الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك **
الجزء الثاني
في مستهل المحرم: قدم البريد بوصول الأمير سيف الدين قطايا بن سيغرا أمير بني كلاب في عدة من مشايخ العرب ثم قدم فأكرمه السلطان والأمراء وأعيدوا إلى حلب. وكان من خبر قطايا أنه لما خرج عن طاعة السلطان وعاث في أعمال حلب وأفسد طلبه عساكر حلب ففر إلى بلاد الشرق وأقام مع المغل فأكرموه مدة حياة الملك محمود غازان حتى مات فلم يجد بعدئذ ما كان بعهده فترامى على نائب حلب ومازال يستعطفه في أن يأذن له في العود بعد الشفاعة له إلى السلطان فأجاب سؤاله وكاتب فيه فعفي عن ذنبه أعيدت له إقطاعاته بحلب. وقدم البريد بوقوع الفتنة بين الأمراء أسندمر كرجي نائب طرابلس والأمير بالوج الحسامي من أمرائها من أجل أن أسندمر استخدم في ديوانه سامرياً كاتباً يقال له أبو السرور فزاد تحكمه وأخذ يتجر لمخدومه في عدة بضائع وركب الخيول المسومة بالسروج المحلاة بالذهب والفضة وتصرف في عامة الأمور بطرابلس حتى كثرت أمواله وسعاداته وتزايد شره وضرره وكثرت شكاية الناس منه. فقام الأمير بالوج في ذلك وتحدث مع أمراء طرابلس في إزالته عن المسلمين وواعدهم على نصرته ومعاونته إياهم. ثم قام في يوم الموكب للنائب أسندمر وذكر له ما أصاب الناس من كاتبه السامري وما هم فيه من الضرر فرد عليه رد اً غير جيد وجبهه بالتكذيب فيما نقله وأغلظ عليه حتى اشتد غضب الأمير بالوج منه - وكان قوي النفس شرس الأخلاق - وحلف بالأيمان المغلظة ليضربن رقبة السامري وقام من مجلس النائب. فكتب فيه النائب أسندمر يشكو منه شكوى طويلة عريضة فأعيد جوابه بالقبض على الأمير بالوج وحبسه فأخذ سيفه وسجنه فاشتدت عند ذلك وطأة السامري على الناس فتجردوا له وكتبوا فيه محاضر بقوادح حفظت عنه وأثبتوها بدمشق. فكتب الأمير جمال الدين أقوش الأفرم نائب الشام فيه فقام الأمير بيبرس الجاشنكير في ذلك. وكتب بحمل السامره إلى دمشق وتسليمه للقاضي المالكي. والإفراج عن بالوج فأفرج عنه وأنعم عليه وقيد السامري وسلمه للبريد فسار به إلى حمص فاتفق قتله بها واتهم أسندمر أنه دس عليه من ضرب عنقه حتى لا يتمكن منه فحملت رأسه إلى دمشق. وفيهما حكم قاضي المالكية بإراقة دم شمس الدين محمد بن الباجريقي ففر من دمشق وقدم الأمير سلار من الحب في نصف صفر وقد فعل في الحجاز أفعالاً جميلة منها: أنه كتب أسماء المجاورين بمكة وأوفى عنهم جميع ما كان عليهم من الديون لأربابها وأعطى لكل منهم بعد وفاء دينه مئونة سنة ووصلت مراكبه إلى جدة سالمة ففرق ما فيها على سائر أهل مكة جليلهم وحقيرهم وكتب سائر الفقراء وجميع الأشراف وحمل إليهم الدنانير والدراهم والغلة بقدر كفاية كل منهم سنة فلم تبق بمكة امرأة ولا رجل ولا صغير ولا كبير ولا غني ولا فقير عبد أو حر شريف أو غير شريف إلا وعمه ذلك ثم استدعى الزيلع وفرق فيهم الذهب والفضة والغلال والسكر والحلوى حتى عم سائرهم وبعث مباشريه إلى جدة ففعلوا فيها كما فعل هو بمكة. وحمل ما بقي إلى المدينة النبوية فما بلغ وادي بني سالم وجد العرب قد أخذوا عدة جمال من الحجاج فتبعهم واخذ منهم خمسين رجلاً فأفتاه الفقهاء بأنهم محاربون فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وعم أهل المدينة بالعطايا كما عم أهل مكة فكان الناس بالحرمين يقولون: يا سلار! كفاك الله هم النار و لم يسمع عن أحد فعل من الخير كما فعل. وقدم البريد من حلب بحضور جماعة من المغل وافدين إلى بلاد الإسلام نحو مائتي فارس بنسائهم وأولادهم وفيهم عدة من أقارب غازان وبعض أولاد سنقر الأشقر فكتب بإكرامهم فقدموا إلى القاهرة في جمادى الأولى وقدم معهم أخوا سلار وهما فخر الدين داود وسيف الدين جبا وقدمت أيضاً أم سلار. فرتبت لهم الرواتب وأعطوا الإقطاعات وفرق جماعة منهم على الأمراء. وأنشأ سلار لأمه داراً بإسطبل الجوق الذي عمله العادل كتبغا ميداناً ثم عرف بحكر الخازن ورقى أخويه وأعطاهم الإمريات وقدم الأمير حسام الدين أزدمر المجيري وعماد الدين على بن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عبد العلي بن معرف بن السكري من بلاد الشرق إلى دمشق في رابع عشرى شعبان ودخلا القاهرة أول رمضان ومعهما كتاب خر بندا وهديته فتضمن كتابه جلوسه على تخت الملك بعد أخيه محمود غازان وخاطب السلطان بالأخوة وسأل إخماد الفتن وطلب الصلح وقال في آخر كلامه: عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه. فأجيب وجهزت له الهدية وأكرم رسوله وسفر معه علاء الدين على ابن الأمير سيف الدين بلبان القلنجقي أحد مقدمي الحلقة والصدر سليمان المالكي المرتقى أحد العدول فتوجهوا في أول ذي القعدة وعاد علاء الدين وسليمان المالكي في رمضان من سنة خمس وسبعمائة. وقدم بدر الدين محمد بن فضل الله بن مجلي من بلاد غازان إلى دمشق في ثالث عشرى جمادى الآخرة. وقدم رسل الملك طقطاي صاحب سراي وبر القبجاق في أول ربيع الأول وأنزلوا بمناظر الكبش وأجريت لهم الرواتب. ثم حضروا بهديتهم وكتاب ملكهم وهو يتضمن الركوب لحرب غازان ليكون في المساعدة عليه فأجيب بأن الله قد كفاهم أمر غازان وأن أخاه خربندا قد أذعن للصلح وجهزت له هدية خرج بها مع الرسل الأمير سيف الدين بلبان الصرخدي إلى الإسكندرية وساروا في البحر. وقدم عدة من التجار وشكوا من المؤيد هزبر الدين داود بن يوسف بن عمر بن على ابن رسول ملك اليمن وكان مع ذلك قد قطع الهدية التي كانت تحمل من اليمن ومبلغها ستة آلاف دينار يشتري بها أصناف وتسير إلى قلعة الإسماعيلية مع هدية تختص بالسلطان. وكان المظفر يوسف بن المنصور عمر بن على بن رسول حملها مدة أربعين سنة ثم حملها ابنه الأشرف فلما خرج عليه هزبر الدين داود بن المظفر يوسف بن المنصور بن على رسول قطع الجهتين واستخف بسلطان مصر فكتب إليه بالإنكار والتهديد وسير إليه مع ناصر الدين الطوري وشمس الدين ومحمد بن عدلان ومعهما كتاب الخليفة أيضاً يالإنكار عليه والتهديد وأمره أن يحمل المقرر على العادة. وقدم أياي ملك دمقلة من بلاد النوبة بهدية ما بين جمال وأبقار ورقيق وشب وسنبادج وطلب عسكراً فأنزل بدار الضيافة وعن معه الأمير سيف الدين طقصبا والي قوص وجماعة الوافدية وعدة من أجناده الحلقة نحو ثلاثمائة فارس ومن أجناد الولاة بالوجه القبلي ومن العربان جماعة كبيرة. فاجتمعوا من البر والبحر بقوص وسار بهم طقصبا مع أياي ملك النوبة.
