الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ***
قَوْلُهُ وَيُصَلِّي الْمَرِيضُ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لِعِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ صَلِّ قَائِمًا. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ مع الْقُدْرَةِ عليه وَكَذَا يَلْزَمُهُ لو أَمْكَنَهُ الْقِيَامَ مُعْتَمِدًا على شَيْءٍ أو مُسْتَنِدًا على حَائِطٍ أو غَيْرِهِ وَعِنْدَ بن عَقِيلٍ لَا يَلْزَمُهُ اكْتِرَاءُ من يُقِيمُهُ وَيَعْتَمِدُ عليه.
فائدة: لو قَدَرَ على قِيَامٍ في صُورَةِ رَاكِعٍ لِحَدَبٍ أو كِبَرٍ أو مَرَضٍ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ ذلك بِقَدْرِ ما أَمْكَنَهُ وَيَأْتِي كَلَامُ بن عَقِيلٍ في الْأَحْدَبِ. قَوْلُهُ فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا. بِلَا نِزَاعٍ وَكَذَا إنْ كان يَلْحَقُهُ بِالْقِيَامِ ضَرَرٌ أو زِيَادَةُ مَرَضٍ أو تَأَخُّرُ بُرْءٍ وَنَحْوُهُ فإنه يُصَلِّي قَاعِدًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يُصَلِّي قَاعِدًا إلَّا إذَا عَجَزَ عن الْقِيَامِ رَوَيْنَاهُ وَأَسْقَطَ الْقَاضِي الْقِيَامَ بِضَرَرٍ مُتَوَهَّمٍ وَأَنَّهُ لو تَحَمَّلَ الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ حتى زَادَ مَرَضُهُ أَثِمَ وَنَقَلَ عبد اللَّهِ إذَا كان قِيَامُهُ يُوهِنُهُ وَيُضْعِفُهُ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا. وقال أبو الْمَعَالِي يُصَلِّي شَيْخٌ كَبِيرٌ قَاعِدًا إنْ أَمْكَنَ معه الصَّوْمُ. فَائِدَتَانِ. إحْدَاهُمَا لو كان في سَفِينَةٍ أو بَيْتٍ قَصِيرٍ سَقْفُهُ وَتَعَذَّرَ الْقِيَامُ وَالْخُرُوجُ أو خَافَ عَدُوًّا إنْ انْتَصَبَ قَائِمًا صلى جَالِسًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَقِيلَ يُصَلِّي قَائِمًا ما أَمْكَنَهُ لِأَنَّهُ إنْ جَلَسَ جَلَسَ مُنْحَنِيًا ثُمَّ إذَا رَكَعَ فَقِيلَ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَزِيدَ قَلِيلًا وَقِيلَ يَزِيدُ فَإِنْ عَجَزَ حني رَقَبَتَهُ قال في الْفُرُوعِ فَظَاهِرُهُ يَجِبُ وَجَزَمَ بِالثَّانِي بن تَمِيمٍ وابن حَمْدَانَ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ. الثَّانِيَةُ حَيْثُ قُلْنَا يُصَلِّي قَاعِدًا فإنه يَتَرَبَّعُ اسْتِحْبَابًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَجِبُ التَّرَبُّعُ وَعَنْهُ إنْ أَطَالَ الْقِرَاءَةَ تَرَبَّعَ وَإِلَّا افْتَرَشَ وَحَيْثُ تَرَبَّعَ فإنه يُثْنِي رِجْلَيْهِ كَالْمُتَنَفِّلِ قَاعِدًا على ما مَرَّ لَكِنْ إنْ قَدَرَ أَنْ يَرْتَفِعَ إلَى حَدِّ الرُّكُوعِ لَزِمَهُ ذلك وَإِلَّا رَكَعَ قَاعِدًا قَالَهُ أبو الْمَعَالِي في النِّهَايَةِ وَصَاحِبُ الرِّعَايَةِ. وقال ابن تَمِيمٍ وَيُثْنِي رِجْلَيْهِ في سُجُودِهِ وفي الرُّكُوعِ رِوَايَتَانِ وَتَقَدَّمَ الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ هل يُثْنِي رِجْلَيْهِ في رُكُوعِهِ كَسُجُودِهِ أَمْ لَا في بَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ فَإِنْ لم يَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ أَنَّهُ لو لم يَشُقَّ الْقُعُودُ عليه أَنَّهُ لَا يُصَلِّي على جَنْبٍ بَلْ يُصَلِّي قَاعِدًا وهو أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ. وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُصَلِّي على جَنْبِهِ إذَا شَقَّ عليه الصَّلَاةُ قَاعِدًا وَلَوْ بِتَعَدِّيهِ بِضَرْبِ سَاقِهِ وَنَحْوِهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ.
فائدة: حَيْثُ جَازَ له الصَّلَاةُ على جَنْبِهِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ على جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ. وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ على جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ. قَوْلُهُ فَإِنْ صلى على ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ. وَهُمَا رِوَايَتَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وابن تَمِيمٍ وابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ. إحْدَاهُمَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وهو الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْعُمْدَةِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَإِدْرَاكِ الْغَايَةِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَصَحَّحَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَنَصَرَهُ وَقَدَّمَهُ في الْكَافِي وَالْفُرُوعِ وَالْفَائِقِ وَالنَّظْمِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْأَشْهَرُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَصِحُّ وَنَصَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمَالَ إلَيْهِ قال في الشَّرْحِ عَدَمُ الصِّحَّةِ أَظْهَرُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وهو ظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ وَالْمُنْتَخَبِ وَالْمَذْهَبِ الْأَحْمَدِ لِأَنَّهُمْ ما أَبَاحُوا الصَّلَاةَ على الظَّهْرِ إلَّا مع الْعَجْزِ عن الصَّلَاةِ على جَنْبِهِ وَعَنْهُ يُخَيَّرُ نَقَلَ الْأَثْرَمُ وَغَيْرُهُ يُصَلِّي كَيْفَ شَاءَ كِلَاهُمَا جَائِزٌ وَنَقَلَ صَالِحٌ وابن مَنْصُورٍ يُصَلِّي على ما قَدَرَ وَتَيَسَّرَ له انْتَهَى. فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُكْرَهُ فِعْلُ ذلك قَطَعَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وقال في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِمَا يَكُونُ تَارِكًا لِلْمُسْتَحَبِّ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ يَكُونُ تَارِكًا لِلْأَوْلَى.
تَنْبِيهٌ: مَحَلُّ الْخِلَافِ إذَا كان قَادِرًا على الصَّلَاةِ على جَنْبِهِ وَصَلَّى على ظَهْرِهِ أَمَّا إذَا لم يَقْدِرْ على الصَّلَاةِ على جَنْبِهِ فإن صَلَاتَهُ صَحِيحَةٌ على ظَهْرِهِ بِلَا نِزَاعٍ.
فائدة: قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ فَعَلَى الْقَوْلِ بِالصِّحَّةِ صَلَاتُهُ على جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ أَفْضَلُ من اسْتِلْقَائِهِ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَعَكْسُهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي وَأَبِي الْخَطَّابِ. قَوْلُهُ وَيُومِئُ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. يَعْنِي مَهْمَا أَمْكَنَهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وقال أبو الْمَعَالِي أَقَلُّ رُكُوعِهِ مقابلة [مقابلته] وَجْهَهُ ما وَرَاء رُكْبَتِهِ من الْأَرْضِ أَدْنَى مُقَابَلَةٍ وَتَتِمَّتُهَا الْكَمَالُ.
فائدة: لو سَجَدَ قَدْرَ ما أَمْكَنَهُ على شَيْءٍ رَفَعَهُ كُرِهَ وَأَجْزَأَهُ نَصَّ عَلَيْهِمَا وَعَنْهُ يُخَيَّرُ وَذَكَرَ بن عَقِيلٍ رِوَايَةً لَا يُجْزِئُهُ كَيَدِهِ انْتَهَى. وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِسُجُودِهِ على وِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا وَعَنْهُ هو أَوْلَى من الْإِيمَاءِ. قَوْلُهُ فَإِنْ عَجَزَ عنه أَوْمَأَ بِطَرْفِهِ. هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ وَيَكُونُ نَاوِيًا مُسْتَحْضِرًا لِلْفِعْلِ وَالْقَوْلِ إنْ عَجَزَ عنه بِقَلْبِهِ وقال في التَّبْصِرَةِ صلى بِقَلْبِهِ أو طَرَفِهِ وقال الْقَاضِي في الْخِلَافِ وَتَبِعَهُ في الْمُسْتَوْعِبِ أَوْمَأَ بِعَيْنَيْهِ وَحَاجِبَيْهِ أو قَلْبِهِ وَقَاسَ على الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ وقال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا يَلْزَمُهُ الْإِيمَاءُ بِطَرَفِهِ وهو مُتَّجَهٌ لِعَدَمِ ثُبُوتِهِ انْتَهَى قال في النُّكَتِ عن كَلَامِ الْقَاضِي وَصَاحِبِ الْمُسْتَوْعِبِ ظَاهِرُهُ الِاكْتِفَاءُ بِعَمَلِ الْقَلْبِ وَلَا يَجِبُ الْإِيمَاءُ بِالطَّرْفِ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أو بِقَلْبِهِ إنْ عَجَزَ عن الْإِيمَاءِ بِطَرْفِهِ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لو عَجَزَ الْمَرِيضُ عن الْإِيمَاءِ بِرَأْسِهِ سَقَطَتْ عنه الصَّلَاةُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِيمَاءُ بِطَرْفِهِ وهو رِوَايَةٌ عن أَحْمَدَ.
فائدة: قال ابن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ الْأَحْدَبُ يُجَدِّدُ لِلرُّكُوعِ نِيَّةً لِكَوْنِهِ لَا يَقْدِرُ عليه كَمَرِيضٍ لَا يُطِيقُ الْحَرَكَةَ يُجَدِّدُ لِكُلِّ فِعْلٍ وَرُكْنٍ قَصْدًا كَ فُلْكٍ فإنه يَصْلُحُ في الْعَرَبِيَّةِ لِلْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ بِالنِّيَّةِ. قَوْلُهُ وَلَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ. يَعْنِي بِحَالٍ من الْأَحْوَالِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وقال في الْكَافِي كما قال هُنَا وزاد ما دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتًا قال في النُّكَتِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ إذَا عَجَزَ عن الْإِيمَاءِ بِطَرْفِهِ سَقَطَتْ الصَّلَاةُ وَيَكُونُ قَوْلُهُ وَلَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ ما دَامَ عَقْلُهُ. ثَابِتًا على الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وهو قُدْرَتُهُ على الْإِيمَاءِ بِطَرْفِهِ وَيَدُلُّ عليه أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَنْوِي بِقَلْبِهِ مع الْإِيمَاءِ بِطَرَفِهِ انْتَهَى. وَعَنْهُ تَسْقُطُ الصَّلَاةُ وَالْحَالَةُ هذه اخْتَارَهَا الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَضَعَّفَهَا الْخَلَّالُ. قَوْلُهُ فَإِنْ قَدَرَ على الْقِيَامِ أو الْقُعُودِ في أَثْنَائِهَا انْتَقَلَ إلَيْهِ وَأَتَمَّهَا. وَهَذَا بِلَا نِزَاعٍ لَكِنْ إنْ كان لم يَقْرَأْ قام فَقَرَأَ وَإِنْ كان قد قَرَأَ قام وَرَكَعَ بِلَا قِرَاءَةٍ وَيَبْنِي على إيمَائِهِ وَيَبْنِي عَاجِزٌ فِيهِمَا. وَلَوْ طَرَأَ عَجْزٌ فَأَتَمَّ الْفَاتِحَةَ في انْحِطَاطِهِ أَجْزَأَ إلَّا من بريء فَأَتَمَّهَا في ارْتِفَاعِهِ فإنه لايجزئه قَطَعَ بِهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ من عَدَمِ الْإِجْزَاءِ بِالتَّحْرِيمَةِ مُنْحَطًّا لَا تُجْزِئُهُ وقال الْمَجْدُ لَا تُجْزِئُهُ التَّحْرِيمَةُ.
فَوَائِدُ: إحْدَاهَا لو قَدَرَ على الصَّلَاةِ قَائِمًا مُنْفَرِدًا وَجَالِسًا في الْجَمَاعَةِ خُيِّرَ بَيْنَهُمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَطَعَ بِهِ في الْكَافِي وَالْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالنُّكَتِ وابن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَغَيْرِهِمْ قال في النُّكَتِ قَدَّمَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ وَقِيلَ صَلَاتُهُ في الْجَمَاعَةِ أَوْلَى وَقِيلَ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ قَائِمًا. قُلْت وهو الصَّوَابُ لِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إلَّا بِهِ مع الْقُدْرَةِ عليه وَهَذَا قَادِرٌ وَالْجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِدُونِهَا وَقُعُودُهُمْ خَلْفَ إمَامِ الْحَيِّ لِدَلِيلٍ خَاصٍّ ثُمَّ وَجَدْت أَبَا الْمَعَالِيَ قَدَّمَ هذا. وَتَقَدَّمَ لو كان بِهِ رِيحٌ وَنَحْوُهُ وَيَقْدِرُ على حَبْسِهِ حَالَ الْقِيَامِ وَلَا يَقْدِرُ على حَبْسِهِ حَالَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ فَهَلْ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ أو يُومِئُ في بَابِ الْحَيْضِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَكَذَلِكَ من بِهِ سَلَسُ الْبَوْلِ. الثَّانِيَةُ لو قال إنْ أَفْطَرْت في رَمَضَانَ قَدَرْت على الصَّلَاةِ قَائِمًا وَإِنْ صُمْت صَلَّيْت قَاعِدًا أو قال إنْ صَلَّيْت قَائِمًا لَحِقَنِي سَلَسُ الْبَوْلِ أو امْتَنَعَتْ عَلَيَّ الْقِرَاءَةُ وَإِنْ صَلَّيْت قَاعِدًا امْتَنَعَ السَّلَسُ فقال أبو الْمَعَالِي يُصَلِّي قَاعِدًا فِيهِمَا لِمَا فيه من الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا في الْأَوْلَى وَلِسُقُوطِ الْقِيَامِ في النَّفْلِ وَلَا صِحَّةَ مع تَرْكِ الْقِرَاءَةِ وَالْحَدَثِ. وقال في النُّكَتِ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِ كَلَامِ الْمَجْدِ أَنَّهُ يُصَلِّي قَائِمًا. قُلْت وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا. الثَّالِثَةُ لو عَجَزَ الْمَرِيضُ عن وَضْعِ جَبْهَتِهِ على الْأَرْضِ وَقَدَرَ على وَضْعِ بَقِيَّةِ أَعْضَاءِ السُّجُودِ لم يَلْزَمْهُ وَضْعُ ذلك على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَجَبَ تَبَعًا وَقِيلَ يَلْزَمُهُ قَالَهُ في الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ قَوْلِهِ وإذا قال ثِقَاتٌ من الْعُلَمَاءِ بِالطِّبِّ لِلْمَرِيضِ إنْ صَلَّيْت مُسْتَلْقِيًا أَمْكَنَ مُدَاوَاتُك فَلَهُ ذلك إلَّا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا قَوْلُ ثَلَاثَةٍ فَصَاعِدًا قال في الْفَائِقِ له الصَّلَاةُ كَذَلِكَ إذَا قال أَهْلُ الْخِبْرَةِ إنَّهُ يَنْفَعُهُ. قال في الْمُحَرَّرِ وَيَجُوزُ لِمَنْ بِهِ رَمَدٌ أَنْ يُصَلِّيَ مُسْتَلْقِيًا إذَا قال ثِقَاتُ الطِّبِّ إنَّهُ يَنْفَعُهُ وَكَذَا قال ابن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ قال ابن مُفْلِحٍ في حَوَاشِيهِ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ وَجَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا قَوْلُ ثَلَاثَةٍ وقال ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ انْتَهَى. قُلْت الذي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَ الْمُصَنِّفِ الْجِنْسُ مع الصِّفَةِ وَلَيْسَ مُرَادُهُ الْعَدَدَ إذْ لم يَقُلْ بِاشْتِرَاطِ الْجَمْعِ في ذلك أَحَدٌ من الْأَصْحَابِ فِيمَا وَقَفْت عليه من كَلَامِهِمْ وَأَيْضًا فإن ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مُتَّفَقٌ عليه وَإِنَّمَا مَفْهُومُهُ عَدَمُ الْقَبُولِ في غَيْرِ الْجَمْعِ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ. وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ جَوَازُ فِعْلِ ذلك بِقَوْلِ مُسْلِمٍ ثِقَةٍ إذَا كان طَبِيبًا حَاذِقًا فَطِنًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن. عَبْدُوسٍ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنْتَخَبِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ اثْنَانِ وَتَقَدَّمَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ.
فَوَائِدُ: إحداها حَيْثُ قَبِلْنَا قَوْلَ الطَّبِيبِ فإنه يَكْفِي فيه غَلَبَةُ الظَّنِّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يُشْتَرَطُ لِقَبُولِ خبره أَنْ يَكُونَ عن يَقِينٍ. قُلْت وهو بَعِيدٌ جِدًّا. الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ وَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ في السَّفِينَةِ قَاعِدًا لِقَادِرٍ على الْقِيَامِ. بِلَا نِزَاعٍ وَلَوْ كانت سَائِرَةً وَيَجُوزُ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فيها على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا تُقَامُ إنْ صَلَّوْا جُلُوسًا نَصَّ عليه حَكَاه ابن أبي مُوسَى. الثَّالِثَةُ لو كان في السَّفِينَةِ وَلَا يَقْدِرُ على الْخُرُوجِ منها صلى على حَسَبِ حَالِهِ فيها وَأَتَى بِمَا يَقْدِرُ عليه من الْقِيَامِ وَغَيْرِهِ على ما تَقَدَّمَ وَكُلَّمَا دَارَتْ انْحَرَفَ إلَى الْقِبْلَةِ في الْفَرْضِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا تَجِبُ كَالنَّفْلِ على الْأَصَحِّ فيه. قُلْت فَيُعَايَى بها على هذا الْقَوْلِ وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي في النَّافِلَةِ. وَتَقَدَّمَ هذا في بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ صِحَّةُ الصَّلَاةِ في السَّفِينَةِ مع الْقُدْرَةِ على الْخُرُوجِ منها وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ. قَوْلُهُ وَتَجُوزُ صَلَاةُ الْفَرْضِ على الرَّاحِلَةِ خَشْيَةَ التَّأَذِّي بِالْوَحْلِ. وَكَذَا بِالْمَطَرِ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ وَاخْتَارَهُ في الْإِرْشَادِ. قَوْلُهُ وَهَلْ يَجُوزُ ذلك لِلْمَرِيضِ على رِوَايَتَيْنِ. وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْخُلَاصَةِ وابن تَمِيمٍ وَالْإِرْشَادِ. إحْدَاهُمَا لَا يَجُوزُ وهو الْمَذْهَبُ نَقَلَهُ الْأَكْثَرُ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال الْمَجْدُ وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ اخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ في النَّظْمِ إذَا لم يَتَضَرَّرْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِمْ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ يَجُوزُ صَحَّحَهُ في التَّصْحِيحِ وَاخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَتَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَقَدَّمَهُ في الْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَالْحَوَاشِي. قُلْت وهو الصَّوَابُ. وَعَنْهُ يَجُوزُ إذَا لم يَسْتَطِعْ النُّزُولَ نَصَّ عليها في رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بن إبْرَاهِيمَ قال في الْفُرُوعِ ولم يُصَرِّحْ بِخِلَافِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ وَغَيْرِهِ. وَقِيلَ إنْ زَادَ تَضَرُّرُهُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا وَجَزَمَ بِهِ في الشَّرْحِ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ. قال الْمَجْدُ وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ مَتَى تَضَرَّرَ بِالنُّزُولِ أو لم يَكُنْ له من يُسَاعِدُهُ على نُزُولِهِ وَرُكُوبِهِ صلى عليها وَإِنْ لم يَتَضَرَّرْ بِهِ كان كَالصَّحِيحِ انْتَهَى. وقال في الْمَذْهَبِ إنْ كانت صَلَاتُهُ عليها كَصَلَاتِهِ على الْأَرْضِ لم يَلْزَمْهُ النُّزُولُ فَإِنْ كان إذَا نَزَلَ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْأَرْكَانِ أو بَعْضِهَا أو لم يَكُنْ ذلك مُمْكِنًا على الرَّاحِلَةِ لَزِمَهُ النُّزُولُ إذَا كان لَا يَشُقُّ عليه مَشَقَّةً شَدِيدَةً فَإِنْ كانت الْمَشَقَّةُ مُتَوَسِّطَةً فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ. وَتَقَدَّمَ في بَابِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ صِفَةُ الصَّلَاةِ على الرَّاحِلَةِ في الْفَرْضِ وَغَيْرِهِ.
فَوَائِدُ: إحداها أُجْرَةُ من يُنْزِلُهُ لِلصَّلَاةِ كَمَاءِ الْوُضُوءِ على ما تَقَدَّمَ ذَكَرَهُ أبو الْمَعَالِي. الثَّانِيَةُ لو خَافَ الْمَرِيضُ بِالنُّزُولِ أَنْ يَنْقَطِعَ عن رُفْقَتِهِ إذَا نَزَلَ أو يَعْجِزَ عن رُكُوبِهِ إذَا نَزَلَ صلى عليها كَالْخَائِفِ على نَفْسِهِ بِنُزُولِهِ من عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ. الثَّالِثَةُ وَكَذَا حُكْمُ غَيْرِ الْمَرِيضِ ذَكَرَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي. وبن عَقِيلٍ وَنَقَلَ مَعْنَاه ابن هَانِئٍ وَلَا إعَادَةَ عليه وَلَوْ كان عُذْرًا نَادِرًا. وَذَكَرَ بن أبي مُوسَى إنْ لم يَسْتَقْبِلْ لم يَصِحَّ إلَّا في حَالِ الْمُسَايَفَةِ. قال في الْفُرُوعِ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ جَوَازُهُ لِخَائِفٍ وَمَرِيضٍ. الرَّابِعَةُ لو كان في مَاءٍ وَطِينٍ أَوْمَأَ كَمَصْلُوبٍ وَمَرْبُوطٍ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يَسْجُدُ على مَتْنِ الْمَاءِ كَالْغَرِيقِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ فيه وَقِيلَ في الْغَرِيقِ يُومِئُ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا إعَادَةَ على وَاحِدٍ من هَؤُلَاءِ وَعَنْهُ يُعِيدُ الْكُلَّ. الْخَامِسَةُ لو أتى بِالْمَأْمُورِ الذي عليه وَصَلَّى على الرَّاحِلَةِ بِلَا عُذْرٍ قَائِمًا أو صلى في السَّفِينَةِ من أمكنة الْخُرُوجُ منها وَهِيَ وَاقِفَةٌ أوسائرة صَحَّ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ وَقَطَعَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَغَيْرِهِمَا في الرَّاحِلَةِ وَقَدَّمَهُ أبو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ. وقال في الْفُصُولِ في السَّفِينَةِ هل تَصِحُّ كما لو كانت وَاقِفَةً أَمْ لَا كَالرَّاحِلَةِ فيه رِوَايَتَانِ انْتَهَى. وَحُكْمُ الْعَجَلَةِ وَالْمِحَفَّةِ وَنَحْوُهُمَا في الصَّلَاةِ فيها حُكْمُ الرَّاحِلَةِ وَالسَّفِينَةِ على ما تَقَدَّمَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. قال ابن تَمِيمٍ وفي الصَّلَاةِ على الْعَجَلَةِ من غَيْرِ عُذْرٍ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا الصِّحَّةُ قال في الْفُرُوعِ وَقَطَعَ جَمَاعَةٌ لَا تَصِحُّ هُنَا كَمُعَلَّقٍ في الْهَوَاءِ من غَيْرِ ضَرُورَةٍ. قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ الْمَنْعُ هُنَا أَوْجَهُ من الْمَنْعِ هُنَاكَ قال ابن عَقِيلٍ لَا تَصِحُّ في الْعَجَلَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ كَالْأُرْجُوحَةِ مع أَنَّهُ اخْتَارَ الصِّحَّةَ على الرَّاحِلَةِ وَالسَّفِينَةِ كما تَقَدَّمَ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وما قَالَهُ بَعِيدٌ جِدًّا لِكَوْنِ السَّفِينَةِ فَوْقَ الْمَاءِ وَظَهْرُ الْحَيَوَانِ أَقْرَبُ إلَى التَّزَلْزُلِ وَعَدَمِ الْقَرَارِ من جَمَادٍ مُعْظَمُهُ على الْأَرْضِ فَهِيَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ انْتَهَى. قال في الْفُرُوعِ فَظَاهِرُ ما جَزَمَ بِهِ أبو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ أنها تَصِحُّ في الْوَاقِفَةِ وَجَزَمَ أبو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ السُّجُودُ وَأَنَّهَا لَا تَصِحُّ في أُرْجُوحَةٍ لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ عُرْفًا قال ابن عَقِيلٍ وابن شِهَابٍ وَمِثْلُهَا زَوْرَقٌ صَغِيرٌ. وَجَزَمَ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ أنها لَا تَصِحُّ في أُرْجُوحَةٍ وَلَا من مُعَلَّقٍ في الْهَوَاءِ وَسَاجِدٍ على هَوَاءٍ أو مَاءٍ قُدَّامَهُ أو على حَشِيشٍ أو قُطْنٍ أو ثَلْجٍ ولم يَجِدْ حَجْمَهُ وَنَحْوُ ذلك لِعَدَمِ إمْكَانِ الْمُسْتَقَرِّ عليه انْتَهَى. فَعَلَى رِوَايَةِ عَدَمِ الصِّحَّةِ في السَّفِينَةِ يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ منها لِلصَّلَاةِ زَادَ بن حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ إلَّا أَنْ يَشُقَّ على أَصْحَابِهِ نَصَّ عليه. السَّادِسَةُ لَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ ما يُحَاذِي الصَّدْرَ مقرى فَلَوْ حَاذَاهُ رَوْزَنَةً وَنَحْوَهَا صَحَّتْ بِخِلَافِ ما تَحْتَ الْأَعْضَاءِ فَلَوْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ على قُطْنٍ مُنْتَفِشٍ لم تَصِحَّ قَصْرُ الصَّلَاةِ في السَّفَرِ.
تَنْبِيهٌ: اشْتَمَلَ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ في قَصْرِ الصَّلَاةِ وَمَنْ سَافَرَ سَفَرًا مُبَاحًا على مَنْطُوقٍ وَمَفْهُومٍ وَالْمَفْهُومُ يَنْقَسِمُ إلَى قِسْمَيْنِ مَفْهُومُ مُوَافَقَةٍ وَمَفْهُومُ مُخَالَفَةٍ. فَالْمَنْطُوقُ جَوَازُ الْقَصْرِ في السَّفَرِ الْمُبَاحِ مُطْلَقًا وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا غير نُزْهَةٍ وَلَا فُرْجَةٍ اخْتَارَهُ أبو الْمَعَالِي لِأَنَّهُ لَهْوٌ بِلَا مَصْلَحَةٍ وَلَا حَاجَةٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُذْهَبِ. وَنَقَلَ محمد بن الْعَبَّاسِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ سَفَرَ طَاعَةٍ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ بن حَامِدٍ. وقال في الْمُبْهِجِ إذَا سَافَرَ لِلتِّجَارَةِ مُكَاثِرًا في الدُّنْيَا فَهُوَ سَفَرُ مَعْصِيَةٍ. قال في الرِّعَايَةِ وَحَوَاشِي بن مُفْلِحٍ وَفِيهِ نَظَرٌ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ كان أَكْثَرُ قَصْدِهِ في سَفَرِهِ مُبَاحًا جَازَ الْقَصْرُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ وَمَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرُهُمَا قال في الْفُرُوعِ هو الْأَصَحُّ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ وَلَوْ تَسَاوَيَا في قَصْدِهِ أو غَلَبَ الْحَظْرُ لم يَقْصُرْ قَوْلًا وَاحِدًا.
