الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **
وَغُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إنَّمَا هُوَ لِلْيَوْمِ لاَ لِلصَّلاَةِ , فَإِنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ وَالْعَصْرَ ثُمَّ اغْتَسَلَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ , وَأَوَّلُ أَوْقَاتِ الْغُسْلِ الْمَذْكُورِ إثْرَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ , إلَى أَنْ يَبْقَى مِنْ قُرْصِ الشَّمْسِ مِقْدَارُ مَا يُتِمُّ غُسْلَهُ قَبْلَ غُرُوبِ آخِرِهِ , وَأَفْضَلُهُ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلاً بِالرَّوَاحِ إلَى الْجُمُعَةِ , وَهُوَ لاَزِمٌ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ كَلُزُومِهِ لِغَيْرِهِمَا. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنِ نَافِعٍ ، حدثنا شُعَيْبٌ ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ , قَالَ طَاوُوس : قُلْت لاِبْنِ عَبَّاسٍ : ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا وَأَصِيبُوا مِنْ الطِّيبِ قَالَ : أَمَّا الْغُسْلُ فَنَعَمْ , وَأَمَّا الطِّيبُ فَلاَ أَدْرِي. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ ، حدثنا بَهْزٌ ، حدثنا وُهَيْبٍ ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُوس عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : حَقُّ اللَّهِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ , يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ ، حدثنا يَحْيَى بْنُ حَبِيبِ بْنِ عَرَبِيٍّ ، حدثنا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ طَاوُوس عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ قَالَ : عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ غُسْلٌ وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ وَالْبَرَاءِ مُسْنَدًا. فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّهُ لِلْيَوْمِ لاَ لِلصَّلاَةِ وَرُوِّينَا عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ : أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَيَجْتَزِئُ بِهِ مِنْ غُسْلِ الْجُمُعَةِ , وَعَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ : إذَا اغْتَسَلَ الرَّجُلُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ. وَعَنْ الْحَسَنِ : إذَا اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ أَجْزَأَهُ لِلْجُمُعَةِ , فَإِذَنْ هُوَ لِلْيَوْمِ , فَفِي أَيِّ وَقْتٍ مِنْ الْيَوْمِ اغْتَسَلَ أَجْزَأَهُ , وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ كَذَلِكَ. فإن قال قائل : فَإِنَّكُمْ قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذَا رَاحَ أَحَدُكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ. وَرَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ وَعَنْ اللَّيْثِ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ. قلنا نَعَمْ , وَهَذِهِ آثَارٌ صِحَاحٌ , وَكُلُّهَا لاَ خِلاَفَ فِيهَا لِمَا قلنا. أَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ فَهُوَ نَصُّ قَوْلِنَا , وَإِنَّمَا فِيهِ أَمْرٌ لِمَنْ جَاءَ الْجُمُعَةَ بِالْغُسْلِ , وَلَيْسَ فِيهِ أَيُّ وَقْتٍ يَغْتَسِلُ , لاَ بِنَصٍّ ، وَلاَ بِدَلِيلٍ , وَإِنَّمَا فِيهِ بَعْضُ مَا فِي الأَحَادِيثِ الآُخَرِ لاَِنَّ فِي هَذَا إيجَابَ الْغُسْلِ عَلَى كُلِّ مَنْ جَاءَ إلَى الْجُمُعَةِ , فَلَيْسَ فِيهِ إسْقَاطُ الْغُسْلِ عَمَّنْ لاَ يَأْتِي الْجُمُعَةَ , وَفِي الأَحَادِيثِ الآُخَرِ الَّتِي مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمْ إيجَابُ الْغُسْلِ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَعَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ , فَهِيَ زَائِدَةٌ حُكْمًا عَلَى مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ , فَالأَخْذُ بِهَا وَاجِبٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام : إذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ فَكَذَلِكَ أَيْضًا سَوَاءً سَوَاءً , وَقَدْ يُرِيدُ الرَّجُلُ أَنْ يَأْتِيَ الْجُمُعَةَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ , وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ، وَلاَ فِي غَيْرِهِ إلْزَامُهُ أَنْ يَكُونَ إتْيَانُهُ الْجُمُعَةَ لاَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ , وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ، وَلاَ فِي غَيْرِهِ إلْزَامُهُ أَنْ يَكُونَ أَتَى مُتَّصِلاً بِإِرَادَتِهِ لاِِتْيَانِهَا , بَلْ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا سَاعَاتٌ , فَلَيْسَ فِي هَذَا اللَّفْظِ أَيْضًا دَلِيلٌ ، وَلاَ نَصٌّ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ الْغُسْلُ مُتَّصِلاً بِالرَّوَاحِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ عليه السلام : إذَا رَاحَ أَحَدُكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ فَظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّ الْغُسْلَ بَعْدَ الرَّوَاحِ , كَمَا قَالَ تَعَالَى : وَأَيْضًا فَإِنَّنَا إذَا حَقَّقْنَا مُقْتَضَى أَلْفَاظِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ كَانَ ذَلِكَ دَالًّا عَلَى قَوْلِنَا لاَِنَّهُ إنَّمَا فِيهَا إذَا رَاحَ أَحَدُكُمْ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ أَوْ أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْتِيَ إلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ. مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ وَهَذِهِ أَلْفَاظٌ لَيْسَ يُفْهَمُ مِنْهَا إلاَّ أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الرَّوَاحِ إلَى الْجُمُعَةِ , وَمِمَّنْ يَجِيءُ إلَى الْجُمُعَةِ , وَمِنْ أَهْلِ الإِرَادَةِ لِلإِتْيَانِ إلَى الْجُمُعَةِ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ , وَلاَ مَزِيدَ , وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا وَقْتُ الْغُسْلِ , فَصَارَتْ أَلْفَاظُ خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا. وَعَهْدُنَا بِخُصُومِنَا يَقُولُونَ : إنَّ مَنْ رَوَى حَدِيثًا فَهُوَ أَعْرَفُ بِتَأْوِيلِهِ , وَهَذَا ابْنُ عُمَرَ رَاوِي هَذَا الْخَبَرِ قَدْ رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إثْرَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِهَا. وقال مالك وَالأَوْزَاعِيُّ : لاَ يُجْزِئُ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إلاَّ مُتَّصِلاً بِالرَّوَاحِ , إلاَّ أَنَّ الأَوْزَاعِيَّ قَالَ : إنْ اغْتَسَلَ قَبْلَ الْفَجْرِ وَنَهَضَ إلَى الْجُمُعَةِ أَجْزَأَهُ. وقال مالك : إنْ بَالَ أَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ الْغُسْلِ لَمْ يَنْتَقِضْ غُسْلُهُ وَيَتَوَضَّأُ فَقَطْ , فَإِنْ أَكَلَ أَوْ نَامَ انْتَقَضَ غُسْلُهُ. قال أبو محمد : وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وقال أبو حنيفة وَاللَّيْثُ وَسُفْيَانُ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَدَاوُد كَقَوْلِنَا , وَقَالَ طَاوُوس وَالزُّهْرِيُّ وَقَتَادَةُ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ : مَنْ اغْتَسَلَ لِلْجُمُعَةِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُعِيدَ غُسْلَهُ. قَالَ عَلِيٌّ : مَا نَعْلَمُ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ التَّابِعِينَ , وَلاَ لَهُ حُجَّةٌ مِنْ قُرْآنٍ ، وَلاَ سُنَّةٍ ، وَلاَ قِيَاسٍ ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ , وَكَثِيرًا مَا يَقُولُونَ فِي مِثْلِ هَذَا بِتَشْنِيعٍ خِلاَفَ قَوْلِ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ , وَهَذَا مَكَانٌ خَالَفُوا فِيهِ ابْنُ عُمَرَ , وَمَا يُعْلَمُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ. فَإِنْ قَالُوا : مَنْ قَالَ قَبْلَكُمْ إنَّ الْغُسْلَ لِلْيَوْمِ قلنا : كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ فِي ذَلِكَ قَوْلاً مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , فَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِهِمْ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ نَصًّا وَغَيْرِهِ , وأعجب شَيْءٍ أَنْ يَكُونُوا مُبِيحِينَ لِلْغُسْلِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ , وَمُبِيحِينَ لِتَرْكِهِ فِي الْيَوْمِ كُلِّهِ , ثُمَّ يُنْكِرُونَ عَلَى مَنْ قَالَ بِالْغُسْلِ فِي وَقْتٍ هُمْ يُبِيحُونَهُ فِيهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَغُسْلُ كُلِّ مَيِّتٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَرْضٌ ، وَلاَ بُدَّ , فَإِنْ دُفِنَ بِغَيْرِ غُسْلٍ أُخْرِجَ ، وَلاَ بُدَّ , مَا دَامَ يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ شَيْءٌ وَيُغَسَّلُ إلاَّ الشَّهِيدَ الَّذِي قَتَلَهُ الْمُشْرِكُونَ فِي الْمَعْرَكَةِ فَمَاتَ فِيهَا , فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُ غُسْلُهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهِنَّ حِينَ تُوُفِّيَتْ ابْنَتُهُ فَقَالَ : اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ فَأَمَرَ عليه السلام بِالْغُسْلِ ثَلاَثًا , وَأَمْرُهُ فَرْضٌ وَخَيْرٌ فِي أَكْثَرَ عَلَى الْوِتْرِ , وَأَمَّا الشَّهِيدُ فَمَذْكُورٌ فِي الْجَنَائِزِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَمَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا مُتَوَلِّيًا ذَلِكَ بِنَفْسِهِ بِصَبٍّ أَوْ عَرْكٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ فَرْضًا. بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ السُّلَيْمِ ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ ، حدثنا أَبُو دَاوُد ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ ، حدثنا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ غَسَّلَ الْمَيِّتَ فَلْيَغْتَسِلْ , وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ قَالَ أَبُو دَاوُد : وَحَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ إِسْحَاقَ مَوْلَى زَائِدَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَعْنَاهُ. وَ حدثنا عبد الله بن ربيع ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الأَسَدِيُّ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهَا فَلْيَتَوَضَّأْ قال أبو محمد : يَعْنِي مَنْ حَمَلَ الْجِنَازَةَ. وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرُهُ , رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ , وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ التَّنُوخِيِّ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّ حُذَيْفَةَ سَأَلَهُ رَجُلٌ مَاتَ أَبُوهُ , فَقَالَ حُذَيْفَةُ : اغْسِلْهُ فَإِذَا فَرَغْت فَاغْتَسِلْ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ , وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ كَانَ أَصْحَابُ عَلِيٍّ يَغْتَسِلُونَ مِنْهُ. يَعْنِي مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ. قَالَ عَلِيٌّ : وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَدَاوُد : لاَ يَجِبُ الْغُسْلُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ , وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ بِالأَثَرِ الَّذِي فِيهِ إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ. قال علي : وهذا لاَ حُجَّةَ فِيهِ لاَِنَّ الأَمْرَ بِالْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ وَمِنْ الإِيلاَجِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إنْزَالٌ هُمَا شَرْعَانِ زَائِدَانِ عَلَى خَبَرِ الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ وَالزِّيَادَةُ وَارِدَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرْضٌ الأَخْذُ بِهَا. وَاحْتَجَّ غَيْرُهُمْ فِي ذَلِكَ بِأَثَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ : أَخْبَرَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : لاَ تَتَنَجَّسُوا مِنْ مَوْتَاكُمْ وَكَرِهَ ذَلِكَ لَهُمْ. وَعَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ سَعِيدٍ وَجَابِرٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لاَ غُسْلَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ , وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ غَسَّلَتْ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ , فَلَمَّا فَرَغَتْ قَالَتْ لِمَنْ حَضَرَهَا مِنْ الْمُهَاجِرِينَ إنِّي صَائِمَةٌ وَإِنَّ هَذَا يَوْمٌ شَدِيدُ الْبُرْدِ فَهَلْ عَلَيَّ مِنْ غُسْلٍ قَالُوا : لاَ , وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ : كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَصْحَابُهُ لاَ يَغْتَسِلُونَ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ , وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ : سُئِلَتْ عَائِشَةُ ، رضي الله عنها ، : أَيُغْتَسَلُ مِنْ غُسْلِ الْمُتَوَفَّيْنَ قَالَتْ لاَ. قال أبو محمد : وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ , أَمَّا الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ لاَِنَّ ابْنَ وَهْبٍ لَمْ يُسَمِّ مَنْ أَخْبَرَهُ , وَالْمَسَافَةُ بَيْنَ ابْنِ وَهْبٍ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعِيدَةٌ جِدًّا , ثُمَّ لَوْ صَحَّ بِنَقْلِ الْكَافَّةِ مَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلاَّ أَنْ لاَ نَتَنَجَّسَ مِنْ مَوْتَانَا فَقَطْ , وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا , وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَكُونَ نَتَنَجَّسُ مِنْ مَيِّتٍ مُسْلِمٍ , أَوْ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلِمُ نَجِسًا , بَلْ هُوَ طَاهِرٌ حَيًّا وَمَيِّتًا , وَلَيْسَ الْغُسْلُ الْوَاجِبُ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ لِنَجَاسَتِهِ أَصْلاً , لَكِنْ كَغُسْلِ الْمَيِّتِ الْوَاجِبِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ , كَمَا غُسِّلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَطْهَرُ وَلَدِ آدَمَ حَيًّا وَمَيِّتًا , وَغُسِّلَ أَصْحَابُهُ ، رضي الله عنهم ، إذْ مَاتُوا , وَهُمْ الطَّاهِرُونَ الطَّيِّبُونَ أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا , وَكَغُسْلِ الْجُمُعَةِ , وَلاَ نَجَاسَةَ هُنَالِكَ , فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ لَمْ يَكُنْ وُلِدَ يَوْمَ مَاتَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ نَعَمْ ، وَلاَ أَبُوهُ أَيْضًا , ثُمَّ لَوْ صَحَّ كُلُّ مَا ذَكَرُوا عَنْ الصَّحَابَةِ لَكَانَ قَدْ عَارَضَهُ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ خِلاَفِ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَحُذَيْفَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ , وَإِذَا وَقَعَ التَّنَازُعُ وَجَبَ الرَّدُّ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّدَّ إلَيْهِ , مِنْ كَلاَمِهِ وَكَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالسُّنَّةُ قَدْ ذَكَرْنَاهَا بِالإِسْنَادِ الثَّابِتِ بِإِيجَابِ الْغُسْلِ مِنْ غُسْلِ الْمَيِّتِ , وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا الْجُمْهُورَ مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ , وَقَدْ أَفْرَدْنَا لِذَلِكَ كِتَابًا ضَخْمًا , وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِقَوْلِ عَائِشَةَ وَهُمْ قَدْ خَالَفُوهَا فِي إيجَابِ الْوُضُوءِ مِمَّا مَسَّتْ النَّارُ وَخَالَفُوا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَابْنَ عَبَّاسٍ وَابْنَ الزُّبَيْرِ فِي إيجَابِ الْغُسْلِ عَلَى الْمُسْتَحَاضَةِ لِكُلِّ صَلاَةٍ أَوْ لِلْجَمْعِ بَيْنَ صَلاَتَيْنِ , وَعَائِشَةَ فِي قَوْلِهَا : تَغْتَسِلُ كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَ صَلاَةِ الظُّهْرِ , وَلاَ مُخَالِفَ يُعْرَفُ لِهَؤُلاَءِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، رضي الله عنهم ، , وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا وَمَنْ صَبَّ عَلَى مُغْتَسِلٍ وَنَوَى ذَلِكَ الْمُغْتَسِلُ الْغُسْلَ أَجْزَأَهُ. بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْغُسْلَ هُوَ إمْسَاسُ الْمَاءِ الْبَشَرَةَ بِالْقَصْدِ إلَى تَأْدِيَةِ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ , فَإِذَا نَوَى ذَلِكَ لِمَرْءٍ فَقَدْ فَعَلَ الْغُسْلَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ , وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ ، وَلاَ إجْمَاعٌ بِأَنْ يَتَوَلَّى هُوَ ذَلِكَ بِيَدِهِ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَانْقِطَاعُ دَمِ الْحَيْضِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ وَمِنْ جُمْلَتِهِ دَمُ النِّفَاسِ يُوجِبُ الْغُسْلَ لِجَمِيعِ الْجَسَدِ وَالرَّأْسِ وَهَذَا إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ , مَنْ خَالَفَهُ كَفَرَ عَنْ نُصُوصٍ ثَابِتَةٍ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْحَامِلَ لاَ تَحِيضُ , وَدَمُ النِّفَاسِ هُوَ الْخَارِجُ إثْرَ وَضْعِ الْمَرْأَةِ آخِرَ وَلَدٍ فِي بَطْنِهَا ; لاَِنَّهُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ , وَأَمَّا الْخَارِجُ قَبْلَ ذَلِكَ فَلَيْسَتْ نُفَسَاءَ , وَلَيْسَ دَمَ نِفَاسٍ , وَلاَ نَصَّ فِيهِ ، وَلاَ إجْمَاعَ , وَسَنَذْكُرُ فِي الْكَلاَمِ فِي الْحَيْضِ مُدَّةَ الْحَيْضِ وَمُدَّةَ النِّفَاسِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالنُّفَسَاءُ وَالْحَائِضُ شَيْءٌ وَاحِدٌ , فَأَيَّتُهُمَا أَرَادَتْ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ فَفُرِضَ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ ثُمَّ تُهِلَّ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ , كُلُّهُمْ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ نُفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ بِالشَّجَرَةِ , فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ. وَجَاءَ فِي الْخَبَرِ الصَّرِيحِ : نُفِسَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِالشَّجَرَةِ بِمُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَاضَتْ عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ أُمَّا الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنهما, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا : أَنُفِسْتِ قَالَتْ نَعَمْ. فَصَحَّ أَنَّ الْحَيْضَ يُسَمَّى نِفَاسًا. فَصَحَّ أَنَّهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَحُكْمٌ وَاحِدٌ ، وَلاَ فَرْقَ. وَأَمَرَ عليه السلام الَّتِي تَرَى الدَّمَ الأَسْوَدَ بِتَرْكِ الصَّلاَةِ , وَحَكَمَ بِأَنَّهُ حَيْضٌ وَأَنَّهَا حَائِضٌ , وَأَنَّ الدَّمَ الآخَرَ لَيْسَ حَيْضًا ، وَلاَ هِيَ بِهِ حَائِضٌ , وَأَخْبَرَ أَنَّ الْحَيْضَ شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَنَاتِ آدَمَ , فَكُلُّ دَمٍ أَسْوَدَ ظَهَرَ مِنْ فَرْجِ الْمَرْأَةِ مِنْ مَكَانِ خُرُوجِ الْوَلَدِ فَهُوَ حَيْضٌ , إلاَّ مَا وَرَدَ النَّصُّ بِإِخْرَاجِهِ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ وَهِيَ الْحَامِلُ وَاَلَّتِي لاَ يَتَمَيَّزُ دَمُهَا ، وَلاَ يَنْقَطِعُ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْمَرْأَةُ تُهِلُّ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ تَحِيضُ فَفُرِضَ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ ثُمَّ تَعْمَلَ فِي حَجِّهَا , مَا سَنَذْكُرُهُ فِي الْحَجِّ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ ، حدثنا اللَّيْثُ ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُهَلِّينَ بِحَجٍّ مُفْرَدًا وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ حَتَّى إذَا كُنَّا بِسَرِفَ عَرَكَتْ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ : قَدْ حِضْتُ وَحَلَّ النَّاسُ وَلَمْ أَحْلِلْ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ , وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إلَى الْحَجِّ , فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّ هَذَا كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاغْتَسِلِي ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ فَفَعَلَتْ. وَالْمُتَّصِلَةُ الدَّمُ الأَسْوَدُ الَّذِي لاَ يَتَمَيَّزُ ، وَلاَ تَعْرِفُ أَيَّامَهَا فَإِنَّ الْغُسْلَ فَرْضٌ عَلَيْهَا إنْ شَاءَتْ لِكُلِّ صَلاَةِ فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ , وَإِنْ شَاءَتْ إذَا كَانَ قُرْبَ آخَرِ وَقْتَ الظُّهْرِ اغْتَسَلَتْ وَتَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ الظُّهْرَ بِقَدْرِ مَا تَسْلَمُ مِنْهَا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الْعَصْرِ , ثُمَّ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي الْعَصْرَ , ثُمَّ إذَا كَانَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّفَقِ اغْتَسَلَتْ وَتَوَضَّأَتْ وَصَلَّتْ الْمَغْرِبَ بِقَدْرِ مَا تَفْرُغُ مِنْهَا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّفَقِ , ثُمَّ تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي الْعَتَمَةَ , ثُمَّ تَغْتَسِلُ وَتَتَوَضَّأُ لِصَلاَةِ الْفَجْرِ , وَإِنْ شَاءَتْ حِينَئِذٍ أَنْ تَتَنَفَّلَ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةِ فَرْضٍ وَتَتَوَضَّأَ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ أَوْ قَبْلَهَا فَلَهَا ذَلِكَ , وَسَنَذْكُرُ الْبُرْهَانَ عَلَى ذَلِكَ فِي كَلاَمِنَا فِي الْحَيْضِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلاَ يُوجِبُ الْغُسْلَ شَيْءٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا أَصْلاً لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ أَثَرٌ يَصِحُّ أَلْبَتَّةَ , وَقَدْ جَاءَ أَثَرٌ فِي الْغُسْلِ مِنْ مُوَارَةِ الْكَافِرِ , فِيهِ نَاجِيَةُ بْنُ كَعْبٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ , وَالشَّرَائِعُ لاَ تُؤْخَذُ إلاَّ مِنْ كَلاَمِ اللَّهِ أَوْ مِنْ كَلاَمِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمِمَّنْ لاَ يَرَى الْغُسْلَ مِنْ الإِيلاَجِ فِي حَيَاءِ الْبَهِيمَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ إنْزَالُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ. وقال مالك فِي الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ : لاَ غُسْلَ فِيهِ إنْ لَمْ يَكُنْ إنْزَالٌ , فَمَنْ قَاسَ ذَلِكَ عَلَى الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ قِيلَ لَهُ : بَلْ هُوَ مَعْصِيَةٌ , فَقِيَاسُهَا عَلَى سَائِرِ الْمَعَاصِي مِنْ الْقَتْلِ وَتَرْكِ الصَّلاَةِ أَوْلَى , وَلاَ غُسْلَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِإِجْمَاعٍ , فَكَيْفَ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. صِفَةُ الْغُسْلِ الْوَاجِبِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا أَمَّا غُسْلُ الْجَنَابَةِ فَيَخْتَارُ دُونَ أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ فَرْضًا أَنْ يَبْدَأَ بِغَسْلِ فَرْجِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِمَاعٍ , وَأَنْ يَمْسَحَ بِيَدِهِ الْجِدَارَ أَوْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ غَسْلِهِ ثُمَّ يُمَضْمِضَ وَيَسْتَنْشِقَ وَيَسْتَنْثِرَ ثَلاَثًا ثَلاَثًا ثُمَّ يَغْمِسَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ بَعْدَ أَنْ يَغْسِلَهَا ثَلاَثًا فَرْضًا ، وَلاَ بُدَّ , إنْ قَامَ مِنْ نَوْمٍ وَإِلاَّ فَلاَ , فَيُخَلِّلُ أُصُولَ شَعْرِهِ حَتَّى يُوقِنَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّ الْجِلْدَ , ثُمَّ يُفِيضَ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثًا بِيَدِهِ وَأَنْ يَبْدَأَ بِمَيَامِنِهِ , وَأَمَّا الْفَرْضُ الَّذِي لاَ بُدَّ مِنْهُ فَأَنْ يَغْسِلَ يَدَيْهِ ثَلاَثًا قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهَا فِي الْمَاءِ إنْ كَانَ قَامَ مِنْ نَوْمٍ وَإِلاَّ فَلاَ , وَيَغْسِلُ فَرْجَهُ إنْ كَانَ مِنْ جِمَاعٍ , ثُمَّ يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ جَسَدِهِ بَعْدَ رَأْسِهِ ، وَلاَ بُدَّ إفَاضَةً يُوقِنُ أَنَّهُ قَدْ وَصَلَ الْمَاءُ إلَى بَشَرَةِ رَأْسِهِ وَجَمِيعِ شَعْرِهِ وَجَمِيعَ جَسَدِهِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا مُسَدَّدٌ , حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الْقَطَّانُ , حدثنا عَوْفٌ ، هُوَ ابْنُ أَبِي جَمِيلَةَ , حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ عَنْ عِمْرَانَ ، هُوَ ابْنُ حُصَيْنٍ قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ , فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الَّذِي أَصَابَتْهُ الْجَنَابَةُ إنَاءً مِنْ مَاءٍ وَقَالَ : اذْهَبْ فَأَفْرِغْهُ عَلَيْكَ. وَإِنَّمَا اسْتَحْبَبْنَا مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ لِمَا رُوِّينَاهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى الْبُخَارِيِّ ، حدثنا الْحُمَيْدِيُّ ، حدثنا سُفْيَانُ ، حدثنا الأَعْمَشُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ دَلَكَ بِهَا الْحَائِطَ ثُمَّ غَسَلَهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ , فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ غَسَلَ رِجْلَيْهِ. حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ ، حدثنا عِيسَى بْنُ يُونُسَ ، حدثنا الأَعْمَشُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَتْنِي خَالَتِي مَيْمُونَةُ قَالَتْ : أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلَهُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا , ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ , ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ , ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ الأَرْضَ فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا , ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ , ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ حَفَنَاتٍ مِلْءَ كَفِّهِ , ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ , ثُمَّ أَتَيْتُهُ بِالْمِنْدِيلِ فَرَدَّهُ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَهُ عليه السلام لاُِمِّ سَلَمَةَ : إنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِيَ عَلَى رَأْسِكِ ثُمَّ تُفِيضِي الْمَاءَ عَلَيْكِ فَإِذَا بِكِ قَدْ طَهُرْتِ. فَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ غَسْلَ فَرْجِهِ وَأَعْضَاءِ وُضُوئِهِ قَبْلَ رَأْسِهِ فَقَطْ إنْ شَاءَ , فَإِنْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ جَارٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ تَقْدِيمَ رَأْسِهِ عَلَى جَسَدِهِ , وَلاَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي سَائِرِ الأَغْسَالِ الْوَاجِبَةِ إذْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصٌّ , إلاَّ أَنْ يَصِحَّ أَنَّ هَكَذَا عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَيْضِ فَنَقِفُ عِنْدَهُ وَإِلاَّ فَلاَ , وَلَمْ يَأْتِ ذَلِكَ فِي الْحَيْضِ إلاَّ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنَ الْمُهَاجِرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ , وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ , وَلَيْسَ ذِكْرُ الْحَيْضِ مَحْفُوظًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَصْلاً فَإِنْ صَحَّ ذَلِكَ فِي الْحَيْضِ قلنا بِهِ , وَلَمْ نَسْتَجِزْ مُخَالَفَتَهُ. حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ ، حدثنا الْبُخَارِيُّ ، حدثنا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ ، حدثنا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي أَشْعَثُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبِي عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْجِبُهُ التَّيَمُّنُ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَطَهُورِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ. وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَدَلَّكَ : وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَالأَوْزَاعِيِّ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَدَاوُد وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ , وقال مالك بِوُجُوبِ التَّدَلُّكِ. قال أبو محمد : بُرْهَانُ ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَإِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ وَعَمْرٌو النَّاقِدُ ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ , كُلُّهُمْ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ , عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إنِّي امْرَأَةٌ أَشُدُّ ضَفْرَ رَأْسِي , أَفَأَنْقُضُهُ لِغُسْلِ الْجَنَابَةِ فَقَالَ : لاَ إنَّمَا يَكْفِيكِ أَنْ تَحْثِيَ عَلَى رَأْسِكِ ثَلاَثَ حَثَيَاتٍ ثُمَّ تُفِيضِي عَلَيْكِ فَتَطْهُرِينَ. وَبِهَذَا جَاءَتْ الآثَارُ كُلُّهَا فِي صِفَةِ غُسْلِهِ عليه السلام , لاَ ذِكْرَ لِلتَّدَلُّكِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ : فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاَةِ ثُمَّ اغْسِلْ رَأْسَكَ ثَلاَثًا ثُمَّ أَفْضِ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِكَ. وَعَنْ الشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَالْحَسَنِ فِي الْجُنُبِ يَنْغَمِسُ فِي الْمَاءِ إنَّهُ يَجْزِيهِ مِنْ الْغُسْلِ. وَاحْتَجَّ مِنْ رَأَى التَّدَلُّكَ فَرْضًا بِأَنْ قَالَ : قَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ الْغُسْلَ إذَا تَدَلَّكَ فِيهِ فَإِنَّهُ قَدْ تَمَّ , وَاخْتُلِفَ فِيهِ إذَا لَمْ يَتَدَلَّكْ , فَالْوَاجِبُ أَنْ لاَ يُجْزِئَ زَوَالُ الْجَنَابَةِ إلاَّ بِالإِجْمَاعِ. وَذَكَرُوا حَدِيثًا فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَ عَائِشَةَ الْغُسْلَ مِنْ الْجَنَابَةِ فَقَالَ لَهَا عليه السلام : يَا عَائِشَةُ اغْسِلِي يَدَيْكِ ثُمَّ قَالَ لَهَا تَمَضْمَضِي ثُمَّ اسْتَنْشِقِي