ مَذْكُورَانِ مَعَ الرَّأْسِ , فَكَانَ حَمْلُهُمَا عَلَى مَا ذُكِرَا مَعَهُ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِمَا عَلَى مَا لَمْ يُذْكَرَا مَعَهُ. وَأَيْضًا فَالرَّأْسُ طَرَفٌ وَالرِّجْلاَنِ طَرَفٌ , فَكَانَ قِيَاسُ الطَّرَفِ عَلَى الطَّرَفِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ الطَّرَفِ عَلَى الْوَسَطِ , وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ , فَكَانَ تَعْوِيضُ الْمَسْحِ مِنْ الْمَسْحِ أَوْلَى مِنْ تَعْوِيضِ الْمَسْحِ مِنْ الْغُسْلِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَمَّا جَازَ الْمَسْحُ عَلَى سَاتِرٍ لِلرِّجْلَيْنِ وَلَمْ يَجُزْ عَلَى سَاتِرٍ دُونَ الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ دَلَّ عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ أَنَّ أَمْرَ الرِّجْلَيْنِ أَخَفُّ مِنْ أَمْرِ الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ , فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَيْسَ إلاَّ الْمَسْحُ ، وَلاَ بُدَّ. فَهَذَا أَصَحُّ قِيَاسٍ فِي الأَرْضِ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ : قَدْ سَقَطَ حُكْمُ الْجَسَدِ فِي التَّيَمُّمِ وَلَمْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حُكْمَهُ الْمَسْحُ. قال أبو محمد : فَنَقُولُ صَدَقْتَ وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَكُمْ بِالْقِيَاسِ , وَيُرِيكُمْ تَفَاسُدَهُ كُلَّهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَكَذَا كُلُّ مَا رُمْتُمْ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِالْقِيَاسِ , لاِجْتِمَاعِهِمَا فِي بَعْضِ الصِّفَاتِ , فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ فِيهِمَا مِنْ صِفَةٍ يَفْتَرِقَانِ فِيهَا. قَالَ عَلِيٌّ : وقال بعضهم : لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الرِّجْلَيْنِ قَالَ عَلِيٌّ : وَالْحُكْمُ لِلنُّصُوصِ لاَ لِلدَّعَاوَى وَالظُّنُونِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكُلُّ مَا لُبِسَ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ عِمَامَةٍ أَوْ خِمَارٍ أَوْ قَلَنْسُوَةٍ أَوْ بَيْضَةٍ أَوْ مِغْفَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ : أَجْزَأَ الْمَسْحُ عَلَيْهَا , الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ , لِعِلَّةٍ أَوْ غَيْرِ عِلَّةٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا , حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ حَزْمٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنِي الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى ، حدثنا بِشْرُ بْنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ عَنْ عَبْدَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُد الْخُرَيْبِيِّ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ. وَهَذَا قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ لاَِنَّ أَبَا سَلَمَةَ سَمِعَهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ سَمَاعًا , وَسَمِعَهُ أَيْضًا مِنْ جَعْفَرٍ ابْنُهُ عَنْهُ كَمَا فَعَلَ بَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ الَّذِي سَمِعَ حَدِيثَ الْمُغِيرَةِ مِنْ حَمْزَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَسَمِعَهُ أَيْضًا مِنْ الْحَسَنِ عَنْ حَمْزَةَ. وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَأَبُو كُرَيْبٍ : حدثنا مُعَاوِيَةُ وَقَالَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ , حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ , ثُمَّ اتَّفَقَ أَبُو مُعَاوِيَةَ وَعِيسَى كِلاَهُمَا عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ بِلاَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيُّ عَنْ بِلاَلٍ أَنَّهُ عليه السلام مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْمُوقَيْنِ وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ سَلْمَانَ وَمِنْ طَرِيقِ مَخْلَدِ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْمُوقَيْنِ وَالْخِمَارِ. فَهَؤُلاَءِ سِتَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، : الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ وَبِلاَلٌ وَسَلْمَانُ وَعَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ وَكَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ وَأَبُو ذَرٍّ , كُلُّهُمْ يَرْوِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَسَانِيدَ لاَ مُعَارِضَ لَهَا ، وَلاَ مَطْعَنَ فِيهَا. وَبِهَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ , كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ كِلاَهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُسَيْلَةَ الصُّنَابِحِيِّ قَالَ : رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ يَمْسَحُ عَلَى الْخِمَارِ , يَعْنِي فِي الْوُضُوءِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنَ مُسْلِمٍ عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ : سَأَلَ نُبَاتَةُ الْجُعْفِيُّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : إنْ شِئْتَ فَامْسَحْ عَلَى الْعِمَامَةِ وَإِنْ شِئْتَ فَدَعْ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : مَنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ فَلاَ طَهَّرَهُ اللَّهُ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ كِلاَهُمَا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ , وَهَذِهِ أَسَانِيدُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَعَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ عَنْ أُمِّهِ : أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ تَمْسَحُ عَلَى الْخِمَارِ وَعَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ : ، أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ : امْسَحْ عَلَى خُفَّيْكَ وَعَلَى خِمَارِكَ , وَامْسَحْ بِنَاصِيَتِكَ. وَعَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ : أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ حَدَثٍ فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ وَقَلَنْسُوَتِهِ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَقَالَ نَعَمْ , وَعَلَى النَّعْلَيْنِ وَالْخِمَارِ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , رُوِّينَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْهُ قَالَ : الْقَلَنْسُوَةُ بِمَنْزِلَةِ الْعِمَامَةِ يَعْنِي فِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهَا وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَأَبِي ثَوْرٍ وَدَاوُد بْنِ عَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ. وقال الشافعي : إنْ صَحَّ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِهِ أَقُولُ. قَالَ عَلِيٌّ : وَالْخَبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ قَدْ صَحَّ فَهُوَ قَوْلُهُ. وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ : لاَ يُمْسَحُ عَلَى عِمَامَةٍ ، وَلاَ خِمَارٍ ، وَلاَ غَيْرِ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ , قَالَ : إلاَّ أَنْ يَصِحَّ الْخَبَرُ. قَالَ عَلِيٌّ : مَا نَعْلَمُ لِلْمَانِعِينَ مِنْ ذَلِكَ حُجَّةً أَصْلاً , فَإِنْ قَالُوا جَاءَ الْقُرْآنُ بِمَسْحِ الرُّءُوسِ , قلنا نَعَمْ , وَبِالْمَسْحِ عَلَى الرِّجْلَيْنِ , فَأَجَزْتُمْ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ , وَلَيْسَ بِأَثْبَتَ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ , وَالْمَانِعُونَ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، أَكْثَرُ مِنْ الْمَانِعِينَ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ , فَمَا رُوِيَ الْمَنْعُ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ إلاَّ عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ , وَقَدْ جَاءَ الْمَنْعُ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَنْ عَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ , وَأَبْطَلْتُمْ مَسْحَ الرِّجْلَيْنِ وَهُوَ نَصُّ الْقُرْآنِ بِخَبَرٍ يَدَّعِي مُخَالِفُنَا وَمُخَالِفُكُمْ أَنَّنَا سَامَحْنَا أَنْفُسَنَا وَسَامَحْتُمْ أَنْفُسَكُمْ فِيهِ , وَأَنَّهُ لاَ يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ مَسْحِهَا , وَقَدْ قَالَ بِمَسْحِهَا طَائِفَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ , وَقُلْتُمْ بِالْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ وَلَمْ يَصِحَّ فِيهِ أَثَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا تَخْلِيطٌ. وقال بعضهم : حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِيهِ إنَّهُ مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى عِمَامَتِهِ فأما مَنْ لاَ يَرَى الْمَسْحَ عَلَى النَّاصِيَةِ يُجْزِئُ فَقَدْ جَاهَرَ اللَّهَ تَعَالَى وَالنَّاسَ فِي احْتِجَاجِهِ بِهَذَا الْخَبَرِ , وَهُوَ عَاصٍ لِكُلِّ مَا فِيهِ. وَأَمَّا مَنْ يَرَى الْمَسْحَ عَلَى بَعْضِ الرَّأْسِ يُجْزِئُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا : إنَّ الَّذِي أَجْزَأَهُ عليه السلام فَهُوَ مَسْحُ النَّاصِيَةِ فَقَطْ وَكَانَ مَسْحُ الْعِمَامَةِ فَضْلاً. قال أبو محمد : رَامَ هَؤُلاَءِ أَنْ يَجْعَلُوا كُلَّ مَا فِي خَبَرِ الْمُغِيرَةِ حِكَايَةً عَنْ وُضُوءِ وَاحِدٍ وَهَذَا كَذِبٌ وَجَرْأَةٌ عَلَى الْبَاطِلِ , بَلْ هُوَ خَبَرٌ عَنْ عَمَلَيْنِ مُتَغَايِرَيْنِ , هَذَا ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَمُقْتَضَاهُ , وَكَيْفَ قَدْ رَوَاهُ جَمَاعَةٌ غَيْرُ الْمُغِيرَةِ : وقال بعضهم أَخْطَأَ الأَوْزَاعِيُّ فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ , لاَِنَّ هَذَا خَبَرٌ رَوَاهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ شَيْبَانُ وَحَرْبُ بْنُ شَدَّادٍ وَبَكْرُ بْنُ نَضْرٍ وَأَبَانُ الْعَطَّارُ وَعَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ , فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ. قَالَ عَلِيٌّ :. . فَقُلْنَا لَهُمْ فَكَانَ مَاذَا قَدْ عَلِمَ كُلُّ ذِي عِلْمٍ بِالْحَدِيثِ أَنَّ الأَوْزَاعِيَّ أَحْفَظُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ , وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ , وَلَيْسُوا حُجَّةً عَلَيْهِ , وَالأَوْزَاعِيُّ ثِقَةٌ , وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ لاَ يَحِلُّ رَدُّهَا , وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ فِي كُلِّ خَبَرٍ احْتَجَجْتُمْ بِهِ : إنَّ رَاوِيَهُ أَخْطَأَ فِيهِ , لاَِنَّ فُلاَنًا وَفُلاَنًا لَمْ يَرْوِ هَذَا الْخَبَرَ وقال بعضهم : لاَ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ كَمَا لاَ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْقُفَّازَيْنِ. قال أبو محمد : وَهَذَا قِيَاسٌ , وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ , لاَِنَّهُمْ يُعَارَضُونَ فِيهِ , فَيُقَالُ لَهُمْ إنْ كَانَ هَذَا الْقِيَاسُ عِنْدَكُمْ صَحِيحًا فَأَبْطِلُوا بِهِ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ لاَِنَّ الرِّجْلَيْنِ بِالْيَدَيْنِ أَشْبَهُ مِنْهُمَا بِالرَّأْسِ , فَقُولُوا : كَمَا لاَ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْقُفَّازَيْنِ كَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ ، وَلاَ فَرْقَ. فَإِنْ قَالُوا : قَدْ صَحَّ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , قِيلَ لَهُمْ : وَقَدْ صَحَّ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَيُعَارَضُونَ أَيْضًا بِأَنْ يُقَالَ لَهُمْ : إنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَرَنَ الرُّءُوسَ بِالأَرْجُلِ فِي الْوُضُوءِ وَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَأَجِيزُوا الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ , لاَِنَّهُمَا جَمِيعًا عُضْوَانِ يَسْقُطَانِ فِي التَّيَمُّمِ , وَلاَِنَّهُ لَمَّا جَازَ تَعْوِيضُ الْمَسْحِ عِنْدَكُمْ مِنْ غَسْلِ الرَّجُلَيْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ يَجُوزُ تَعْوِيضُ الْمَسْحِ مِنْ الْمَسْحِ فِي الْعِمَامَةِ عَلَى الرَّأْسِ أَوْلَى , وَلاَِنَّ الرَّأْسَ طَرَفٌ , وَالرِّجْلاَنِ طَرَفٌ , وَأَيْضًا فَقَدْ صَحَّ تَعْوِيضُ الْمَسْحِ مِنْ جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَعُوِّضَ الْمَسْحُ بِالتُّرَابِ فِي الْوَجْهِ وَالذِّرَاعَيْنِ مِنْ غَسْلِ كُلِّ ذَلِكَ , وَعُوِّضَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ مِنْ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ , فَوَجَبَ أَيْضًا أَنْ يَجُوزَ تَعْوِيضُ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الرَّأْسِ , لِتَتَّفِقَ أَحْكَامُ جَمِيعِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فِي ذَلِكَ. قَالَ عَلِيٌّ : كُلُّ هَذَا إنَّمَا أَوْرَدْنَاهُ مُعَارَضَةً لِقِيَاسِهِمْ الْفَاسِدِ وَأَنَّهُ لاَ شَيْءَ مِنْ الأَحْكَامِ قَالُوا فِيهِ بِالْقِيَاسِ إلاَّ وَلِمَنْ خَالَفَهُمْ مِنْ التَّعَلُّقِ بِالْقِيَاسِ كَاَلَّذِي لَهُمْ أَوْ أَكْثَرَ فَيَظْهَرُ بِذَلِكَ بُطْلاَنُ الْقِيَاسِ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ تَوْفِيقَهُ وقال بعضهم : إنَّمَا مَسَحَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ لِمَرَضٍ كَانَ فِي رَأْسِهِ. قال علي : هذا كَلاَمُ مَنْ لاَ مُؤْنَةَ عَلَيْهِ مِنْ الْكَذِبِ , وَمَنْ يَسْتَغْفِرْ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ مُكَالَمَةِ مِثْلِهِ ; لاَِنَّهُ مُتَعَمِّدٌ لِلْكَذِبِ وَالإِفْكِ بِقَوْلٍ لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ لاَ نَصٌّ ، وَلاَ دَلِيلٌ , وَقَدْ عَجَّلَ اللَّهُ الْعُقُوبَةَ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ , بِأَنْ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ , لِكَذِبِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ : قُولُوا مِثْلَ هَذَا فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ , إنَّهُ كَانَ لِعِلَّةٍ بِقَدَمَيْهِ ، وَلاَ فَرْقَ عَلَى أَنَّ امْرَأً لَوْ قَالَ هَذَا لَكَانَ أَعْذَرَ مِنْهُمْ ; لاَِنَّنَا قَدْ رُوِّينَا ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ : لَوْ قُلْتُمْ ذَلِكَ فِي الْبَرْدِ الشَّدِيدِ أَوْ السَّفَرِ الطَّوِيلِ , وَلَمْ يُرْوَ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ، أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ , فَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ مَنَعَ الْمَسْحَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ , وَصَحَّ خِلاَفُهُ لِلسُّنَنِ الثَّابِتَةِ , وَلاَِبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَنَسٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ وَأَبِي أُمَامَةَ وَغَيْرِهِمْ , وَلِلْقِيَاسِ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْقِيَاسِ. فإن قال قائل : إنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى غَيْرِ الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ , فَلاَ يَجُوزُ تَرْكُ مَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ مَسْحِ الرَّأْسِ لِغَيْرِ مَا صَحَّ النَّصُّ بِهِ , وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ , وَلَيْسَ فِعْلُهُ عليه السلام عُمُومَ لَفْظٍ فَيُحْمَلُ عَلَى عُمُومِهِ. قلنا : هَذَا خَطَأٌ ; لاَِنَّهُ عليه السلام لَمْ يَقُلْ إنَّهُ لاَ يَمْسَحْ إلاَّ عَلَى عِمَامَةٍ أَوْ خِمَارٍ , لَكِنْ عَلِمْنَا بِمَسْحِهِ عَلَيْهَا أَنَّ مُبَاشَرَةَ الرَّأْسِ بِالْمَاءِ لَيْسَ فَرْضًا , فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ , فَأَيُّ شَيْءٍ لُبِسَ عَلَى الرَّأْسِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ. ثم نقول لَهُمْ : قُولُوا لَنَا لَوْ أَنَّ الرَّاوِيَ قَالَ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عِمَامَةٍ صَفْرَاءَ مِنْ كَتَّانٍ مَطْوِيَّةٍ ثَلاَثَ طَيَّاتٍ , أَكَانَ يَجُوزُ عِنْدَكُمْ الْمَسْحُ عَلَى حَمْرَاءَ مِنْ قُطْنٍ مَلْوِيَّةٍ عَشْرَ مَرَّاتٍ أَمْ لاَ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ مَسَحَ عليه السلام عَلَى خُفَّيْنِ أَسْوَدَيْنِ , أَكَانَ يَجُوزُ عَلَى أَبْيَضَيْنِ أَمْ لاَ فَإِنْ لَزِمُوا قَوْلَ الرَّاوِي أَحْدَثُوا دِينًا جَدِيدًا , وَإِنْ لَمْ يُرَاعُوهُ رَجَعُوا إلَى قَوْلِنَا. قال أبو محمد : وَسَوَاءٌ لُبِسَ مَا ذَكَرْنَا عَلَى طَهَارَةٍ أَوْ غَيْرِ طَهَارَةٍ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ : لاَ يَمْسَحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ إلاَّ مَنْ لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ , قِيَاسًا عَلَى الْخُفَّيْنِ , وَقَالَ أَصْحَابُنَا كَمَا قلنا قَالَ عَلِيٌّ : الْقِيَاسُ بَاطِلٌ , وَلَيْسَ هُنَا عِلَّةٌ جَامِعَةٌ بَيْنَ حُكْمِ الْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ وَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ , وَإِنَّمَا نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي اللِّبَاسِ عَلَى الطَّهَارَةِ , عَلَى الْخُفَّيْنِ , وَلَمْ يَنُصَّ ذَلِكَ فِي الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : وَيَمْسَحُ عَلَى كُلِّ ذَلِكَ أَبَدًا بِلاَ تَوْقِيتٍ ، وَلاَ تَحْدِيدَ , وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه التَّوْقِيتُ فِي ذَلِكَ ثَابِتًا عَنْهُ , كَالْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَبِهِ قَالَ أَبُو ثَوْرٍ , وَقَالَ أَصْحَابُنَا كَمَا قلنا. وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ , وَقَوْلُ الْقَائِلِ : لَمَّا كَانَ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ مُوَقَّتًا بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ فِي السَّفَرِ وَوَقْتٍ فِي الْحَضَرِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ كَذَلِكَ , دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ عَلَى صِحَّتِهَا وَقَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى وُجُوبِهِ , وَيُقَالُ لَهُ مَا دَلِيلُكَ عَلَى صِحَّةِ مَا تَذْكُرُ مِنْ أَنْ يُحْكَمَ لِلْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ بِمِثْلِ الْوَقْتَيْنِ الْمَنْصُوصَيْنِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَهَذَا لاَ سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الدَّعْوَى , وَقَدْ مَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْخِمَارِ , وَلَمْ يُوَقِّتْ فِي ذَلِكَ وَقْتًا وَوَقَّتَ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ , فَيَلْزَمُنَا أَنْ نَقُولَ مَا قَالَ عليه السلام وَأَنْ لاَ نَقُولَ فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَقُلْهُ عليه السلام , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : فَلَوْ كَانَ تَحْتَ مَا لَبِسَ عَلَى الرَّأْسِ خِضَابٌ أَوْ دَوَاءٌ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِمَا كَمَا قلنا ، وَلاَ فَرْقَ , وَكَذَلِكَ لَوْ تَعَمَّدَ لِبَاسَ ذَلِكَ لِيَمْسَحَ عَلَيْهِ جَازَ الْمَسْحُ أَيْضًا , وَإِنَّمَا الْمَسْحُ الْمَذْكُورُ فِي الْوُضُوءِ خَاصَّةً , وَأَمَّا فِي كُلِّ غِسْلٍ وَاجِبٍ فَلاَ , وَلاَ بُدَّ مِنْ خَلْعِ كُلِّ ذَلِكَ وَغَسْلُ الرَّأْسِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَعَلَى الْخِمَارِ , وَلَمْ يَخُصَّ لَنَا حَالاً مِنْ حَالٍ , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصُّ بِالْمَسْحِ حَالٌ دُونَ حَالٍ , وَإِذَا كَانَ الْمَسْحُ جَائِزًا فَالْقَصْدُ إلَى الْجَائِزِ جَائِزٌ , وَإِنَّمَا مَسَحَ عليه السلام فِي الْوُضُوءِ خَاصَّةً , فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَى ذَلِكَ مَا لَمْ يَفْعَلْهُ عليه السلام , وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ فِي السُّنَنِ مَا لَمْ يَأْتِ فِيهَا , وَلاَ أَنْ يُنْقَصَ مِنْهَا مَا اقْتَضَاهُ لَفْظُ الْخَبَرِ بِهَا , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَكَذَا يَقُولُ خُصُومُنَا فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وَمَنْ تَرَكَ مِمَّا يَلْزَمُهُ غَسْلُهُ فِي الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ وَلَوْ قَدْرَ شَعْرَةٍ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا , لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ بِذَلِكَ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ حَتَّى يُوعِبَهُ كُلَّهُ , لاَِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ بِالطَّهَارَةِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا , وَقَالَ عليه السلام مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ. وَمَنْ نَكَسَ وُضُوءَهُ أَوْ قَدَّمَ عُضْوًا عَلَى الْمَذْكُورِ قَبْلَهُ فِي الْقُرْآنِ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا لَمْ تُجْزِهِ الصَّلاَةُ أَصْلاً , وَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِوَجْهِهِ ثُمَّ ذِرَاعَيْهِ ثُمَّ رَأْسِهِ ثُمَّ رِجْلَيْهِ , وَلاَ بُدَّ فِي الذِّرَاعَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ مِنْ الاِبْتِدَاءِ بِالْيَمِينِ قَبْلَ الْيَسَارِ كَمَا جَاءَ فِي السُّنَّةِ , فَإِنْ جَعَلَ الاِسْتِنْشَاقَ وَالاِسْتِنْثَارَ فِي آخِرِ وُضُوئِهِ أَوْ بَعْدَ عُضْوٍ مِنْ الأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ يُجْزِ ذَلِكَ , فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا لَزِمَهُ أَنْ يَعُودَ إلَى الَّذِي بَدَأَ بِهِ قَبْلَ الَّذِي ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَبْلَهُ فَيَعْمَلُهُ إلَى أَنْ يُتِمَّ وُضُوءَهُ , وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْتَدِئَ مِنْ أَوَّلِ الْوُضُوءِ , وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ , فَإِنْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ جَارٍ وَهُوَ جُنُبٌ وَنَوَى الْغُسْلَ وَالْوُضُوءَ مَعًا لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ مِنْ الْوُضُوءِ ، وَلاَ مِنْ الْغُسْلِ , وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ مُرَتَّبًا , وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ هَارُونَ الْبَلْخِيُّ ، حدثنا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ ، حدثنا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : دَخَلْنَا عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ : أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ جَابِرٌ خَرَجْنَا مَعَهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ الْبَابِ إلَى الصَّفَا , فَلَمَّا دَنَا إلَى الصَّفَا قَالَ : إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ. قال علي : وهذا عُمُومٌ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصُّ مِنْهُ شَيْءٌ , وَإِنَّمَا قلنا : لاَ يُجْزِئُ فِي الأَعْضَاءِ الْمَغْمُوسَةِ مَعًا لاَ الْوُضُوءُ ، وَلاَ الْغُسْلُ إذَا نَوَى بِذَلِكَ الْغَمْسِ كِلاَ الأَمْرَيْنِ فَلاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْوُضُوءِ كَمَا أُمِرَ , وَلَمْ يَخْلُصْ الْغُسْلُ فَيُجْزِيهِ , لَكِنْ خَلَطَهُ بِعَمَلٍ فَاسِدٍ فَبَطَلَ أَيْضًا الْغُسْلُ فِي تِلْكَ الأَعْضَاءِ ; لاَِنَّهُ أَتَى بِهِ بِخِلاَفِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ , وَأَمَّا الاِسْتِنْشَاقُ وَالاِسْتِنْثَارُ فَلَمْ يَأْتِ فِيهِمَا فِي الْوُضُوءِ ذِكْرٌ بِتَقْدِيمٍ ، وَلاَ تَأْخِيرٍ , فَكَيْفَمَا أَتَى بِهِمَا فِي وُضُوئِهِ أَوْ بَعْدَ وُضُوئِهِ , وَقَبْلَ صَلاَتِهِ أَوْ قَبْلَ وُضُوئِهِ : أَجْزَأَهُ. قَالَ عَلِيٌّ : وقال أبو حنيفة : جَائِزٌ تَنْكِيسُ الْوُضُوءِ وَالأَذَانِ وَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالإِقَامَةِ. وقال مالك : يَجُوزُ تَنْكِيسُ الْوُضُوءِ ، وَلاَ يَجُوزُ تَنْكِيسُ الطَّوَافِ ، وَلاَ السَّعْيِ ، وَلاَ الأَذَانِ ، وَلاَ الإِقَامَةِ. قال أبو محمد : لاَ يَجُوزُ تَنْكِيسُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ , وَلاَ يُجْزِئُ شَيْءٌ مِنْهُ مُنَكَّسًا فأما قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ ; لاَِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَا لاَ فَرْقَ بَيْنَهُ , وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ أَطَرْدُ قَوْلاً , وَأَكْثَرُ خَطَأً , وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ , فَهَلاَّ قَاسُوا ذَلِكَ عَلَى مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ مِنْ الْمَنْعِ مِنْ تَنْكِيسِ الصَّلاَةِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ عَلَى تَنْكِيسِ الصَّلاَةِ , وَهِيَ حَالُ مَنْ وَجَدَ الإِمَامَ جَالِسًا أَوْ سَاجِدًا , فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِذَلِكَ وَهُوَ آخِرُ الصَّلاَةِ , وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ فِي قِيَاسِهِمْ. وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ جَوَازَ تَنْكِيسِ الْوُضُوءِ , وَلَكِنْ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ الْقُرْآنِ إلاَّ فِي الَّذِي أُمِرَ بِبَيَانِهِ وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الشَّافِعِيُّونَ فَتَرَكُوا فِيهِ قَوْلَ صَاحِبَيْنِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ أَجَازُوا تَنْكِيسَ الْوُضُوءِ الَّذِي لَمْ يَأْتِ نَصٌّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ، وَلاَ مِنْ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ , ثُمَّ أَتَوْا إلَى مَا أَجَازَ اللَّهُ تَعَالَى تَنْكِيسَهُ فَمَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ , وَهُوَ الرَّمْيُ وَالْحَلْقُ وَالنَّحْرُ وَالذَّبْحُ وَالطَّوَافُ , فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ تَقْدِيمَ بَعْضِ ذَلِكَ عَلَى بَعْضٍ , كَمَا سَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِ الْحَجِّ , فَقَالُوا : لاَ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الطَّوَافِ عَلَى الرَّمْيِ , وَلاَ تَقْدِيمُ الْحَلْقِ عَلَى الرَّمْيِ , وَهَذَا كَمَا تَرَى. حدثنا أحمد بن قاسم ، حدثنا أَبِي حَدَّثَنِي جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذَا تَوَضَّأْتُمْ وَلَبِسْتُمْ فَابْدَءُوا بِمَيَامِنِكُمْ. وَأَمَّا وُجُوبُ تَقْدِيمِ الاِسْتِنْشَاقِ وَالاِسْتِنْثَارِ ، وَلاَ بُدَّ , فَلِحَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لاَ تَتِمُّ صَلاَةُ أَحَدِكُمْ حَتَّى يُسْبِغَ الْوُضُوءَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ ، عَزَّ وَجَلَّ ، وَيَغْسِلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَيَمْسَحَ بِرَأْسِهِ وَرِجْلَيْهِ إلَى الْكَعْبَيْنِ فَصَحَّ أَنَّ هَهُنَا إسْبَاغًا عُطِفَ عَلَيْهِ غَسْلُ الْوَجْهِ , وَلَيْسَ إلاَّ الاِسْتِنْشَاقَ وَالاِسْتِنْثَارَ.
|