فَوَائِدُ: إحداها لو نَقَلَ سَفَرَهُ الْمُبَاحَ إلَى مُحَرَّمٍ امْتَنَعَ الْقَصْرُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالنَّظْمِ وَغَيْرِهِمَا قال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ هو ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَقِيلَ له الْقَصْرُ وَأَطْلَقَهُمَا الزَّرْكَشِيُّ. وَلَوْ نَقَلَ سَفَرَهُ الْمُحَرَّمَ إلَى مُبَاحٍ كما لو تَابَ وقد بَقِيَ مَسَافَةُ قَصْرٍ فَلَهُ الْقَصْرُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُ وَقِيلَ لَا يَقْصُرُ وَقِيلَ يَقْصُرُ وَلَوْ بَقِيَ أَقَلُّ من مَسَافَةِ الْقَصْرِ وَقَطَعَ بِه ابن الْجَوْزِيِّ في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ. الثَّانِيَةُ يَجُوزُ التَّرَخُّصُ لِلزَّانِي إذَا غُرِّبَ وَلِقَاطِعِ الطَّرِيقِ إذَا شُرِّدَ وَنَحْوِهِمَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال ابن تَمِيمٍ جَازَ في أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَحَوَاشِي بن مُفْلِحٍ وَالْفُرُوعِ وَكَلَامُهُ فيه بَعْضُ تَعْقِيدٍ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ لهم التَّرَخُّصُ وَأَطْلَقَهُمَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ. الثَّالِثَةُ يَجُوزُ الْقَصْرُ وَالتَّرَخُّصُ لِلْمُسَافِرِ مُكْرَهًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ كَالْأَسِيرِ وَعَنْهُ لَا يَقْصُرُ الْمُكْرَهُ وقال الْخَلَّالُ إنْ أُكْرِهَ على سَفَرٍ في دَارِ الْإِسْلَامِ قَصَرَ وفي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَقْصُرُ وَمَتَى صَارَ الْأَسِيرُ في بَلَدِ الْكُفَّارِ أَتَمَّ نَصَّ عليه وَفِيهِ وَجْهٌ يَقْصُرُ. الرَّابِعَةُ تَقْصُرُ الزَّوْجَةُ وَالْعَبْدُ تَبَعًا لِلزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ في نِيَّتِهِ وَسَفَرِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. قُلْت فَيُعَايَى بها. وَفِيهَا وَجْهٌ في النَّوَادِرِ لَا قَصْرَ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى لَكِنْ قال الآول أَقْيَسُ وَأَشْهَرُ وَذَكَرَ أبو الْمَعَالِي تُعْتَبَرُ نِيَّةُ من لها أَنْ تَمْتَنِعَ قال وَالْجَيْشُ مع الْأَمِيرِ وَالْجُنْدِيُّ مع أَمِيرِهِ إنْ كان رِزْقُهُمْ من مَالِ أَنْفُسِهِمْ فَفِي أَيِّهِمَا تُعْتَبَرُ نِيَّتُهُ فيه وَجْهَانِ وَإِنْ لم يَكُنْ رِزْقُهُمْ في مَالِهِمْ كَالْأَجِيرِ وَالْعَبْدِ لِشَرِيكَيْنِ تُرَجَّحُ نِيَّةُ إقَامَةِ أَحَدِهِمَا. الْخَامِسَةُ يَقْصُرُ من حُبِسَ ظُلْمًا أو حَبَسَهُ مَرَضٌ او مَطَرٌ وَنَحْوُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ بِخِلَافِ الْأَسِيرِ قال في الْفُرُوعِ ويحتمل [يحتمل] أَنْ يَبْطُلَ حُكْمُ سَفَرِهِ لِوُجُودِ صُورَةِ الْإِقَامَةِ. قال أبو الْمَعَالِي كَقَصْرِهِ لِوُجُودِ صُورَةِ السَّفَرِ في التي قَبْلَهَا. وَأَمَّا الْمَفْهُومُ فَمَفْهُومُ الْمُوَافَقَةِ وهو ما إذَا كان سَفَرُهُ مُسْتَحَبًّا أو وَاجِبًا كَسَفَرِ الْحَجِّ وَالْجِهَادِ وَالْهِجْرَةِ وَزِيَارَةِ الْإِخْوَانِ وَعِيَادَةِ الْمَرْضَى وَزِيَارَةِ أَحَدِ الْمَسْجِدَيْنِ وَالْوَالِدَيْنِ وَنَحْوِهِ فَيَجُوزُ الْقَصْرُ فيه بِلَا نِزَاعٍ. وَمَفْهُومُ الْمُخَالَفَةِ يَشْمَلُ قِسْمَيْنِ. الْقِسْمُ الْأَوَّلُ سَفَرُ الْمَعْصِيَةِ فَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ فيه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَوَازَ الْقَصْرِ فيه وَرَجَّحَه ابن عَقِيلٍ في بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَقَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ لَا يَجُوزُ له الْقَصْرُ وَلَا أَكْلُ الْمَيْتَةِ إذَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَنَصَّ عليه قال في التَّلْخِيصِ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ يَجُوزُ له أَكْلُ الْمَيْتَةِ وَلَا يُمْنَعُ منه اخْتَارَهُ في التَّلْخِيصِ وَحَكَاهُ في الْفُرُوعِ رِوَايَةً وقال هِيَ أَظْهَرُ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ إنْ خَافَ على نَفْسِهِ قِيلَ له تُبْ وَكُلْ. وَيَأْتِي في أَوَّلِ الْحَجْرِ إذَا سَافَرَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَحِلُّ في سَفَرِهِ أو هو حَالٌّ هل له التَّرَخُّصُ أَمْ لَا.
فائدة: قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى لَا يَتَرَخَّصُ من قَصَدَ مَشْهَدًا أو مَسْجِدًا غير الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ أو قَصَدَ قَبْرًا غير قَبْرِ النبي صلى اللَّهُ عليه وسلم. قُلْت أو نَبِيٍّ غَيْرِهِ وَجَزَمَ بهذا في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى. قال في التَّلْخِيصِ قَاصِدُ الْمَشَاهِدِ وزيارتها [وزيادتها] لَا يَتَرَخَّصُ انْتَهَى وَجَزَمَ بِهِ في النَّظْمِ وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ جَوَازُ التَّرَخُّصِ قَالَهُ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ. الْقِسْمُ الثَّانِي السَّفَرُ الْمَكْرُوهُ فَلَا يَجُوزُ الْقَصْرُ فيه صَرَّحَ بِه ابن مُنَجَّا في شَرْحِهِ وَقاله ابن عَقِيلٍ في السَّفَرِ إلَى الْمَشَاهِدِ قال في الْفُرُوعِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ. قُلْت قال في الْهِدَايَةِ إذَا سَافَرَ سَفَرًا في غَيْرِ مَعْصِيَةٍ فَلَهُ أَنْ يَقْصُرَ وَكَذَا في الْخُلَاصَةِ. فَظَاهِرُهُمَا جوز [جواز] الْمَسْحِ في السَّفَرِ الْمَكْرُوهِ قال في تَذْكِرَةِ بن عَبْدُوسٍ وَيُسَنُّ لِمُسَافِرٍ لِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ انْتَهَى وَمَنْ يُجِيزُ الْقَصْرَ في سَفَرِ الْمَعْصِيَةِ فَهُنَا بِطَرِيقِ أَوْلَى. قَوْلُهُ يَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا. الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ في جَوَازِ الْقَصْرِ أَنْ تَكُونُ مَسَافَةُ السَّفَرِ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا بَرًّا أو بَحْرًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَعَنْهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عِشْرِينَ فَرْسَخًا حَكَاهَا ابن أبي مُوسَى فَمَنْ بَعْدَهُ. وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَوَازَ الْقَصْرِ في مَسَافَةِ فَرْسَخٍ وقال أَيْضًا إنْ حَدَّ فَتَحْدِيدُهُ بِبَرِيدٍ أَجْوَدُ. وقال الْمُصَنِّفُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَيْضًا لَا حُجَّةَ لِلتَّحْدِيدِ بَلْ الْحُجَّةُ مع من أَبَاحَ الْقَصْرَ لِكُلِّ مُسَافِرٍ إلَّا أَنْ يَنْعَقِدَ الْإِجْمَاعُ على خِلَافِهِ.