وفيها بعث الأمير ركن الدين بيبرس الدوادار إلى القاضي شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله كاتب السر أن يكتب نائب الشام كتاباً فقال: لابد من مشاورة السلطان أو النائب فغضب بيبرس واستدعاه فلما جاءه لم يكترث به وقال له: كيف أقول لك - والك - اكتب ما تكتب فقال: تأدب يا أمير ولا تقول والك فقام بيبرس وضربه على رأسه ثلاث ضربات فخرج من عنده إلى الأمير سلار النائب وعرفه ما جرى عليه فأقره عنده. واجتمع بالأمراء وقت الخدمة وعرف الأمير بيبرس الجاشنكير الخبر فشق عليه وعلى بقية الأمراء ذلك واتفقوا على بيبرس الدوادار فأخذ سيفه وعوق من بكرة النهار إلى الظهر وعنف تعنيفاً زائداً وعزل من الدوادارية واستقر عوضه الأمير أيد مر. وقدم البريد من دمشق بأن تقي الدين أحمد بن تيمية تنازع مع أهل دمشق في الصخرة التي بمسجد النارنج بجوار مصلى دمشق وأن الأثر الذي بها هو قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأن ما يفعله الناس من التبرك به وتقبيله لا يجوز وإنه مضى بالحجارين وقطع الصخرة في سادس عشر رجب وقد أنكر عليه الناس ما فعله فأجيب إن كان الأمر على ما زعم فقد فعل الخير وأزال بدعة وان كان الأمر بخلاف ما قال فإذا تبين صحته يقابل على ما فعله. وقدم أيدغدي الشمهرزوري رسولاً من جهة أبي يعقوب يوسف بن يعقوب بن عبد الحق بن
محيو بن أبي بكر بن جماعة المريني ملك المغرب بهدية جليلة وقدم معه ركب المغاربة يريدون الحج وكان قد انقطع من بلاد المغرب منذ سنين. فجهزهم أبو يعقوب وبعث معهم مصحفاً غشاه بالذهب المرصع بالجوهر الرائع ووقفه في الحرم. فأكرم أيدغدي وأنزل بالميدان وأجريت عليه الرواتب وكان أيدغدي هذا لما قبض على يعقوب في الأيام الظاهرية فر في جماعة من الأكراد إلى برقة وقدم على أبي يعقوب بهدية. ففر به وقدمه حتى صار في منزلة وزير وحسنت سيرته عندهم إلى أن بعثه أبو يعقوب بالهدية ليحج. وفيها بنى الأمير موسى بن الصالح على بن قلاوون على ابنة الأمير سلار النائب مملوك أبيه الصالح. وعمل مهم عظيم جداً وجهزت ابنة سلار بمائة وستين ألف دينار ومشى في زفته الأمير بيبرس الجاشنكير وسائر الأمراء وحمل كل منهم التقادم من الشمع وغيره. فحمل الأمراء إليه ثلاثمائة وثلاثين قنطاراً من الشمع. وفيها أوقع بالوزير ناصر الدين محمد بن الشيخي: وسببه أن الأمير سلار النائب لما قدم من الحجاز عرفه الجمدارية اجتماعه بالسلطان على تروجة ومسارته له وحمله مبلغ ألفي دينار وأنه فاوضه في أمر الأمراء وشجعه عليهم وأن السلطان كلما احتاج إلى شيء استدعى به
منه فيحمله إليه. فشق ذلك على سلار وحرك منه ما في نفس من كراهته له. وكان الأمير بيبرس الجاشنكير قد عزم على الحج فأراد مبادرة ابن الشيخي قبل سفر بيبرس لئلا يوقع به في غيبته فشق ذلك عليه فاستشار الأمير علم الدين سنجر الجاولي في أمره فاتفقا على إقامة شخص من الأقباط يرافعه ويحقق في جهته مال السلطان. وندب لذلك من وقع الاختيار عليه. فكتب أوراقاً وجلس الأمراء في الخدمة فعرفهم سلار ما بلغه عن الوزير ومماليكه وحط عليه. فقال الأمراء بأجمعهم: متى ظهر في قبله شىء قطع جلده بالمقارع واستدعى. فلما حضر قال لي سلار: اسمع ما يقول هذا الرجل من أنك أخذت مال السلطان وخنته وقد عرفت الشرط وأشار للرجل بمحاققته. فقال ابن الشيخي لشؤم بخته: ومن هذا القطعة النحس حتى أتكلم معه أو يسمع منه في حق مثلى ما يقوله. فاشتد عند ذلك غضب سلار وقال له: يا قواد يا قطعة نحس إيش أنت حتى تكبر نفسك واذا حضر واحد يعرفنا خيانتك تخرق به قدامنا أما لنا حرمة عندك وأمر الحاجب فضربه على رأسه إلى أن خرب شاشه. وسلمه إلى شاد الدواوين وأمره بمعاقبته ومعاقبة مماليكه كبك وبكتوت وغيره فأخذ سيفه في آخر يوم من شعبان ومضى به هو ومماليكه وشاور عليه من الغد فأمر بمطالبته بالحمل فأخذ في تحصيل المال ولا يمر به يوم إلا ويخرق به عز الدين ايبك الشجاعي شاد