وَانْتَثِرِي ثُمَّ اغْسِلِي وَجْهَكِ ثُمَّ قَالَ : اغْسِلِي يَدَيْكِ إلَى الْمِرْفَقَيْنِ ثُمَّ قَالَ : أَفْرِغِي عَلَى رَأْسَكِ ثُمَّ قَالَ : أَفْرِغِي عَلَى جِلْدِكِ ثُمَّ أَمَرَهَا تَدْلُكُ وَتَتَّبِعُ بِيَدِهَا كُلَّ شَيْءٍ لَمْ يَمَسَّهُ الْمَاءُ مِنْ جَسَدِهَا ثُمَّ قَالَ : يَا عَائِشَةُ أَفْرِغِي عَلَى رَأْسِكِ الَّذِي بَقِيَ ثُمَّ اُدْلُكِي جِلْدَكِ وَتَتَّبِعِي. وَبِحَدِيثٍ آخَرَ فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ : إنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ. وَبِحَدِيثٍ آخَرَ فِيهِ : خَلِّلْ أُصُولَ الشَّعْرِ وَأَنْقِ الْبَشَرَ وَبِحَدِيثٍ آخَرَ فِيهِ : أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهُ عليه السلام عَنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ. فَقَالَ عليه السلام : تَأْخُذُ إحْدَاكُنَّ مَاءَهَا فَتَطَهَّرُ فَتُحْسِنُ الطُّهُورَ أَوْ تَبْلُغُ فِي الطَّهُورِ ثُمَّ تَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهَا فَتَدْلُكُ حَتَّى يَبْلُغَ شُئُونَ رَأْسِهَا ثُمَّ تُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهَا وقال بعضهم : قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى غَسْلِ النَّجَاسَةِ لاَ يُجْزِئُ إلاَّ بِعَرْكٍ وقال بعضهم : قوله تعالى : قال أبو محمد : هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ , وَكُلُّهُ إيهَامٌ وَبَاطِلٌ. أَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ الْغُسْلَ إذَا كَانَ بِتَدَلُّكٍ فَقَدْ أُجْمِعَ عَلَى تَمَامِهِ وَلَمْ يُجْمَعْ عَلَى تَمَامِهِ دُونَ تَدَلُّكٍ فَقَوْلٌ فَاسِدٌ , أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُرَاعَى فِي الدِّينِ لاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الإِجْمَاعِ فِيمَا صَحَّ وُجُوبُهُ مِنْ طَرِيقِ الإِجْمَاعِ أَوْ صَحَّ تَحْرِيمُهُ مِنْ طَرِيقِ الإِجْمَاعِ أَوْ صَحَّ تَحْلِيلُهُ مِنْ طَرِيقِ الإِجْمَاعِ , فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ : وَأَمَّا الْعَمَلُ الَّذِي ذَكَرُوا فَإِنَّمَا هُوَ إيجَابُ اتِّبَاعِ الاِخْتِلاَفِ لاَ وُجُوبُ اتِّبَاعِ الإِجْمَاعِ. وَهَذَا بَاطِلٌ لاَِنَّ التَّدَلُّكَ لَمْ يُتَّفَقْ عَلَى وُجُوبِهِ ، وَلاَ جَاءَ بِهِ نَصٌّ. وَفِي الْعَمَلِ الَّذِي ذَكَرُوا إيجَابُ الْقَوْلِ بِمَا لاَ نَصَّ فِيهِ ، وَلاَ إجْمَاعَ , وَهَذَا بَاطِلٌ , ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ مَنْ نَقَضَ هَذَا الأَصْلَ , وَإِنْ اتَّبَعُوهُ بَطَلَ عَلَيْهِمْ أَكْثَرُ مِنْ تِسْعَةِ أَعْشَارِ مَذَاهِبِهِمْ , أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ إنْ اغْتَسَلَ وَلَمْ يُمَضْمِضْ ، وَلاَ اسْتَنْشَقَ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ لاَ غُسْلَ لَهُ ، وَلاَ تَحِلُّ لَهُ الصَّلاَةُ بِهَذَا الاِغْتِسَالِ , فَيُقَالُ لَهُمْ : فَيَلْزَمُكُمْ إيجَابُ الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ فِي الْغُسْلِ فَرْضًا لاَِنَّهُمَا إنْ أَتَى بِهِمَا الْمُغْتَسِلُ فَقَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ اغْتَسَلَ , وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهِمَا فَلَمْ يَصِحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ قَدْ اغْتَسَلَ , فَالْوَاجِبُ أَنْ لاَ يَزُولَ حُكْمُ الْجَنَابَةِ إلاَّ بِالإِجْمَاعِ. وَهَكَذَا فِيمَنْ اغْتَسَلَ بِمَاءٍ مِنْ بِئْرٍ قَدْ بَالَتْ فِيهِ شَاةٌ فَلَمْ يَظْهَرْ فِيهَا لِلْبَوْلِ أَثَرٌ , وَهَكَذَا فِيمَنْ نَكَسَ وُضُوءَهُ , وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَرَ , بَلْ هُوَ دَاخِلٌ فِي أَكْثَرِ مَسَائِلِهِمْ , وَمَا يَكَادُ يَخْلُصُ لَهُمْ وَلِغَيْرِهِمْ - مَسْأَلَةٌ مِنْ هَذَا الإِلْزَامِ , وَيَكْفِي مِنْ هَذَا أَنَّهُ حُكْمٌ فَاسِدٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ ، وَلاَ سُنَّةٌ لاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْنَا بِالرَّدِّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلاَّ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَقَطْ , وَحُكْمُ التَّدَلُّكِ مَكَانُ تَنَازُعٍ فَلاَ يُرَاعَى فِيهِ الإِجْمَاعُ أَصْلاً. وَأَمَّا خَبَرُ عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، فَسَاقِطٌ لاَِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ أَنَّ عَائِشَةَ , وَعِكْرِمَةُ سَاقِطٌ , وَقَدْ وَجَدْنَا عَنْهُ حَدِيثًا مَوْضُوعًا فِي نِكَاحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ حَبِيبَةَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ , ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ ; لاَِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ لَمْ يُدْرِكْ عَائِشَةَ , وَأَبْعَدَ ذِكْرَهُ رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ أَيَّامَ ابْنِ الزُّبَيْرِ , فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ , لاَِنَّهُ جَاءَ فِيهِ الأَمْرُ بِالتَّدَلُّكِ , كَمَا جَاءَ فِيهِ بِالْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْثَارِ وَالاِسْتِنْشَاقِ ، وَلاَ فَرْقَ , وَهُمْ لاَ يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَرْضًا , وَأَبُو حَنِيفَةَ يَرَى كُلَّ ذَلِكَ فَرْضًا , وَلاَ يَرَى التَّدَلُّكَ فَرْضًا , فَكُلُّهُمْ إنْ احْتَجَّ بِهَذَا الْخَبَرِ فَقَدْ خَالَفُوا حُجَّتَهُمْ وَأَسْقَطُوهَا , وَعَصَوْا مَا أَقَرُّوا أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ عِصْيَانُهُ , وَلَيْسَ لاِِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مِنْ أَنْ تَحْمِلَ مَا وَافَقَهَا عَلَى الْفَرْضِ وَمَا خَالَفَهَا عَلَى النَّدْبِ , إلاَّ مِثْلَ مَا لِلآُخْرَى مِنْ ذَلِكَ , وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّهُ لَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِكُلِّ مَا فِيهِ , فَإِذْ لَمْ يَصِحَّ فَكُلُّهُ مَتْرُوكٌ. وَأَمَّا الْخَبَرُ إنَّ تَحْتَ كُلِّ شَعْرَةٍ جَنَابَةً فَاغْسِلُوا الشَّعْرَ وَأَنْقُوا الْبَشَرَ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ الْحَارِسِ بْنِ وَجِيهٍ , وَهُوَ ضَعِيفٌ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ , لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلاَّ غَسْلُ الشَّعْرِ وَإِنْقَاءُ الْبَشَرِ , وَهَذَا صَحِيحٌ ، وَلاَ دَلِيلَ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لاَ يَكُونُ إلاَّ بِالتَّدَلُّكِ , بَلْ هُوَ تَامٌّ دُونَ تَدَلُّكٍ. وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ خَلِّلْ أُصُولَ الشَّعْرِ وَأَنْقِ الْبَشَرَ فَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ عَنْبَسَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ , وَيَحْيَى بْنِ عَنْبَسَةَ مَشْهُورٌ بِرِوَايَةِ الْكَذِبِ , فَسَقَطَ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ إلاَّ إيجَابُ التَّخْلِيلِ فَقَطْ لاَ التَّدَلُّكِ وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ , لاَِنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ صَبَّ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِهِ وَمَعَكَ بِيَدَيْهِ دُونَ أَنْ يُخَلِّلَهُ أَنْ يُجْزِيَهُ , فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَأَمَّا حَدِيثُ تَأْخُذُ إحْدَاكُنَّ مَاءَهَا فَإِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ صَفِيَّةَ عَنْ عَائِشَةَ , ، وَإِبْرَاهِيمُ هَذَا ضَعِيفٌ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ إلاَّ عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ , لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلاَّ دَلْكُ شُئُونِ رَأْسِهَا فَقَطْ , وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ , فَسَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ الأَخْبَارِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى غَسْلِ النَّجَاسَةِ , فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ ; لاَِنَّ حُكْمَ النَّجَاسَةِ يَخْتَلِفُ , فَمِنْهَا مَا يُزَالُ بِثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ دُونَ مَاءٍ. وَمِنْهَا مَا يُزَالُ بِصَبِّ الْمَاءِ فَقَطْ دُونَ عَرْكٍ. وَمِنْهَا مَا لاَ بُدَّ مِنْ غَسْلِهِ وَإِزَالَةِ عَيْنِهِ فَمَا الَّذِي جَعَلَ غُسْلَ الْجَنَابَةِ أَنْ يُقَاسَ عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ دُونَ بَعْضٍ فَكَيْفَ وَهُوَ فَاسِدٌ عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِ الْقِيَاسِ , لاَِنَّ النَّجَاسَةَ عَيْنٌ تَجِبُ إزَالَتُهَا , وَلَيْسَ فِي جِلْدِ الْجُنُبِ عَيْنٌ تَجِبُ إزَالَتُهَا , فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَيْضًا فَإِنَّ عَيْنَ النَّجَاسَةِ إذَا زَالَ بِصَبِّ الْمَاءِ فَإِنَّهُ لاَ يَحْتَاجُ فِيهَا إلَى عَرْكٍ ، وَلاَ دَلْكٍ , بَلْ يُجْزِئُ الصَّبُّ , فَهَلاَّ قَاسُوا غُسْلَ الْجَنَابَةِ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ فَهُوَ أَشْبَهُ بِهِ إذْ كِلاَهُمَا لاَ عَيْنَ هُنَاكَ تُزَالُ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ : إنَّ قوله تعالى : وَلاَ مَعْنًى لِتَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ فِي الْغُسْلِ ، وَلاَ فِي الْوُضُوءِ, وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَدَاوُد. وَالْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، حدثنا يَحْيَى ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ ، حدثنا زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِوُضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ مَرَّةً مَرَّةً. قَالَ عَلِيٌّ : وَغَسْلُ الْوَجْهِ مَرَّةً لاَ يُمْكِنُ مَعَهُ بُلُوغُ الْمَاءِ إلَى أُصُولِ الشَّعْرِ , وَلاَ يَتِمُّ ذَلِكَ إلاَّ بِتَرْدَادِ الْغُسْلِ وَالْعَرْكِ , وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ : {فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ} وَالْوَجْهُ هُوَ مَا وَاجَهَ مَا قَابَلَهُ بِظَاهِرِهِ , وَلَيْسَ الْبَاطِنُ وَجْهًا وَذَهَبَ إلَى إيجَابِ التَّخْلِيلِ قَوْمٌ , كَمَا رُوِّينَا عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَأَى قَوْمًا يَتَوَضَّئُونَ , فَقَالَ خَلِّلُوا وَعَنِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ أَيْضًا مِثْلَ ذَلِكَ , وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ ، أَنَّهُ قَالَ : اغْسِلْ أُصُولَ شَعْرِ اللِّحْيَةِ , قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : قُلْتُ لِعَطَاءٍ أَيَحِقُّ عَلَيَّ أَنْ أَبُلَّ أَصْلَ كُلِّ شَعْرَةٍ فِي الْوَجْهِ قَالَ نَعَمْ , قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : وَأَنْ أَزِيدَ مَعَ اللِّحْيَةِ الشَّارِبَيْنِ وَالْحَاجِبَيْنِ قَالَ : نَعَمْ , وَعَنِ ابْنِ سَابِطٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ إيجَابُ تَخْلِيلِ اللِّحْيَةِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ , وَرُوِّينَا عَنْ غَيْرِ هَؤُلاَءِ فِعْلَ التَّخْلِيلِ دُونَ أَنْ يَأْمُرُوا بِذَلِكَ , فَرُوِّينَا عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَخَلَّلَ لِحْيَتَهُ وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ مِثْلَ ذَلِكَ , وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِثْلُ ذَلِكَ , وَإِلَى هَذَا كَانَ يَذْهَبُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ , وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ وَأَبِي مَيْسَرَةَ وَابْنِ سِيرِينَ وَالْحَسَنِ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ وَغَيْرِهِ. قال أبو محمد : وَاحْتَجَّ مِنْ رَأَى إيجَابَ ذَلِكَ بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ وَقَالَ : بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي. وَبِحَدِيثٍ آخَرَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ : إنَّ رَبَّكَ يَأْمُرَكَ بِغَسْلِ الْفَنِيكِ وَالْفَنِيكُ الذَّقَنُ خَلِّلْ لِحْيَتَكَ عِنْدَ الطُّهُورِ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَطَهَّرُ وَيُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ , وَيَقُولُ : هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي وَمِنْ طَرِيقِ وَهْبٍ هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي. قال أبو محمد : وَكُلُّ هَذَا لاَ يَصِحُّ , وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ : أَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَإِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ زَوَرَانَ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَالطَّرِيقُ الآخَرُ فِيهَا عُمَرُ بْنُ ذُؤَيْبٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَالطَّرِيقُ الثَّالِثَةُ مِنْ طَرِيقِ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ وَهُوَ مَغْمُوزٌ بِالْكَذِبِ , وَالطَّرِيقُ الرَّابِعَةُ فِيهَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمَّازٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ , عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ وَهُوَ لاَ شَيْءَ , فَسَقَطَتْ كُلُّهَا. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَوَجَدْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ نَافِعٍ مَوْلَى يُوسُفَ وَهُوَ ضَعِيفٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ , وَالآُخْرَى فِيهَا مَجْهُولُونَ لاَ يُعْرَفُونَ , وَاَلَّذِي مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ لَمْ يُسَمَّ فِيهِ مِمَّنْ بَيْنَ ابْنِ وَهْبٍ وَرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدٌ , فَسَقَطَ كُلُّ ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْ اسْتَحَبَّ التَّخْلِيلَ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُخَلِّلُ لِحْيَتَهُ وَعَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ عَائِشَةَ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْفَى مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ الْحَسَنِ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ أَبِي أَيُّوبَ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ أَنَسٍ مِثْلُ ذَلِكَ. وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ مِثْلُ ذَلِكَ , وَعَنْ جَابِرٍ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ. قال أبو محمد : وَهَذَا كُلُّهُ لاَ يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ : أَمَّا حَدِيثُ عُثْمَانَ فَمِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ , عَنْ عَامِرِ بْنِ شَقِيقٍ , وَلَيْسَ مَشْهُورًا بِقُوَّةِ النَّقْلِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَمَّارٍ فَمِنْ طَرِيقِ حَسَّانَ بْنِ بِلاَلٍ الْمُزَنِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ , وَأَيْضًا فَلاَ يُعْرَفُ لَهُ لِقَاءٌ لِعَمَّارٍ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ فَإِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ رَجُلٍ مَجْهُولٍ لاَ يُعْرَفُ مَنْ هُوَ شُعْبَةُ يُسَمِّيهِ عَمْرَو بْنَ أَبِي وَهْبٍ. وَأُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ يُسَمِّيهِ عِمْرَانَ بْنَ أَبِي وَهْبٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي أَوْفَى فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْوَرْقَاءِ فَائِدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعَطَّارِ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَسْقَطَهُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمْ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ فَمِنْ طَرِيقِ وَاصِلِ بْنِ السَّائِبِ وَهُوَ ضَعِيفٌ , وَأَبُو أَيُّوبَ الْمَذْكُورُ فِيهِ لَيْسَ هُوَ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ صَاحِبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ ابْنُ مَعِينٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ سَلَمَةَ فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ إلْيَاسِ الْمَدِينِيِّ , مِنْ وَلَدِ أَبِي الْجَهْمِ بْنِ حُذَيْفَةَ الْعَدَوِيِّ وَهُوَ سَاقِطٌ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ , وَلَيْسَ هُوَ خَالِدُ بْنُ إلْيَاسِ الَّذِي يَرْوِي عَنْهُ شُعْبَةُ , ذَا بَصْرِيٌّ ثِقَةٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَهُوَ مِنْ طَرِيقِ أَصْرَمَ بْنِ غِيَاثٍ , وَهُوَ سَاقِطٌ أَلْبَتَّةَ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَسَنِ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ فَمُرْسَلاَنِ , فَسَقَطَ كُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ يَحْتَجُّ بِحَدِيثِ مُعَاذٍ " أَجْتَهِدُ رَأْيِي " وَيَجْعَلُهُ أَصْلاً فِي الدِّينِ وَبِأَحَادِيثِ الْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ وَبِالْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلاَةِ , وَبِحَدِيثِ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ , وَيَدَّعِي فِيهَا الظُّهُورَ وَالتَّوَاتُرَ أَنْ يُحْتَجَّ بِهَذِهِ الأَخْبَارِ فَهِيَ أَشَدُّ ظُهُورًا وَأَكْثَرُ تَوَاتُرًا مِنْ تِلْكَ , وَلَكِنَّ الْقَوْمَ إنَّمَا هَمَّهُمْ نَصْرُ مَا هُمْ فِيهِ فِي الْوَقْتِ فَقَطْ. وَاحْتَجَّ أَيْضًا مِنْ رَأَى التَّخْلِيلَ بِأَنْ قَالُوا : وَجَدْنَا الْوَجْهَ يَلْزَمُ غَسْلُهُ بِلاَ خِلاَفٍ قَبْلَ نَبَاتِ اللِّحْيَةِ , فَلِمَا نَبَتَتْ ادَّعَى قَوْمٌ سُقُوطَ ذَلِكَ وَثَبَتَ عَلَيْهِ آخَرُونَ , فَوَاجِبٌ أَنْ لاَ يَسْقُطَ مَا اتَّفَقْنَا عَلَيْهِ إلاَّ بِنَصٍّ آخَرَ أَوْ إجْمَاعٍ قال أبو محمد : وَهَذَا حَقٌّ , وَقَدْ سَقَطَ ذَلِكَ بِالنَّصِّ ; لاَِنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ غَسْلَهُ مَا دَامَ يُسَمَّى وَجْهًا , فَلَمَّا خَفِيَ بِنَبَاتِ الشَّعْرِ سَقَطَ عَنْهُ اسْمُ الْوَجْهِ , وَانْتَقَلَ هَذَا الاِسْمُ إلَى مَا ظَهَرَ عَلَى الْوَجْهِ مِنْ الشَّعْرِ , وَإِذْ سَقَطَ اسْمُهُ سَقَطَ حُكْمُهُ , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
|