الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.مطلب المراد بالمغضوب عليهم والضالين، وحكم آمين وعلوم الفاتحة: واعلم أن كلمة آمين ليست من الفاتحة كما قدمناه في الخاتمة وانما يسن قراءتها بعدها بسكتة خفيفة لمواظبة النبي ومن بعده من الأصحاب والعلماء عليها حتى اليوم ومعناها أللهم استجب، وقد جاء فيما رواه البخاري أن الإمام إذا قرأ {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} فقولوا آمين فإن الملائكة تقول آمين فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه وفيها لغتان المد والقصر ويكون المدّ بإشباع الهمزة وهو اسم فعل بمعنى استجب، قال ابن عباس سألت رسول اللّه عن معنى آمين فقال: أفعل وقال عليه الصلاة والسلام: لقنني جبريل آمين عند فراغي من قراءة فاتحة الكتاب وقال: إنه كالختم على الكتاب. الحكم الشرعي: سنّية قراءتها بعد الفاتحة في الصلاة واسماع نفسه بها وقراءتها بعدها في الدعاء أيضا وعند مقطعات الأدعية لما ثبت أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان إذا دعا أمّن الأصحاب على دعائه. وهذه السورة لا ناسخ ولا منسوخ فيها ولا يوجد سورة ختمت بما ختمت به، وليعلم أن هذه السورة اشتملت على أربعة أنواع من العلوم: الأول علم الأصول ومعاقد معرفة اللّه تعالى وصفاته وإليه الاشارة بقوله: {رَبِّ الْعالَمِينَ} ومعرفة النبوات وهي المراد بقوله: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ومعرفة المعاد المؤمى إليه بقوله: {مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}. الثاني علم الفروع وهو المعين بقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} وأسسه العبادات وما يتفرع عنها من المعاملات. الثالث علم الكمال والأخلاق ومن إليه الإيعاز بقوله: {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} وفيه الوصول إلى الحضرة الصمدانية وبلوغ المراتب العلية: {وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [الآية: 35] من سورة فصلت. الرابع علم القصص والأخبار عن الأمم السعيدة والشقية السالفة وإليه الالماع بقوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ} وفيها علوم أخرى لا محل لبسطها هنا وفقنا اللّه للصواب وألهمنا حب أولي الألباب وجعلنا منهم آمين. هذا واللّه أعلم، وأستغفر اللّه ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم وصلى اللّه على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اهـ. .فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة: .قال زكريا الأنصاري: .قال أحمد عبد الكريم الأشموني: .فصل في ذكر قراءات السورة كاملة: .قال ابن جني: قراءة أهل البادية: {الْحَمْدُ لُله} مضمومة الدال واللام، ورواها لي بعض أصحابنا قراءة لإبراهيم بن أبي عبلة: {الحمدِ لِله} مكسورتان، ورواها أيضًا لي قراءة لزيد بن علي رضي الله عنهما والحسن البصري رحمه لله. وكلاهما شاذ في القياس والاستعمال؛ إلا أن من وراء ذلك ما أذكره لك؛ وهو أن هذا اللفظ كثر في كلامهم، وشاع استعماله، وهم لِمَا كثر من استعمالهم أشد تغييرًا، كما جاء عنهم لذلك: لم يَكُ، ولا أَدْرِ، ولم