الدواوين وينكل به لما كان نفسه من تكبره عليه ومشيه في ركابه هو ووالى القاهرة عند قربه من داره. ثم إنه جلس بالصناعة في مصر واستدعاه من القلعة فنزل راكباً حماراً وشق به أسواق مصر إلى الصناعة فثار به أهل مصر يريدون رجمه وسبوه. ثم أعاده و لم يزل على ذلك إلى يوم الأربعاء ثاني عشر رمضان فاستدعى سعد الدين محمد بن عطايا ناظر البيوت واستقر في الوزارة. وجلس والأمير علم الدين سنجر الجاولي قائم بين يديه يؤخر ما يوقع عليه من الأوراق وكان ابن عطايا قبل هذا بثلاثة أيام قد رؤى قائماً بين يدي الجاولي يقرأ عليه ورقة حساب. واستمر ابن الشيخي إلى ليلة عيد الفطر وبيبرس الجاشنكير لا يتحدث في أمره بشىء وإذا عرض عليه شاد الدواوين شيئاً من أموره قال له: مهما رسم نائب السلطان افعله. هذا وقد ثقل عليه في أمر ابن الشيخي زوجته بنت بهادر رأس نوبة وولداها جركتمر وأميرعلى وأخوهما خليل وكانوا من خواص الأمير بيبرس وهو يعدهم بخلاصه إلى أن اجتمع والأمراء عند النائب فتحدث معه في خلاصه فعرفه ما كان منه مع السلطان على تروجة فأمسك عنه وقام. وفيها توجه الأمير بيبرس الجاشنكير إلى الحجاز مرة ثانية في أول ذي القعدة ومعه علاء الدين
ايدغدي الشمهرزوري رسول ملك المغرب والأمير بيبرس المنصوري الدوادار والأمير بهاء الدين يعقوب في جماعة كثيرة من الأمراء. وكان فد خرج الركب في عالم كثير من الناس مع الأمير عز الدين أيبك الخازندار زوج ابنة الملك الظاهر بيبرس إلى البركة فكثر الحجاج وقسموا ثلاث ركوب: ركب مع الأمير بيبرس المنصوري وركب مع الأمير يعقوبا وركب مع أيبك وعندما سار الأمير بيبرس الجاشنكير رسم النائب سلار لشاد الدواوين فضرب ابن الشيخي في يومه بالمقارع واستمر يعاقبه حتى مات من العقوبة في سابعه. وفيها سار الشريفان حميضة ورميثة من القاهرة مع الأمير عز الدين أيدمر الكوكندي إلى مكة فقبض الأمير بيبرس الجاشنكير على الشريفين أبي الغيث وعطفة وولى مكانهما حميضة ورميثة. وفيها: وجد الحاج عدة مشاق: منها قلة الماء وغلاء السعر وهبوب سمائهم محرقة هلك منها خلق كثير من جفاف قرب الماء. وأخذ الحاج من وادي النار على طريق أخرى فتاهوا وهلك منهم عالم كبير. وبلغ الشعير كل ويبة بأربعين درهماً والدقيق كل وبية بستين. وفيها: قدم الأمير بكتاش الفخري أمير سلاح بمن معه من غزاة سيس وفيها أجدب الشام من الغور إلى العريش وجفت المياه ونزح الناس عن أوطانهم من العطش وخلا من الصفقة القبلية ألفان وثمانمائة قرية.
وفيها ظهر في معدن الزمرد قطعة زنتها مائة وخمسة وسبعون مثقالًا فأخفاها الضامن وحملها إلى بعض الملوك فدفع له فيها مائة وعشرين ألف درهم فأبى بيعها فأخذها منه وبعث بها إلى السلطان فمات الضامن غماً. وفيها: توجه شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية في ذي الحجة من دمشق ومعه الأمير بهاء الدين قراقوش المنصوري إلى أهل جبل كسروان يدعوهم إلى الطاعة فلم يجيبوا. فجمعت العساكر لقتالهم. وفيها: قام بأمر المدينة النبوية الشريف ناصر الدين أبو عامر منصور بعد موت أبيه الأمير عز الدين أبي سفر جماز بن شيحة في ربيع الآخر. وبلغ النيل سبعة عشر ذراعاً. وثمانية عشر إصبعاً. ومات في هذه السنة زين الدين أحمد بن الصاحب فخر الدين محمد بن الصاحب بهاء الدين على بن محمد بن سليم بن حنا في ليلة الخميس ثامن صفر وكان فقيها شافعياً فاضلاً متديناً رئيساً وافر الحرمة محباً لأهل الخير ومات فتح الدين أحمد بن محمد بن سلطان القوصي الشافعي وكيل بيت المال
