الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وهذا هو ثلث كل المال. فأما ثلث ما يبقَى فذلك للأُمّ في مسألة زوج أو زوجة وأبوان؛ فللأُم فيها ثلثُ ما يبقى. وقد تقدّم بيانه. وفي مسائل الجدّ مع الإخوة إذا كان معهم ذو سَهْم وكان ثلثُ ما يبقى أحظَى له. والسدس فرض سبعة: الأبوان والجدّ مع الولد وولد الابن، والجدّة والجدّات إذا اجتمعن، وبنات الابن مع بنت الصلب، والأخوات للأب مع الأُخت الشقيقة، والواحد من ولد الأُم ذكرًا كان أو أُنثى. وهذه الفرائض كلها مأخوذة من كتاب الله تعالى إلا فرض الجدّة والجدّات فإنه مأخوذ من السنة. والأسباب الموجبة لهذه الفروض بالميراث ثلاثة أشياء: نسب ثابت، ونكاح منعقد، وولاء عتاقةٍ. وقد تجتمع الثلاثة الأشياء فيكون الرجل زوج المرأة ومولاها وابن عمها. وقد يجتمع فيه منها شيئان لا أكثر، مثل أن يكون زوجها ومولاها، أو زوجها وابن عمها؛ فيرث بوجهين ويكون له جميع المال إذا انفرد: نصفه بالزوجية ونصفه بالولاء أو بالنسب. ومثل أن تكون المرأة ابنة الرجل ومولاته، فيكون لها أيضًا جميع المال إذا انفردت: نصفه بالنسب ونصفه بالولاء. ولا ميراث إلا بعد أداء الدّيْن والوصية؛ فإذا مات المتوفى أخرج من تركته الحقوق المعَّينات، ثم ما يلزم من تكفينه وتقبيره، ثم الديون على مراتبها، ثم يخرج من الثلث الوصايا، وما كان في معناها على مراتبها أيضًا، ويكون الباقي ميراثًا بين الورثة. وجملتهم سبعة عشر. عشرة من الرجال: الابن وابن الابن وإن سفل، والأب وأب الأب وهو الجدّ وإن علا، والأخ وابن الأخ، والعمّ وابن العمّ والزوج ومولى النعمة. ويرث من النساء سبع: البنت وبنت الابن وإن سفلت، والأم والجدّة وإن علت، والأخت والزوجة، ومولاة النعمة وهي المعتِقة. وقد نظمهم بعض الفضلاء فقال: لما قال تعالى: {في أَوْلاَدِكُمْ} يتناول كل ولد كان موجودًا أو جنينًا في بطن أمه، دنيًّا أو بعيدًا، من الذكور أو الإناث ما عدا الكافر كما تقدم. قال بعضهم: ذلك حقيقةٌ في الأدنَين مجاز في الأبْعَدين. وقال بعضهم: هو حقيقة في الجميع؛ لأنه من التوَلُّد، غير أنهم يرثون على قدر القرب منه؛ قال الله تعالى: {يابني آدَمَ} [الأعراف: 26]. وقال عليه السلام: «أنا سيد ولد آدم» وقال: «يا بني إسماعيل ارْموا فإن أباكم كان راميًا» إلا أنه غلب عرف الاستعمال في إطلاق ذلك على الأعيان الأدنين على تلك الحقيقة؛ فإن كان في ولد الصُّلب ذكرٌ لم يكن لولد الولد شيءٌ وهذا مما أجمع عليه أهل العلم. وإن لم يكن في ولد الصلب ذكر وكان في وَلَد الولد بُدِيءَ بالبنات الصلب، فأعطين إلى مبلغ الثلثين؛ ثم أعطى الثلث الباقي لولد الولد إذا استوَوْا في القُعْدُدِ، أو كان الذكر أسفل ممن فوقه من البنات، للذكر مثل حظ الأنثيين. هذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي. وبه قال عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم؛ إلا ما يروى عن ابن مسعود أنه قال: إن كان الذكر من ولد الولد بإزاء الولد الأنثى ردّ عليها، وإن كان أسفل منها لم يردّ عليها؛ مراعيًا في ذلك قوله تعالى: {فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثنتين فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ} فلم يجعل للبنات وإن كثرن إلا الثلثين. قلت: هكذا ذكر ابن العربي هذا التفصيل عن ابن مسعود، والذي ذكره ابن المنذر والباجي عنه: أن ما فضل عن بنات الصُّلب لبني الابن دون بنات الابن. ولم يفصِّلا. وحكاه ابن المنذر عن أبي ثوْر. ونحوه حكى أبو عمر، قال أبو عمر. وخالف في ذلك ابن مسعود فقال: وإذا استكمل البنات الثلثين فالباقي لبني الابن دون أخواتهم، ودون مَن فوقهم من بنات الابن، ومَن تحتهم. وإلى هذا ذهب أبو ثور وداود بن علي. وروي مثله عن علقمة. وحجة من ذهب هذا المذهب حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أقسِمُوا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله فما أبقت الفرائضُ فلأوْلَى رجلٍ ذكر» خرّجه البخاري ومسلم وغيرهما. ومن حجة الجمهور قول الله عز وجل: {يُوصِيكُمُ الله في أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثيين} لأن ولد الولد ولدٌ. ومن جهة النظر والقياس أن كل مَن يُعصّب مَن في درجته في جملة المال فواجبٌ أن يُعصِّبه في الفاضل من المال؛ كأولاد الصلب. فوجب بذلك أن يُشرك ابنُ الابن أختَه، كما يُشرك الابنُ للصلب أخته. فإن احتجّ محتجُّ لأبي ثَوْر وداود أن بنت الابن لما لم ترث شيئًا من الفاضل بعد الثلثين منفردةً لم يعصِّبها أخوها. فالجواب أنها إذا كان معها أخوها قوِيت به وصارت عَصَبةً معه. وظاهر قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ الله في أَوْلاَدِكُمْ} وهي من الولد. اهـ. بتصرف يسير. .قال ابن عاشور: وجملة: {للذكر مثل حظ الأنثيين} بيان لجملة {يوصيكم} لأنّ مضمونها هو معنى مضمون الوصية، فهي مثل البيان في قوله تعالى: {فوسوس إليه الشيطان قال ياآدم} وتقديم الخبر على المبتدأ في هذه الجملة للتنبيه من أوّل الأمر على أنّ الذكر صار له شريك في الإرث وهو الأنثى لأنّه لم يكن لهم به عهد من قبل إذ كان الذكور يأخذون المال الموروث كلّه ولاحظّ للإناث، كما تقدّم آنفًا في تفسير قوله تعالى: {للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون} [النساء: 7]. وقوله: {للذكر مثل حظ الأنثيين} جعل حظّ الأنثيين هو المقدار الذي يقدّر به حظّ الذكر، ولم يكن قد تقدّم تعيين حظّ للأنثيين حتّى يقدّر به، فعُلم أنّ المراد تضعيف حظّ الذكر من الأولاد على حظّ الأنثى منهم، وقد كان هذا المراد صالحًا لأن يؤدّى بنحو: للأنثى نصف حظّ ذكر، أو للأنثيين مثلّ حظّ ذكر، إذ ليس المقصود إلاّ بيان المضاعفة. ولكن قد أوثر هذا التعبير لنكتة لطيفة وهي الإيماء إلى أن حظّ الأنثى صار في اعتبار الشرع أهَمّ من حظّ الذكر، إذ كانت مهضومة الجانب عند أهل الجاهلية فصار الإسلام ينادي بحظّها في أول ما يقرع الأسماع قد عُلم أنّ قسمة المال تكون باعتبار عدد البنين والبنات. اهـ. .قال الألوسي: أما الأول: فلأنها لما استحقت البنت الثلث مع الأخ فمع البنت بالطريق الأولى، وأما الثاني: فلأنه ذكر حكم الواحدة والثلاث فما فوقها من البنات ولم يذكر حكم البنتين، وذكر في ميراث الأخوات حكم الأخت الواحدة والأختين ولم يذكر حكم الأخوات الكثيرة فيعلم حكم البنتين من ميراث الأخوات وحكم الأخوات من ميراث البنات لأنه لما كان نصيب الأختين الثلثين كانت البنتان أولى بهما، ولما كان نصيب البنات الكثيرة لا يزيد على الثلثين فبالأولى أن لا يزداد نصيب الأخوات على ذلك، وقد ذهب إلى هذا غير واحد من المتأخرين، وجعله العلامة ناصر الدين مؤيدًا ولم يجعله دليلًا للاستغناء عنه بما تقدم، ولأنه قيل: إن القياس لا يجري في الفرائض والمقادير، ونظر بعضهم في الأول بأن البنت الواحدة لم تستحق الثلث مع الأخ بل تستحق نصف حظه وكونه ثلثًا على سبيل الاتفاق ولا يخفى ضعفه، وقيل: يمكن أن يقال: ألحق البنتان بالجماعة لأن وصف النساء يفوق اثنتين للتنبيه على عدم التفاوت بين عدد وعدد، والبنتان تشارك الجماعة في التعدد، وقد علم عدم تأثير القلة والكثرة، فالظاهر إلحاقهما بالجماعة بجامع التعدد، وعدم اعتبار القلة والكثرة دون الواحدة لعدم الجامع بينهما.
|