فَوَائِدُ: إحداها الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ مِقْدَارَ الْمَسَافَةِ تَقْرِيبٌ لَا تَحْدِيدٌ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تقريبا [تقريب] وهو أَوْلَى. قُلْت هذا مِمَّا لَا يُشَكُّ فيه. وقال أبو الْمَعَالِي الْمَسَافَةُ تَحْدِيدٌ قال ابن رَجَبٍ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ الْأَمْيَالُ تَحْدِيدٌ نَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ. الثَّانِيَةُ السِّتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا يَوْمَانِ قَاصِدَانِ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ بُرُدٍ وَالْبَرِيدُ أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ هَاشِمِيَّةٍ وَبِأَمْيَالِ بَنِي أُمَيَّةَ مِيلَانِ وَنِصْفٌ وَالْمِيلُ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَدَمٍ قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَطَعَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَذَلِكَ سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَالذِّرَاعُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا مُعْتَرِضَةً مُعْتَدِلَةً قَطَعَ بِهِ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وقال أبو الْفَرَجِ بن أبي الْفَهْمِ الْمِيلُ أَرْبَعَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ بِالْوَاسِطِيِّ انْتَهَى. وَقِيلَ هو أَلْفُ خُطْوَةٍ بِخُطَى الْجَمَلِ. وَقَدَّمَ في الرِّعَايَةِ أَنَّهُ أَلْفَا خُطْوَةٍ ثُمَّ قال قُلْت يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخِلَافُ بِاخْتِلَافِ خُطْوَتَيْهِ ثُمَّ قال وَقِيلَ الْمِيلُ أَلْفُ بَاعٍ كُلُّ بَاعٍ أَرْبَعَةُ أَذْرُعٍ فَقَطْ كُلُّ ذِرَاعٍ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ إصْبَعًا كُلُّ إصْبَعٍ سِتُّ حَبَّاتِ شَعِيرٍ بُطُونُ بَعْضِهَا إلَى بُطُونِ بَعْضٍ عُرْضُ كل شَعِيرَةٍ سِتُّ شَعَرَاتِ بِرْذَوْنٍ انْتَهَى. وقال الْحَافِظُ الْعَلَّامَةُ بن حَجَرٍ في فَتْحِ الْبَارِي شَرْحِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَقِيلَ الْمِيلُ ثَلَاثَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَقِيلَ ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَخَمْسُمِائَةٍ وَصَحَّحَه ابن عبد الْبَرِّ ثُمَّ قال الذِّرَاعُ الذي ذَكَرَ قد حُرِّرَ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ الْمُسْتَعْمَلِ الْآنَ في مِصْرَ وَالْحِجَازِ في هذه الْأَعْصَارِ يَنْقُصُ عن ذِرَاعِ الْحَدِيدِ بِقَدْرِ الثُّمُنِ فَعَلَى هذا فَالْمِيلُ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ على الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ خَمْسَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا قال وَهَذِهِ.
فائدة: نَفِيسَةُ قَلَّ من تَنَبَّهَ إلَيْهَا انْتَهَى. الثَّالِثَةُ قال الْجَوْهَرِيُّ الْمِيلُ من الْأَرْضِ مُنْتَهَى مَدِّ الْبَصَرِ وَقِيلَ حَدُّهُ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الشَّخْصِ في أَرْضٍ مُسَطَّحَةٍ فَلَا يدرى هو رَجُلٌ أو امْرَأَةٌ أَهُوَ ذَاهِبٌ أَمْ هو آتٍ. الرَّابِعَةُ الْمُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْمَسَافَةِ لَا حَقِيقَتُهَا فَلَوْ رَجَعَ قبل اسْتِكْمَالِهَا فَلَا إعَادَةَ عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ يُعِيدُ من لم يَبْلُغْ الْمَسَافَةَ حَكَاهَا الْقَاضِي في شَرْحِهِ قال وَهِيَ أَصَحُّ وَهِيَ من الْمُفْرَدَاتِ. وَلَوْ شَكَّ في قَدْرِ الْمَسَافَةِ لم يَقْصُرْ فَلَوْ خَرَجَ لِطَلَبِ آبِقٍ وَنَحْوِهِ على أَنَّهُ مَتَى وَجَدَهُ رَجَعَ لم يَقْصُرْ وَلَوْ بَلَغَ مَسَافَةَ الْقَصْرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَاخْتَارَ بن أبي مُوسَى وابن عَقِيلٍ الْقَصْرَ بِبُلُوغِ الْمَسَافَةِ وَإِنْ لم يَنْوِهَا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ كَنِيَّةِ بَلَدٍ بِعَيْنِهِ يَجْهَلُ مَسَافَتَهُ ثُمَّ عَلِمَهَا فإنه يَقْصُرُ بَعْدَ عِلْمِهِ كَجَاهِلٍ بِجَوَازِ الْقَصْرِ ابْتِدَاءً. وَيَأْتِي إذَا سَافَرَ غير مُكَلَّفٍ سَفَرًا طَوِيلًا ثُمَّ كُلِّفَ في أَثْنَائِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ وإذا أَقَامَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ. الْخَامِسَةُ لَا يَقْصُرُ سَائِحٌ وَلَا هَائِمٌ لَا يَقْصِدُ مَكَانًا مُعَيَّنًا جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى قال في الْكُبْرَى لَا يَتَرَخَّصُ في الْأَصَحِّ وقال كَذَا لَا يَتَرَخَّصُ تَائِهٌ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ وَمَنْ حَوْلَهُمْ كَغَيْرِهِمْ إذَا ذَهَبُوا إلَى عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ وَمِنًى وهو صَحِيحٌ فَلَا يَجُوزُ لهم الْقَصْرُ وَلَا الْجَمْعُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نص [ونص] عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وقال لَا يُجْمِعُونَ وَلَا يَقْصُرُونَ عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا وَاخْتَارَ أبو الْخَطَّابِ في الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ جَوَازَ الْقَصْرِ وَالْجَمْعِ لهم فَيُعَايَى بها وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ جَوَازَ الْجَمْعِ فَقَطْ قال في الْفُرُوعِ وهو الْأَشْهَرُ عن أَحْمَدَ فَيُعَايَى بها تَنْبِيهَاتٌ. أَحَدُهَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُفَارِقَ الْبُيُوتَ الْعَامِرَةَ وَالْخَرِبَةَ وهو وَجْهٌ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُفَارِقَ الْبُيُوتَ الْخَرِبَةَ بَلْ له الْقَصْرُ إذَا فَارَقَ الْبُيُوتَ الْعَامِرَةَ سَوَاءٌ وَلِيَهَا بُيُوتٌ خَرِبَةٌ أو الْبَرِّيَّةُ وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ هُنَا. أَمَّا إنْ وَلِيَ الْبُيُوتَ الْخَرِبَةَ بُيُوتٌ عَامِرَةٌ فَلَا بُدَّ من مُفَارَقَةِ الْبُيُوتِ الْخَرِبَةِ وَالْعَامِرَةِ التي تَلِيهَا قال أبو الْمَعَالِي وَكَذَا لو جَعَلَ الْخَرَابَ مَزَارِعَ وَبَسَاتِينَ يَسْكُنُهُ أَهْلُهُ وَلَوْ في فَصْلِ النُّزْهَةِ. الثَّانِي مَفْهُومُ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ إلَّا إذَا فَارَقَ الْبُيُوتَ سَوَاءٌ كانت دَاخِلَ السُّورِ أو خَارِجَهُ وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَقِيلَ له الْقَصْرُ إذَا فَارَقَ سُورَ بَلَدِهِ وَلَوْ لم يُفَارِقْ الْبُيُوتَ قَدَّمَهُ في الْفَائِقِ. الثَّالِثُ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَيْضًا وَكَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ جَوَازُ الْقَصْرِ إذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ سَوَاءٌ اتَّصَلَ بِهِ بَلَدٌ آخَرُ أولا وَاعْتَبَرَ أبو الْمَعَالِي انْفِصَالَهُ وَلَوْ بِذِرَاعٍ مَوْجُودٌ في كَلَامِ الْمَجْدِ وَغَيْرِهِ لَا يَتَّصِلُ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وإذا تَقَارَبَتْ قَرْيَتَانِ أو حُلَّتَانِ فَهُمَا كَوَاحِدَةٍ وَإِنْ تباعدتا [تباعدنا] فَلَا.
فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا قال أبو الْمَعَالِي لو بَرَزُوا بِمَكَانٍ لِقَصْدِ الِاجْتِمَاعِ ثُمَّ بَعْدَ اجْتِمَاعِهِمْ يُنْشِئُونَ السَّفَرَ من ذلك الْمَكَانِ فَلَا قَصْرَ حتى يُفَارِقُوهُ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ يَقْصُرُونَ وهو مُتَّجَهٌ انْتَهَى. الثَّانِيَةُ يُعْتَبَرُ في سُكَّانِ الْقُصُورِ وَالْبَسَاتِينِ مُفَارَقَةُ ما نُسِبُوا إلَيْهِ عُرْفًا وَاعْتَبَرَ أبو الْمَعَالِي وأبو الْوَفَاءِ مُفَارَقَةَ من صَعِدَ جَبَلًا الْمَكَانَ الْمُحَاذِيَ لِرُءُوسِ الْحِيطَانِ وَمُفَارَقَةَ من هَبَطَ لِأَسَاسِهَا لِأَنَّهُ لَمَّا اعْتَبَرَ مُفَارَقَةَ الْبُيُوتِ إذَا كانت مُحَاذِيَةً اعْتَبَرَ هُنَا مُفَارَقَةَ سَمْتِهَا. قَوْلُهُ وهو أَفْضَلُ من الْإِتْمَامِ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ الْإِتْمَامُ أَفْضَلُ. قَوْلُهُ وَإِنْ أَتَمَّ جَازَ. يَعْنِي من غَيْرِ كَرَاهَةٍ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه وَقِيلَ لَا يَجُوزُ الْإِتْمَامُ قال في الْفَائِقِ وَعَنْهُ التَّوَقُّفُ وَعَنْهُ لَا يُعْجِبُنِي الاتمام وَقِيلَ يُكْرَهُ الاتمام اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ. قُلْت وَيَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ. قال في الْقَاعِدَةِ الثَّالِثَةِ وَعَنْ أبي بَكْرٍ أَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ تَنَفُّلٌ. لَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِ بِهِ فِيهِمَا وهو مُتَمَشٍّ على أَصْلِهِ وهو عَدَمُ اعْتِبَارِ نِيَّةِ الْقَصْرِ وَيَأْتِي عنه اشْتِرَاطُ النِّيَّةِ هل الْأَصْلُ في صَلَاةِ الْمُسَافِرِ أَرْبَعٌ أو رَكْعَتَانِ.
فائدة: يُوتِرُ في السَّفَرِ ويصلى سُنَّةَ الْفَجْرِ أَيْضًا وَيُخَيَّرُ في غَيْرِهَا هذا الْمَذْهَبُ. وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يُسَنُّ تَرْكُ التَّطَوُّعِ بِغَيْرِ الْوِتْرِ وَسُنَّةِ الْفَجْرِ قِيلَ لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ التَّطَوُّعُ في السَّفَرِ قال أَرْجُو أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ وَأَطْلَقَ أبو الْمَعَالِي التَّخْيِيرَ في النَّوَافِلِ وَالسُّنَنِ الرَّاتِبَةِ. قُلْت هو فِعْلُ كَثِيرٍ من السَّلَفِ. وَنَقَلَ بن هَانِئٍ يَتَطَوَّعُ أَفْضَلُ وَجَزَمَ بِهِ في الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ في غَيْرِ الرَّوَاتِبِ وَنَقَلَهُ بَعْضُهُمْ إجْمَاعًا قال في الْفَائِقِ لَا بَأْسَ بِتَنَفُّلِ الْمُسَافِرِ نَصَّ عليه. قَوْلُهُ فَإِنْ أَحْرَمَ في الْحَضَرِ ثُمَّ سَافَرَ أو في السَّفَرِ ثُمَّ أَقَامَ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ. هذا الْمَذْهَبُ بِلَا رَيْبٍ فِيهِمَا قال في الْفُرُوعِ وَمَنْ أَوْقَعَ بَعْضَ صَلَاتِهِ مُقِيمًا كَرَاكِبِ سَفِينَةٍ أَتَمَّ وَجَعَلَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَصْلًا لِمَنْ ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍ في حَضَرٍ. وَقِيلَ إنْ نَوَى الْقَصْرَ مع عِلْمِهِ بِإِقَامَتِهِ في اثنائها صَحَّ. فَعَلَى الْمَذْهَبِ لو كان مَسَحَ فَوْقَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ بَطَلَتْ في الْأَشْهَرِ لِبُطْلَانِ الطَّهَارَةِ بِبُطْلَانِ الْمَسْحِ.
فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا لو دخل وَقْتُ الصَّلَاةِ على مُقِيمٍ ثُمَّ سَافَرَ أَتَمَّهَا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ قال في الْحَوَاشِي هو قَوْلُ أَصْحَابِنَا وهو من الْمُفْرَدَاتِ وَعَنْهُ يَقْصُرُ اخْتَارَهُ في الْفَائِقِ وَحَكَاه ابن الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا كَقَضَاءِ الْمَرِيضِ ما تَرَكَهُ في الصِّحَّةِ نَاقِصًا وَكَوُجُوبِ الْجُمُعَةِ على الْعَبْدِ الذي عَتَقَ بَعْدَ. الزَّوَالِ وَكَالْمَسْحِ على الْخُفَّيْنِ وَقِيلَ إنْ ضَاقَ الْوَقْتُ لم يَقْصُرْ وَعَنْهُ إنْ فَعَلَهَا في وَقْتِهَا قَصَرَ اخْتَارَهَا ابن أبي مُوسَى. الثَّانِيَةُ لو قَصَرَ الصَّلَاتَيْنِ في السَّفَرِ في وَقْتِ أُولَاهُمَا ثُمَّ قَدِمَ قبل دُخُولِ وَقْتِ الثَّانِيَةِ أَجْزَأَهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يُجْزِئُهُ وَمِثْلُهُ لو جَمَعَ بين الصَّلَاتَيْنِ في وَقْتِ أُولَاهُمَا بِتَيَمُّمٍ ثُمَّ دخل وَقْتُ الثَّانِيَةِ وهو وَاجِدٌ لِلْمَاءِ. قَوْلُهُ وإذا ذَكَرَ صَلَاةَ حَضَرٍ في سَفَرٍ أو صَلَاةَ سَفَرٍ في حَضَرٍ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ. هذا الْمَذْهَبُ فِيهِمَا نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم. وَقِيلَ يَقْصُرُ فِيمَا إذَا ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍ في حَضَرٍ. وحكى وَجْهٌ يَقْصُرُ أَيْضًا في عَكْسِهَا اعْتِبَارًا بِحَالَةِ أَدَائِهَا كَصَلَاةِ صِحَّةٍ في مَرَضٍ وهو خِلَافُ ما حَكَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وابن الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا. قَوْلُهُ أو أئتم بِمُقِيمٍ أو بِمَنْ يَشُكُّ فيه لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ. وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ. وَعَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ إلَّا إذَا أَدْرَكَ معه رَكْعَةً فَأَكْثَرَ اختارها في الْفَائِقِ فَعَلَيْهَا يَقْصُرُ من ادرك التَّشَهُّدَ في الْجُمُعَةِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ يُتِمُّ نَصَّ عليه قال في الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ تَخْرِيجٌ من صَلَاةِ الْخَوْفِ يَقْصُرُ مُطْلَقًا كما خَرَّجَ بَعْضُهُمْ إيقَاعَهَا مَرَّتَيْنِ على صِحَّةِ اقْتِدَاءِ مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ.
فائدة: لو نَوَى الْمُسَافِرُ الْقَصْرَ حَيْثُ يَحْرُمُ عليه عَالِمًا بِهِ كَمَنْ نَوَى الْقَصْرَ خَلْفَ مُقِيمٍ عَالِمًا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّ صَلَاتَهُ لَا تَنْعَقِدُ لِنِيَّتِهِ تَرْكَ الْمُتَابَعَةِ ابْتِدَاءً كَنِيَّةِ مُقِيمٍ الْقَصْرَ وَنِيَّةِ مُسَافِرٍ وَعَقَدَ الظُّهْرَ خَلْفَ إمَامِ جُمُعَةٍ نَصَّ عليه. وَقِيلَ تَنْعَقِدُ لآنه لَا يُعْتَبَرُ لِلْإِتْمَامِ تَعْيِينُهُ بِنِيَّةٍ فَيُتِمُّ تَبَعًا كما لو كان غير. عَالِمٍ وَإِنْ صَحَّ الْقَصْرُ بِلَا نِيَّةِ قَصْرٍ قال في الرِّعَايَةِ وَتَابَعَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَتَتَخَرَّجُ الصِّحَّةُ في الْعَبْدِ إنْ لم تَجِبْ عليه الْجُمُعَةُ وَإِنْ صلى الْمُسَافِرُ خَلْفَ من يُصَلِّي الْجُمُعَةَ وَنَوَى الْقَصْرَ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ. وقال أبو الْمَعَالِي يُتَّجَهُ أَنْ تُجْزِئَهُ إنْ قُلْنَا الْجُمُعَةُ ظُهْرٌ مَقْصُورَةٌ قال أبو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ وَإِنْ ائْتَمَّ من يَقْصُرُ الظُّهْرَ بِمُسَافِرٍ أو مُقِيمٍ يُصَلِّي الصُّبْحَ أَتَمَّ. قَوْلُهُ أو أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا فَفَسَدَتْ وَأَعَادَهَا لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ. إذَا أَحْرَمَ بِصَلَاةٍ يَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا فَفَسَدَتْ إنْ كان فَسَادُهَا عن غَيْرِ حَدَثِ الْإِمَامِ لَزِمَهُ إتْمَامُهَا قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ كان فَسَادُهَا لِكَوْنِ الْإِمَامِ بَانَ مُحْدِثًا بَعْدَ السَّلَامِ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ أَيْضًا وَإِنْ بَانَ مُحْدِثًا قبل السَّلَامِ فَفِي لُزُومِ الْإِتْمَامِ وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالْفُرُوعِ وابن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى في مَوْضِعٍ اخر فَلَهُ الْقَصْرُ في الْأَصَحِّ. قال ابو الْمَعَالِي إنْ بَانَ مُحْدِثًا مُقِيمًا مَعًا قَصَرَ وَكَذَا إنْ بَانَ حَدَثُهُ أَوَّلًا لَا عَكْسُهُ.
فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا لو صلى مُسَافِرٌ خَائِفٌ بِالطَّائِفَةِ الاولى رَكْعَةً ثُمَّ أَحْدَثَ وَاسْتَخْلَفَ مُقِيمًا لَزِمَ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ الْإِتْمَامُ لِائْتِمَامِهِمْ بِمُقِيمٍ وَأَمَّا الطَّائِفَةُ الاولى فَإِنْ نَوَوْا مُفَارَقَةَ الْأَوَّلِ قَصَرُوا وَإِنْ لم يَنْوُوا مُفَارَقَتَهُ أَتَمُّوا لِائْتِمَامِهِمْ بِمُقِيمٍ قَالَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا. الثَّانِيَةُ لو ائْتَمَّ من له الْقَصْرُ جَاهِلًا حَدَثَ نَفْسِهِ بِمُقِيمٍ ثُمَّ عَلِمَ حَدَثَ نَفْسِهِ فَلَهُ الْقَصْرُ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ لَا حُكْمَ له. قَوْلُهُ أو لم يَنْوِ الْقَصْرَ يعنى عِنْدَ الْإِحْرَامِ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ. الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ في جَوَازِ الْقَصْرِ أَنْ يَنْوِيَهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وقال أبو بَكْرٍ لَا يَحْتَاجُ الْقَصْرُ وَالْجَمْعُ إلَى نِيَّةٍ وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَاخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ في الْقَصْرِ. قال ابن رَزِينٍ في شَرْحِهِ وَالنُّصُوصُ صَرِيحَةٌ في أَنَّ الْقَصْرَ أَصْلٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى نِيَّتِهِ قال في الْفُرُوعِ وَالْأَشْهَرُ وَلَوْ نَوَى الْإِتْمَامَ ابْتِدَاءً لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ فَيَتَخَيَّرُ مُطْلَقًا كَالصَّوْمِ. قال الزَّرْكَشِيُّ قُلْت قد يَنْبَنِي على ذلك فِعْلُ الْأَصْلِ في صَلَاةِ الْمُسَافِرِ الْأَرْبَعِ وَجَوَّزَ له تَرْكَ رَكْعَتَيْنِ فإذا لم يَنْوِ الْقَصْرَ لَزِمَهُ الْأَصْلُ وَوَقَعَتْ الْأَرْبَعُ فَرْضًا أو أَنَّ الْأَصْلَ في حَقِّهِ رَكْعَتَانِ وَجَوَّزَ له أَنْ يَزِيدَ رَكْعَتَيْنِ تَطَوُّعًا فإذا لم يَنْوِ الْقَصْرَ فَلَهُ فِعْلُ الْأَصْلِ وهو رَكْعَتَانِ فيه رِوَايَتَانِ الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ وَالثَّانِي أَظُنُّهُ اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ. وَيَنْبَنِي على ذلك إذَا ائْتَمَّ بِهِ مُقِيمٌ هل يَصِحُّ بِلَا خِلَافٍ أو هو كَالْمُفْتَرِضِ خَلْفَ الْمُتَنَفِّلِ. وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ إمَامَهُ إذَنْ مُسَافِرٌ وَلَوْ بِأَمَارَةٍ وَعَلَامَةٍ كَهَيْئَةِ لِبَاسٍ لِأَنَّ إمَامَهُ نَوَى الْقَصْرَ عَمَلًا بِالظَّنِّ لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْعِلْمُ وَلَوْ قال إنْ قَصَرَ قَصَرْت وَإِنْ أَتَمَّ أَتْمَمْت لم يَضُرَّ. ثُمَّ في قَصْرِهِ إنْ سَبَقَ إمَامَهُ الْحَدَثُ قبل عِلْمِهِ بِحَالِهِ وَجْهَانِ لِتَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ قال في الرِّعَايَةِ وَلَهُ الْقَصْرُ في الْأَصَحِّ وَقَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ.
فائدة: لو اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ الْمُسَافِرُ مُقِيمًا لَزِمَ المأمومون [المأمومين] الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُمْ بِاقْتِدَائِهِمْ الْتَزَمُوا حُكْمَ تَحْرِيمَتِهِ وَلِأَنَّ قُدُومَ السَّفِينَةِ بَلَدَهُ يُوجِبُ الْإِتْمَامَ وَإِنْ لم يَلْتَزِمْهُ. وَتَقَدَّمَ إذَا اسْتَخْلَفَ مُسَافِرٌ مُقِيمًا في الْخَوْفِ وإذا اسْتَخْلَفَ مُقِيمٌ مُسَافِرًا لم يَكُنْ معه قَصَرَ.
فَوَائِدُ: منها لو شَكَّ في الصَّلَاةِ هل نَوَى الْقَصْرَ أَمْ لَا لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ وَإِنْ ذَكَرَ فِيمَا بَعْدَ أَنَّهُ كان نَوَى لِوُجُودِ ما يُوجِبُ الْإِتْمَامَ في بَعْضِهَا فَكَذَا في جَمِيعِهَا قَالَهُ الْأَصْحَابُ وقال الْمَجْدُ يَنْبَغِي عِنْدِي أَنْ يُقَالَ فيه من التفصيل [التفضيل] ما يُقَالُ فِيمَنْ شَكَّ هل أَحْرَمَ بِفَرْضٍ أو نَفْلٍ. وَمِنْهَا لو ذَكَرَ من قام إلَى ثَالِثَةٍ سَهْوًا قَطَعَ فَلَوْ نَوَى الْإِتْمَامَ أَتَمَّ وَأَتَى له بِرَكْعَتَيْنِ سِوَى ما سَهَا بِهِ فإنه يَلْغُو وَلَوْ كان من سَهَا إمَامًا بِمُسَافِرٍ تَابَعَهُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ سَهْوَهُ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِمُتَابَعَتِهِ وَيَتَخَرَّجُ لَا تَبْطُلُ. وَمِنْهَا لو نَوَى الْقَصْرَ فَأَتَمَّ سَهْوًا فَفَرْضُهُ الرَّكْعَتَانِ وَالزِّيَادَةُ سَهْوٌ يَسْجُدُ لها على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا. قُلْت فَيُعَايَى بها. وَمِنْهَا لو نَوَى الْقَصْرَ ثُمَّ رَفَضَهُ وَنَوَى الْإِتْمَامَ جَازَ قال ابن عَقِيلٍ وَتَكُونُ الْأُولَيَانِ فَرْضًا وَإِنْ فَعَلَ ذلك عَمْدًا مع بَقَاءِ نِيَّةِ الْقَصْرِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ في أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في مُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَالْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى. قُلْت الصَّوَابُ الْجَوَازُ وَفِعْلُهُ دَلِيلُ بُطْلَانِ نِيَّةِ الْقَصْدِ. قَوْلُهُ وَمَنْ له طَرِيقَانِ طَرِيقٌ بَعِيدٌ وَطَرِيقٌ قَرِيبٌ فَسَلَكَ الْبَعِيدَ فَلَهُ الْقَصْرُ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وَقِيلَ لَا يَقْصُرُ إلَّا لِغَرَضٍ لَا في سُلُوكِهِ سِوَى الْقَصْرِ وَخَرَّجَه ابن عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ على سَفَرِ النُّزْهَةِ وَرَدَّهُ في الْفُرُوعِ قال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ لَا يَقْصُرُ إنْ سَلَكَهُ لِيَقْصُرَ فَقَطْ ثُمَّ قال وَقُلْت وَمِثْلُهُ بَقِيَّةُ رُخَصِ السَّفَرِ. قَوْلُهُ أو ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍ في آخَرَ فَلَهُ الْقَصْرُ. هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ. في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَصَحَّحَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَنَصَرَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ وهو احْتِمَالٌ في الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَنَظْمِ نِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَأَطْلَقَهُمَا ابن تَمِيمٍ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ.
فائدة: قال في الْفُرُوعِ لو ذَكَرَهَا في إقَامَةٍ مُتَخَلَّلَةٍ أَتَمَّ وَقِيلَ يَقْصُرُ لِأَنَّهُ لم يُوجَدْ ابْتِدَاءُ وُجُوبِهَا فيه انْتَهَى. وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مُرَادَهُ بِالْإِقَامَةِ الْمُتَخَلَّلَةِ التي يُتِمُّ فيها الصَّلَاةَ في أَثْنَاءِ سَفَرِهِ وَمُرَادُهُ أَيْضًا إذَا كان سَفَرًا وَاحِدًا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ قبل ذلك وَمَنْ ذَكَرَ صَلَاةَ حَضَرٍ في سَفَرٍ أو عَكْسَهُ وقال في الرِّعَايَةِ وَإِنْ نَسِيَهَا في سَفَرٍ ثُمَّ ذَكَرَهَا في حَضَرٍ ثُمَّ قَضَاهَا في سَفَرٍ آخَرَ أَتَمَّهَا. فَيُحْتَمَلُ أَنَّ صَاحِبَ الْفُرُوعِ أَرَادَ هذا وَيَكُونُ قَوْلُهُ وَمَنْ ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍ في حَضَرٍ وَأَرَادَ قَضَاءَهَا في الْحَضَرِ تَنْبِيهَانِ. أَحَدُهُمَا مَفْهُومُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وهو من مَفْهُومِ الْمُوَافَقَةِ أَنَّهُ لو ذَكَرَ الصَّلَاةَ في ذلك السَّفَرِ أَنَّهُ يَقْصُرُ بِطَرِيقِ أَوْلَى وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ لِأَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْأَدَاءِ كَالْجُمُعَةِ وَنَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ ما يَدُلُّ عليه قَالَهُ الْمَجْدُ وهو من الْمُفْرَدَاتِ. الثَّانِي ظَاهِرُ قَوْلِهِ أو ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍ أَنَّهُ لو تَعَمَّدَ الْمُسَافِرُ تَرْكَ الصَّلَاةِ حتى خَرَجَ وَقْتُهَا أو ضَاقَ عنها أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُنَوِّرِ وَنَظْمِ الْمُفْرَدَاتِ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وابن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَقَالَهُ الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. قال في الْفُرُوعِ وَأَخَذَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ من تَقْيِيدِ الْمَسْأَلَةِ يَعْنِي التي قبل هذه. بِالنَّاسِي وَمِمَّا ذَكَرَه ابن أبي مُوسَى في التي قَبْلَهَا يَعْنِي إذَا سَافَرَ بَعْدَ وُجُوبِهَا عليه على ما تَقَدَّمَ أَنَّهُ يُتِمُّ من تَعَمَّدَ تَأْخِيرَهَا بِلَا عُذْرٍ حتى ضَاقَ وَقْتُهَا عنها وَقَاسَهُ على السَّفَرِ الْمُحَرَّمِ وَقَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ فإنه اعْتَبَرَ أَنْ تُفْعَلَ في وَقْتِهَا. وقال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ في وُجُوبِ الصَّلَاةِ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ إنْ سَافَرَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا لم يَقْصُرْهَا لِأَنَّهُ مُفَرِّطٌ وَلَا تَثْبُتُ الرُّخْصَةُ مع التَّفْرِيطِ في الْمُرَخَّصِ فيه انْتَهَى. قال شَيْخُنَا في حَوَاشِي الْفُرُوعِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ما ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ مَأْخَذًا لِمَسْأَلَةِ الْمُحَرَّرِ لِأَنَّهُ جَزَمَ بِعَدَمِ قَصْرِهَا وَجَزَمَ بِأَنَّهُ إذَا نَسِيَ صَلَاةً في سَفَرٍ فَذَكَرَهَا أَنَّهُ يَقْصُرُهَا فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْقَصْرِ كَوْنُهَا مُؤَدَّاةً لِأَنَّهُ لو اعْتَبَرَهُ لم يَصِحَّ قصرالمنسية انْتَهَى. قُلْت في قَوْلِ شَيْخِنَا نَظَرٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا اسْتَدَلَّ على صَاحِبِ الْفُرُوعِ بِمَا إذَا نَسِيَهَا وَصَاحِبُ الْفُرُوعِ إنَّمَا قال إذَا تَرَكَهَا عَمْدًا وَأَنَّهُ مُقَاسٌ على السَّفَرِ الْمُحَرَّمِ وَأَنَّ الْحَلْوَانِيَّ قال ذلك وَلَا يَلْزَمُ من تَجْوِيزِ الْحَلْوَانِيِّ قَصْرَهَا إذَا نَسِيَهَا أَنْ يَقْصُرَهَا إذَا تَرَكَهَا عَمْدًا. قال ابن رَجَبٍ وَلَا يُعْرَفُ في هذه الْمَسْأَلَةِ كَلَامٌ لِلْأَصْحَابِ إلَّا أَنَّ بَعْضَ الْأَئِمَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ ذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْقَصْرُ وَاسْتَشْهَدَ على ذلك بِكَلَامِ جَمَاعَةٍ من الْأَصْحَابِ في مَسَائِلَ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ حُجَّةٌ انْتَهَى وَأَرَادَ بِذَلِكَ الْمَجْدَ . قال في النُّكَتِ ولم أَجِدْ أَحَدًا ذَكَرَهَا قبل صَاحِبِ الْمُحَرَّرِ انْتَهَى. وَقِيلَ له الْقَصْرُ وَلَوْ تَعَمَّدَ التَّأْخِيرَ وهو احْتِمَالٌ في بن تَمِيمٍ وقال وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ يَعْنِي بِهِ الْمُصَنِّفَ وَاخْتَارَهُ في الْفَائِقِ وَإِلَيْهِ مَيْلُ بن رَجَبٍ وَنَصَرَهُ في النُّكَتِ وَرَدَّ ما اسْتَدَلَّ بِهِ الْمَجْدُ قال ابن الْبَنَّا في شَرْحِ الْمَجْدِ من أَخَّرَ الصَّلَاةَ عَمْدًا في السَّفَرِ وَقَضَاهَا في السَّفَرِ فَلَهُ الْقَصْرُ كَالنَّاسِي قال فلم يُفَرِّقْ أَصْحَابُنَا بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ في الْمَأْثَمِ انْتَهَى. قال ابن رَجَبٍ وهو غَرِيبٌ جِدًّا وَذَكَرَ الْقَاضِي أبو يَعْلَى الصَّغِيرُ في شَرْحِ الْمَذْهَبِ نَحْوَهُ وقال في النُّكَتِ وَعُمُومُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ يَدُلُّ على جَوَازِ الْقَصْرِ في هذه الْمَسْأَلَةِ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَذَكَرَهُ في الرِّعَايَةِ وَجْهًا وهو ظَاهِرُ اخْتِيَارِهِ في الْمُغْنِي وَذَكَرَ عنه ما يَدُلُّ على ذلك. وَجَعَلَ نَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ إتْمَامَ الصَّلَاةِ إذَا تَرَكَهَا عَمْدًا حتى يَخْرُجَ وَقْتُهَا من الْمُفْرَدَاتِ فقال: وَهَكَذَا في الْحُكْمِ من إذَا تَرَكْ *** صَلَاتَهُ حتى إذَا الْوَقْتُ انْفَرَكْ وكان عَمْدًا فَرْضُهُ الْإِتْمَامَ *** وَلَيْسَ كَالنَّاسِي يا غُلَامَ وهو قد قال هَيَّأْتُهَا على الصَّحِيحِ الْأَشْهَرِ *** وَكَأَنَّهُ اعْتَمَدَ على ما في الْمُحَرَّرِ قَوْلُهُ إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ في بَلَدٍ أَكْثَرَ من إحْدَى وَعِشْرِينَ صَلَاةً أَتَمَّ وَإِلَّا قَصَرَ. هذا إحْدَى الرِّوَايَاتِ عن أَحْمَدَ اخْتَارَهَا الْخِرَقِيُّ وأبو بَكْرٍ وَالْمُصَنِّفُ قال في الْكَافِي هِيَ الْمَذْهَبُ قال في الْمُغْنِي هذا الْمَشْهُورُ عن أَحْمَدَ وَنَصَرَهَا في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قال ابن رَجَبٍ في شَرْحِ الْبُخَارِيِّ هذا مَذْهَبُ أَحْمَدَ الْمَشْهُورُ عنه وَاخْتِيَارُ أَصْحَابِهِ وَجَعَلَهُ أبو حَفْصٍ الْبَرْمَكِيُّ مَذْهَبَ أَحْمَدَ من غَيْرِ خِلَافٍ عنه وَتَأَوَّلَ كُلَّ ما خَالَفَهُ مِمَّا روى عنه وَجَزَمَ بِهِ في الْعُمْدَةِ وَنَاظِمُ الْمُفْرَدَاتِ وهو منها وَقَدَّمَهُ النَّاظِمُ. وَعَنْهُ إنْ نَوَى الْإِقَامَةَ أَكْثَرَ من عِشْرِينَ صَلَاةً أَتَمَّ وَإِلَّا قَصَرَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الْمَذْهَبُ قال ابن عَقِيلٍ هذه الْمَذْهَبُ قال في عُمْدَةِ الْأَدِلَّةِ وَالْقَاضِي في خِلَافِهِ هذه أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَه ابن عَبْدُوسٍ في تَذْكِرَتِهِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِيضَاحِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَنِهَايَةِ بن رَزِينٍ وَنَظْمِهَا وَمُنْتَخَبِ الأدمى وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالتَّلْخِيصِ وابن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُحَرَّرِ. وَعَنْهُ إنْ نَوَى الْإِقَامَةَ أَكْثَرَ من تِسْعَةَ عَشَرَ صَلَاةً أَتَمَّ وَإِلَّا قَصَرَ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَطْلَقَهُنَّ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ. وقال في النَّصِيحَةِ إنْ نَوَى الْإِقَامَةَ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ وَإِلَّا قَصَرَ.
فَائِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا يَحْسِبُ يوم الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ من الْمُدَّةِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ لَا يُحْسَبَانِ منها. الثَّانِيَةُ لو نَوَى الْمُسَافِرُ إقَامَةً مُطْلَقَةً أو أَقَامَ بِبَادِيَةٍ لَا يُقَامُ بها أو كانت لَا تُقَامُ فيها الصَّلَاةُ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في الْفَائِقِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وابن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ وَغَيْرِهِمْ. وَقِيلَ لَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ تُقَامُ فيه الْجُمُعَةُ وَقِيلَ أو غَيْرُهَا ذَكَرَهُ أبو الْمَعَالِي وقال في التَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ إقَامَةُ الْجَيْشِ لِلْغَزْوِ لَا تَمْنَعُ التَّرَخُّصَ وَإِنْ طَالَتْ لِفِعْلِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ. قال في النُّكَتِ يُشْتَرَطُ في الْإِقَامَةِ التي لَا تَقْطَعُ السَّفَرَ إذَا نَوَاهَا الْإِمْكَانُ بِأَنْ يَكُونَ مَوْضِعَ لُبْثٍ وَقَرَارٍ في الْعَادَةِ فَعَلَى هذا لو نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَوْضِعٍ لَا يُمْكِنُ لم يَقْصُرْ لِأَنَّ الْمَانِعَ نِيَّةُ الْإِقَامَةِ في بلده ولم تُوجَدْ وقال أبو الْمَعَالِي في شَرْحِ الْهِدَايَةِ فَإِنْ كان لَا يُتَصَوَّرُ الْإِقَامَةُ فيها أَصْلًا كَالْمَفَازَةِ فَفِيهِ وَجْهَانِ انْتَهَى. وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُ إنَّ له الْقَصْرَ وَالْفِطْرَ وَإِنَّهُ مُسَافِرٌ ما لم يَجْمَعْ على إقَامَةٍ وَيَسْتَوْطِنُ. قَوْلُهُ وإذا أَقَامَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ. قَصَرَ أَبَدًا يَعْنِي إذَا لم يَنْوِ الْإِقَامَةَ وَلَا يَعْلَمُ فَرَاغَ الْحَاجَةِ قبل فَرَاغِ مُدَّةِ الْقَصْرِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ يَجُوزُ فيها الْقَصْرُ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ ظَنَّ أَنَّ الْحَاجَةَ لَا تَنْقَضِي إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْقَصْرِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ له. الْقَصْرُ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ وَقِيلَ له ذلك جَزَمَ بِهِ في الْكَافِي وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ قال في الْحَوَاشِي وهو الذي ذَكَرَه ابن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ.
|