ومات شمس الدين أحمد بن على بن هبة الله بن السديد الإسنائي خطيب إسنا ونائب الحكم بها وبأدفو وبقوص في رجب وكان قد انتهت إليه رياسة الصعيد وبنى بقوص مدرسة وكان قوى النفس كثير العطاء مهيبا ممدوحاً يبذل في بقاء رياسته الآلاف فيقال إنه بذل في نيابة الحكم بقوص ثمانين ألف درهم فسار إلى مصر ومات بها. ومات الأمير بيبرس الموفقي المنصوري أحد أمراء دمشق بها في يوم الأربعاء ثالث عشرى جمادى الآخرة مخنوقاً وهو سكران. ومات الأمير الشريف عز الدين جماز بن شيحة أمير المدينة النبوية وقد أضر وقام بالإمرة الأمير ناصر الدين منصور بن جماز. ومات بهاء الدين عبد الحسن بن الصاحب محي الدين محمد بن أحمد بن هبة الله ويعرف بأبي جرادة مات بالقاهرة وكان سخياً مباركاً فاضلاً حدث عن يوسف بن خليل وغيره. ومات علم الدين عبد الكريم بن على بن عمر الأنصاري المعروف بالعلم العراقي الفقيه الشافعي مدرس التفسير بالقبة المنصورية يوم الثلاثاء سادس صفر عن بضع وثمانين سنة وكان عالم مصر. ومات تاج الدين على بن أحمد بن عبد المحسن الحسينى العراقي الإسكندراني شيخ
الإسكندرية الإمام المحدث في ذي الحجة تفرد بالرواية عن جماعة ورحل الناس إليه وكان فقيهاً عالماً. ومات نجم الدين عمر بن أبي القاسم بن عبد المنعم بن محمد بن الحسن بن الكاتب بن أبي الطيب الدمشقي ناظر المارستان النوري بدمشق وناظر الخزانة ووكيل بيت المال بها ليلة الثلاثاء نصف جمادى الآخرة وكان فقيهاً مدرساً مشكوراً في ولاياته. ومات أمين الدين محمد بن الشيخ قطب الدين محمد بن أحمد بمكة في المحرم وسمع الحديث بمكة وانتهت إليه مشيخة الحديث بها. ومات شمس الدين محمد بن الصاحب شرف الدين إسماعيل بن أبي سعيد بن التيتي الآمدي أحد الأمراء ونائب دار العدل بقلعة الجبل. ومات الأمير مبارز الدين سوار الرومي أمير شكار أحد الوافدية من الروم في الأيام الظاهرية وكان كريماً شجاعاً متديناً. ومات الأمير سيف الدين بهادر سمر مقتولًا بأيدي عرب الشام. ومات الأمير الوزير ناصر الدين محمد - ويقال ديباى - الشيخي تحت العقوبة في سابع ذي القعدة وأخرج على جنوية إلى القرافة فدفن بها وكان فيه مكارم وعصبة ومروءة ويكتب
الخط المليح ويعرف صناعة الحساب مع الظلم والعسف والتكبر وأحدث مظالم عديدة وأصله من بلاد ماردين وقدم مع شمس الدين محمد بن التيتي إلى دمشق وسار منهما إلى القاهرة مجرداً فقيراً يمشي على قدميه وتعيش في خياطة الأقباع ببعض أسواق القاهرة مدة ثم تزيا بزي الأجناد وخدم مع الشادين ولازم الوقوف في خدمة الحسام برناق شاد الكيالة زماناً حتى عرف دخل المباشرة وخرجها فتلطف مع بعض مقطعي الكيالة وأوعدهم حتى ضمن ساحل الغلة ببولاق فشدد فيه حتى فاض معه جملة وخدم الصاحب فخر الدين بن الخليلي وهادى الأمراء إلى أن ولى شد الدواوين بإمرة عشرة وانتقل منها إلى شد الجيزية وولاية القاهرة وجمع بينهما فصار من أمراء الطبلخاناه وولى الوزارة فكان فيها حتفه. ومات الشريف شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الشهاب أبي على الحسين بن شمس الدين أبي عبد الله محمد الأرموي نقيب الأشراف في تاسع عشر شوال وولى نقابة الأشراف بعده الشريف بدر الدين بن عز الدين وقتله بدمشق أبو السرور السامري كاتب الأمير سيف الدين أسندمر كرجي نائب طرابلس.
في أول المحرم: باشر جلال الدين محمد بن عبد الرحمن بن عمر القزويني نيابة الحكم بدمشق عن نجم الدين أحمد بن صصري. وفي ثانيه: سار الأمير جمال الدين أقوش الأفرم نائب الشام من دمشق في عساكرها لقتال أهل حبال كسروان ونادى بالمدينة من تأخر من الأجناد والرجالة شنق. فاجتمع له نحو الخمسين ألف راجل وزحف بهم لمهاجمة أهل تلك الجبال ونازلهم وخرب ضياعهم وقطع كرومهم ومزقهم بعدما قاتلهم أحد عشر يوماً قتل فيها الملك الأوحد شادي بن الملك الزاهر داود وأربعة من الجند وملك الجبل عنوة ووضع فيهم السيف وأسر ستمائة رجل وغنمت العساكر منهم مالاً عظيماً وعاد إلى دمشق في رابع عشر صفر. وقدم الأمير بيبرس الجاشنكير من الحجاز ومعه الشريفان أبو الغيث وعطيفة فرتب لهما ما يكفيهما وصارا يركبان مع الأمراء وقدم الحاج ورسم بتجهيز الهدية إلى ملك الغرب وصحبتها عشرون إكديشاً من أكاديش التتر وعشرون أسيراً منهم وشيء من طبولهم وقسيهم وخرج بها - مع أيدغدي الشهرزوري - علاء الدين أيدغدي التسليلي الشمسي مملوك سنقر
الأشقر والأمير علاء الدين أيدغدي الخوارزمي. واستقر أمين الدين أبو بكر بن وجيه الدين عبد العظيم بن يوسف بن الرقاقي في نظر الشام عوضاً عن شهاب الدين بن ميسر. وعزل شمس الدين محمد بن عثمان بن الحريري عن قضاء الحنفية بدمشق وكتب باستقرار شمس الدين الأذرعي عوضاً عنه وسبب عزل أنه وجد بخطة ان الشيخ تقي الدين أحمد بن تميمة لم يرى الناس بعد سلف الصالح مثله فاتفق أن البريدي لما توجه بتقليد الأذرعي ظن أنه للحريري وقدم دمشق والنائب قد خرج إلى الصيد فأعطى التقليد للحريري فقام إلى المدرسة الظاهرية وحكم وكان ابن الأذرعي يظنها له فيئس واغتم لذلك. ثم قرئ الثقليد بحضره الناس فإذا هر باسم الأذرعي فقام الحريري خجلاً واستدعى الأذرعي فجلس وحكم. وفيها: أظهر ابن تيمية الإنكار على الفقراء الأحمدية فيما يفعلونه: من دخولهم في النيران المشتعلة وأكلهم الحيات ولبسهم الأطواق الحديد في أعناقهم وتقلدهم بالسلاس على مناكبهم وعمل الأساور الحديد في أيديهم ولفهم شعورهم وتلبيدها. وقام في ذلك قياماً عظيماً بدمشق وحضر في جماعة إلى النائب وعرفه أن هذه الطائفة مبتدعة فجمع له ولهم الناس من أهل العلم فكان يوماً مشهوداً كادت أن تقوم فيه فتنة واستقر الأمر على العمل بحكم الشرع ونزعهم هذه الهيئات.
وفيها اقطع السلطان في جمادى الآخرة جبال كسروان بعد فتحها للأمير علاء الدين بن معبد البعلبكي وسيف الدين بكتمر عتيق بكتاش الفخري. وحسام الدين لاجين وعز الدين خطاب العراقي فركبوا بالشربوش وخرجوا إليها فزرعها لهم الجبلية ورفعت أيدي الرفضة عنها. وفيها أخر متملك سيس الحمل الجاري به العادة فبعث إليه نائب حلب أستاداره قشتمر الشمسي أحد مقدمي حلب على عسكر نحو الألفين وفيهم الأمير شمس الدين أقسنقر الفارسي والأمير فتح الدين صبرة المهمندار والأمير قشتمر النجيبي وقشتمر المظفري في ذي الحجة من السنة الماضية. فشنوا الغارات على بلاد سيس ونهبوا وحرقوا كثيراً من الضياع وسبوا النساء والأطفال في المحرم. وكان قد وصل إلى سيس طائفة من التتار في طلب المال فركب التتار مع صاحب سيس وملكوا رأس الدربند فركب العسكر لقتالهم وقد انحصروا فرمى التتار عليهم بالنشاب والأرمن بالحجارة فقتل جماعة وأسر من الأمراء ابن صبرة وقشتمر النجيبي وقشتمر المظفري في آخرين من أهل حلب وخلص قشتمر مقدم العسكر وآقسنقر الفارسي. وتوجه التتار بالأسرى إلى خربندا بالأردن فرسم عليهم: وبلغ نائب حلب خبر الكسرة فكتب بذلك إلى السلطان والأمراء فرسم بخروج الأمير بكتاش أمير سلاح وبيبرس الدوادار وأقوش الموصلي فتال السبع والدكن السلاح دار فساروا من القاهرة في نصف شعبان على أربعة آلاف فارس. فبعث متملك سيس الحمل واعتذر بأن القتال لم يكن منه وإنما كان من التتر ووعده بالتحيل في إحضار الأمراء المأسورين فرجع الأمير بكتاش بمن معه من غزة. وفيها أفرج عن الأمير سيف الدين الحاج بهادر الجكمي الظاهري وأخرج إلى دمشق على إقطاع قيران مشد الدواوين واستقر حاجباً بدمشق عوضاً عن الأمير بكتمر الحسامي ونقل بكتمر من الحجوبية إلى شد الدواوين وقبض على قيران وصودر. وفيها قدم رسول ملك قسطنطينية ومعه رسول الكرج بهدايا وكتاب يتضمن الشفاعة في فتح الكنيسة المصلبة بالقدس لزيارة الكرج لها وأن الكرج تكون في طاعة السلطان وعوناً له متى احتاج إليهم. فكتب بفتح الكنيسة ففتحت وأعيد الرسول بالجواب. وفيها توقفت الأحوال بالقاهرة لكثرة الفلوس وما دخل فيها من الخفاف الوزن وارتفع سعر القمح من عشرين درهماً الأردب إلى أربعين. فرسم بضرب فلوس جدد وعملت الفلوس الخفاف بدرهمين ونصف الرطل فمشت الأحوال. وفيها قام شمس الدين محمد بن عدلان بالقاهرة وأنكر على تقي الدين أحمد بن تيمية فتوى رآها قي مسالة الاستواء ومسألة خلق القرآن واجتمع بالقضاة في لنائب آل الأمر فيه إلى أن كتب ابن تيمية خطه وأشهد عليه إنه شافعي المذهب يعتقد ما يعتقده الإمام الشافعي وانه أشعري الاعتقاد. فنودي بدمشق من ذكر عقيدة ابن تيمية شنق فاشتد حينئذ ابن عدلان وقام معه قاضي القضاة زين الدين على بن مخلوف المالكي. وحرض الأمراء عليه. ومازال بهم حتى خرج الأمير ركن الدين العمري الحاجب على البريد بحمله وحمل أخيه شرف الدين عبد الرحمن إلى القاهرة. وطلب الأمير ركن الدين نجم الدين أحمد بن صصري ووجيه الدين بن المنجا وتقي الدين شقير وأولاد ابن الصائغ فأحضروهم يوم الخميس ثاني عشر رمضان فاجتمع القضاة والفقهاء بقلعة الجبل وحضر الأمراء فادعى ابن عدلان على ابن تيميه فلم يجبه وقام يخطب فصاح عليه القاضي زين الدين بن مخلوف المالكي: نحن أحضرناك للدعوى عليك ما أحضرناك خطيباً وألزمه بالجواب. فقال له: أنت عدوي لا يجوز حكمك على فأمر باعتقاله فأخذ وسجن بحارة الديلم من القاهرة هو وأخوه. وخلع على ابن صصري وأعيد إلى دمشق ومعه كتاب ليقرأ على الجامع بالمنع من الكلام في العقائد والنهي عن اعتقاد شيء من فتاوى ابن تيمية وأن يكتب على الحنابلة محاضر بالرجوع وفيها قطع خبر الأمير الكبير بكتاش الفخري أمير سلاح الصالحي النجمي: وسبب ذلك أنه مرض وقد أناف على الثمانين فخاف أستاداره بكتمر الفارسي من موته وأن يطالب من ديوان السلطان بتفاوت الإقطاع في مدة إمرته وهي ستون سنة وأن يلزم بالتقاوى السلطانية وحسن لولده ناصر الدين محمد أن يمضي إلى الأمير بيبرس وسلار على لسان أبيه بان يتحدثا مع السلطان بأنه قديم هجرة وله خدمة في البيت المنصوري وقد أسن وعجز عن الركوب ولا يحل له أكل هذا الإقطاع بغير استحقاق ويسألاه في إخراجه عنه وكتابة مسموح لأولاده ومباشريه بما يخص السلطان من تفاوت الإقطاعات والانتقالات من تاريخ إمرته إلى خروج الإقطاع عنه وخيله إنه متى لم يفعل ذلك حتى يموت والده لم يبق لهم من بعده وجود ويحتاج إلى الاستدانة ليوفي الديوان السلطاني مستحقه. فانفعل لذلك وبلغ ما رتبه الأستادار عن أبيه إلى بيبرس وسلار فتألما وبكيا ودخلا به إلى السلطان فأعاد ناصر الدين محمد له الرسالة بحضور الأمراء فأجيب وكتب المسموح ونصه: رسم بالأمر الشريف شرفه الله وعظمه أن يسامح المقر العالي المولوي الأميري البدري بكتاش الفخري الصالحي أمير سلاح بجميع ما عليه من تفاوت الإقطاعات المنتقل إليها والمنتقل عنها من غير طلب تفاوت ولا تقاو ولا ما يخص الديوان الشريف من هلالي وخراجى وغيره مسامحة وانعاماً عليه لما سلف له من الخدمة وتقادم الهجرة مسامحة لا رد فيها ولا رجوع عنها بحيث لا يطالب بشئ قل ولا جل لما مضى من الزمان وإلى يوم تاريخه لنزوله عن إقطاعه حسب سؤاله وتوجه إليه الأمير شمس الدين سنقر الكمالي الحاجب والأمير بدر الدين محمد بن الوزيرى بذلك. وسبق ولده ودخل عليه ومعه بكتمر أستاداره وحدثاه في أنه قد ضعف عن الحركة وأن الإقطاع يستكثر عليه فقال: أرجو أن يمن الله بالعافية وأن أموت على ظهر فرسي في الجهاد فذكرا له ما يتخوفانه بعد موته من المغرم فلم يلتفت لكلامهما. وقدم الحاجب وابن الوزيري بالمسموح فقاله لهما: لا تطيلا في الكلام فإنه اختلط وفسد عقله فدخلا وعرفاه ما قاله عنه ولده من طلب الإعفاء من الخدمة فإنه نزل عن الإقطاع وقدما له المسموح وبلغاه سلام السلطان والأمراء وأنه لم يفعل هذا إلا حسب سؤاله وقد رتب له خمسة آلاف درهم في الشهر. فغضب عند ذلك وقال: قطع السلطان خبزي قالا: نعم! وعرفاه ما كان من ولده فالتفت إليه وقال: أنت سألت في ذلك قال: نعم! فسبه وقال للأميرين: قولاً للسلطان والأمراء ما كنت أستحق أن يقطع خبزي قبل الموت وهم يعلمون ما فعلته معهم وكنت أؤمل أن أموت في الغزاة وما برحت أخرج كل سنة لعل أن يدركني أجلي فما قدر الله. ثم أعرض عنهم وقاموا عنه فمات من مرضه هذا. واستقر إقطاعه في الخاص السلطاني وأضيفت أجناده إلى الحلقة وفيها قدمت هدية الملك المؤيد هزبر الدين دواد صاحب اليمن فوجدت قيمتها أقل من العادة فكتب بالإنكار عليه والتهديد وسير مع بدر الدين محمد الطوري أحد مقدمي الحلقة فلم يعبأ به الملك المؤيد ولا أجاب عن الكتاب بشيء. وفيها استسقى أهل دمشق لقلة الغيث فسقوا بعد ذلك. ومات في هذه السنة خطيب دمشق شرف الدين أحمد بن إبراهيم بن سباع الفزارى الفقيه الشافعي المقرئ النحوي المحدث في شوال عن خمس وسبعين سنة. ومات مجد الدين سالم بن أبي الهيجاء بن جميل الأذرعي قاضي نابلس بالقاهرة في ثاني عشر صفر بعدما باشر قضاء نابلس أربعين سنة وصرف عنها وقدم بأهله إلى القاهرة فمات بها. ومات الحافظ شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن بن شرف ابن الخضر بن موسى الدمياطي الفقيه الشافعي المحدث آخر الحفاظ في خامس عشر ذي القعدة من غير مرض عن اثنتين وتسعين سنة. ومات قاضي القضاة بحلب شمس الدين محمد بن محمد بن بهرام الشافعي بها في أوائل جمادى ومات محمد بن عبد المنعم بن شهاب الدين بن المؤدب بمصر حدث عن ابن باقا. ومات الفقيه العابد المسند أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن محمد الحبراني الحنبلي ومولده بحران سنة ثماني عشرة وستمائة سمع من ابن روزبة والمؤتمن ابن قميرة وسمع بمصر من ابن الجميزي وغيره وتفرد بأشياء وكان فيه دعابة وتلا بمكة ألف ختمة. ومات شرف الدين يحيى بن احمد بن عبد العزيز الجذامى الإسكندراني. ومات الأوحد تقي الدين بن الملك الزاهر مجير الدين داود بن المجاهد أسد الدين شيركوه بن ناصر الدين محمد بن أسد الدين شيركوه بن شادي بن مروان أحد أمراء دمشق في ثاني صفر على قتال الكسرويين وكان فاضلاً خبيراً بالأمور. وماتت المعمرة أم الفضل زينب بنت سليمان بن إبراهيم بن هبة الله بن رحمة الإسعردية بمصر في ذي القعدة حدثت عن ابن الزبيدي وأحمد بن عبد الواحد البخاري وغيره وتفردت بأشياء.
|