أُبَلْ، وأَيْشٍ تقول، وجا يجي، وسا يسو، بحذف همزتيهما. فلما اطرد هذا ونحوه لكثرة استعماله أَتبعوا أحد الصوتين الآخر، وشبهوهما بالجزء الواحد وإن كانا جملة من مبتدأ وخبر؛ فصارت: {الْحَمْدُ لُله} كعُنُق وطُنُب، و: {الْحَمْدِ لِله} كإِبِل وإِطِل. إلا أن: {الْحَمْدُ لُله} بضم الحرفين أسهل من: {الْحَمْدِ لِله} بكسرهما من موضعين: أحدهما: أنه إذا كان إِتْبَاعًا فإن أقيس الإِتْبَاع أن يكون الثاني تابعًا للأول؛ وذلك أنه جارٍ مجرى السبب والمسبَّب، وينبغي أن يكون السبب أسبق رتبة من المسبب، فتكون ضمة اللام تابعة لضمة الدال كما نقول: مُدُّ وشُدُّ، وشَمَّ وفِرِّ، فتتبع الثاني الأول، فهذا أقيس من إتباعك الأول للثاني في اقْتُل ادْخُل، ومع هذا فإن الإتباع- أعني: اقتل وبابه- لا يكاد يعتد؛ وذلك أن الوصل هو الذي عليه عقد الكلام واستمراره، وفيه تصح وجوهه ومقاييسه، وأنت إذا وصلتَ سَقَطَتِ الهمزة، فقلت: فاقتل زيدًا، فادخل يا هذا، وليست كذلك ضمة الدال في مُدُّ، ولا فتحة الميم في شَمَّ، ولا كسرة الراء في فِرِّ؛ لأنهن ثوابت في الوصل الذي عليه معقد القول، وإليه مفزع القياس والصوب، فكما أن مُدُّ أقيس إتباعًا من: اقتل؛ لما ذكرنا من الوصل المرجوع إليه المأخوذ بأحكامه، ولأن السبب أيضًا أسبق رتبة من المسبب، فكذلك: {الحمدُ لُله} أسهل مأخذًا من: {الحمدِ لِله}. والآخر: أن ضمة الدال في: {الحمدُ} إعراب، وكسرة اللام في: {لِله} بناء، وحرمة الإعراب أقوى من حرمة البناء، فإذا قلت و: {الحمدُ لُله} فقريب أن يغلب الأقوى الأضعف، وإذا قلت: {الحمدِ لِله} جنى البناء الأضعف على الإعراب الأقوى، مضافًا ذلك إلى حكم تغيير الآخِر الأول، وإلى كثرة باب عُنُق وطُنُب في قلة باب إِبِل إِطِل فاعرفه، ومثل هذا في إتباع الإعراب البناء ما حكاه صاحب الكتاب في قول بعضهم: كسر الميم لكسرة الهمزة، ثم من بعد ذلك أنك تفيد من هذا الموضع ما تنتفع به في موضع آخر؛ وهو أن قولك: {الحمدُ لُله} جملة، وقد شبه جزآها معًا بالجزء الواحد- وهو مد أو عنق- فيمن أسكن ثم أتبع، أو السُّلُطان أو القُرُفْصاء أو الْمُنْتُن، دل ذلك على شدة اتصال المبتدأ بخبره؛ لأنه لو لم يكن الأمر عندهم كذلك لما أجروا هذين الجزأين مجرى الجزء الواحد، وقد نَحَوْا هذا الموضع الذي ذكرته لك في نحو قولهم في تأبط شرًّا: تأَبطي، وقولهم في رجل اسمه زيد أخوك: زيدي، فحذفوا الجزء الثاني، كما يحذفون الجزء الثاني من المركب في نحو قولهم في حضرموت: حضرمي، وفي رام هرمز: رامي، وكما يقولون أيضًا في طلحة: طَلْحي، فاعرف ذلك دليلًا على شدة اتصال المبتدأ بخبره، وما علمت أحدًا من أصحابنا نَحَا هذا الموضع على وضوحه لك، وقوة دلالته على ما أثبته في نفسك. ومثله أيضًا في الدلالة على هذا المعنى قراءة ابن كثير: {فَإِذَا هِيَ تلَقَّفُ} ألا ترى إلى تسكين حرف المضارع من: {تَلَقَّف}؟ فلولا شدة اتصاله بما قبله للزم منه تصور الابتداء بالساكن، لا بل صار في اللفظ قولك: {هِيَتَّ} كالجزء الواحد الذي هو خِدَبَّ وهِجَفَّ وهِقَبَّ، وهذا أقوى دلالة على قوة اتصال المبتدأ بخبره من الذي أريناه من قبله لما فيه إن لم تنعم به من وجوب تصور الابتداء بالساكن.
|